قهوة أبو العلا في قلقيلية
مجموعة طاولات متناثرة في زوايا مبنى قديم، حديث جانبي بين الجالسين، ابوابها القديمة المصنوعة من الزينكو المقوى التي تفتح وتغلق بالرفع الى الاسفل والاعلى بصوت يشبه اطلاق النار من سلاح ناري.
الزبائن طلباتهم معروفة وبالاشارة يفهم صاحب القهوة واولاده ماذا يريدون، وتحمل المشروبات على صينية دائرية الشكل وبأداء فني، وبحركة دوران سريعة لا تسقط المشروبات من الصينية.
الوحيدة بقيت صاحبة التراث العريق والتاريخ القديم في مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية والمحاصرة بالجدار بشكل محكم، غاب عنها من اهالي المدينة اصحاب الكوفيات الفلسطينية من كبار السن وحل محلهم صغار السن من الشباب، الكراسي بقيت كما هي والمصنوعة من قضبان حديدية وفي الوسط مجموعة من الحبال المتجمعة، وطاولة الوسط من الحديد والصاج.
قهوة ابو العلا، القهوة الوحيدة في قلقيلية التي تضم 50 الف مواطن يتحركون بمسافة ضيقة جدا تقدر باربعة كيلومترات فقط.
اقرأ ايضا : مقاهي قلقيلية
المواطن طلال نزال 55 عاما الذي يعشق القهوة ويزورها بشكل يومي كشخص مدمن يجلس امامها وهو يسرح بخيال واسع مع ارجيلة مميزة ويتحدث ببضع كلمات قائلا : سافرت الى السعودية وعملت هناك سنوات وكانت ذكريات القهوة لا تفارقني،وبعد عودتي من السعودية بعد حرب الخليج اول عمل قمت به زيارة القهوة والجلوس فيها، نزال يجلس لوحده في اغلب الاحيان ويشعر بالارتخاء والراحة وهو جالس على مقاعد القهوة.
صاحبها عبد الرحمن عوينات (ابو الامجد) 55عاما يقول وهو جالس امامها في وسط المدينة : تاريخ هذه القهوة منذ عهد الاربعينيات وقلقيلية قرية صغيرة جدا وتسلمت ادارتها بعد احتلال المدينة من الجيش الاسرائيلي عام 1967م واذكر انه كان عام 1972، واضاف: كانت تعج بكبار السن في الصباح ووقت الظهيرة والمساء، ولم يكن هناك متسع للزبائن، لذا كانت المناطق القريبة منها مشغولة، والكل منشغل بحديث جانبي، هذا يتكلم عن ارضه واخر عن تجارته، ولم تكن السياسة حاضرة او بضاعة رائجة بين الزبائن، فنحن امام احتلال جديد وانفتاح على اسرائيل والكل يتحدث عن الاعمال الجديدة.
يقارن ابو الامجد بين الامس واليوم ويقول : انظر كل الزبائن من الشباب ولا تسمع لهم حسا او صوتا، فالسكون سيد الموقف كما يقولون، والسياسة تلقي بظلالها على الحاضرين، البعض يتحدث عن مؤتمر فتح السادس والمشاكل بين فتح وحماس واخر عن نتانياهو والوطن البديل، فالسياسة تعكر صفو جو القهوة يقول عوينات.
اقرا ايضا : القهوة العربية
في بداية الثمانينات ترك عبد الرحمن عوينات القهوة وسلم ادارتها لابنائه وذهب الى امريكا للبحث عن عمل، وبعد مكوثه عدة سنوات هناك لم يستطع ابو الامجد مقاومة الشوق والحنين الى قهوته قهوة ابو العلا ويقول : تركت كل شيء في امريكا وعدت كي اكمل مشوار عمري في هذه القهوة، فزبائن القهوة وبعد فراق يستمر اكثر من عشرين عاما يعودون اليها ويسألون عنها، لان جزءا من ذكرياتهم كان فيها.
قهوة ابو العلا تقاوم التجديد كما يقول ابو الامجد، فالمشروبات الساخنة هي المتوفرة، ولم ادخل عليها تجديدا كما هو في المحلات الجديدة والتي يطلق عليها الكافتيريا، فكل شيء فيها تراث حتى الكراسي.
وأضاف ابو العلا: قبل انتهاء الحديث عن تاريخ القهوة قبل عام 2000 بادرت باقامة قهوة جديدة قريبة من الخط الاخضر وكانت عامرة بالزوار من عرب الداخل الا ان اقامة الجدار واندلاع الانتفاضة جعل الاستراحة الجديدة خرابا يسكنها الرصاص وتفوح بالقرب منها رائحة الموت فالعديد من شهداء وجرحى الانتفاضة أصيبوا بالقرب منها وأغلق المدخل الجنوبي وأصبحت المنطقة خرابا ينعق فيه البوم وحراس الجدار.
تعليقات
إرسال تعليق