القائمة الرئيسية

الصفحات

زيارة الملك عبد الله الأول إلى قلقيلية

زيارة الملك عبد الله الأول إلى قلقيلية

بقلم: الكاتب والباحث الميداني
أ. محمد توفيق زهران

زيارة الملك عبد الله الأول إلى قلقيلية

ذات يوم قمت بجولة بسيارتي في غابات دبين الجميلة بصحبة تميم نوفل المكنى بأبي فادي وفي الطريق بين الغابات لفت أبو فادي نظري إلى علامة وزارة الزراعة تشير إلى معلومات تاريخية عن شجرة عملاقة وطلب مني الوقوف بجانبها وبدأت أقرأ ما كتب عليها بالخط الأخضر ]شجرة الهدأة[([1]) الشجرة التي كان يستظل تحتها جلالة المغفور له الملك عبد الله الأول بن الحسين. العمر التقديري لها 250 سنة من نوع الصنوبر الحلبي.


ترجلت من السيارة وجلست مع أبي فادي نستظل بعض الوقت تحت الشجرة، فتذكرت الماضي الجميل في عهد الملك عبد الله الأول الذي كان يجلس في هذا المكان بعيداً عن المجاملات الرسمية التي ترهق القائد، وعلى أنغام أصوات الطيور وهدوء المكان في غابات دبين تذكرت زيارة الملك عبدالله الأول إلى بلدتي قلقيلية عام 1950م.


فقلت لأبي فادي: هل تذكر يا صديقي الزيارة التاريخية للمغفور له بإذن الله الملك عبدالله الأول إلى قلقيلية في ربيع عام1950م قبل وحدة الضَّفتين24] /4/1950م[.

([2])

وقد أشاد بهذه الوحدة الشاعر/ حسن البُحيري قائلا:

                     ]رَقَـــصَ الأُردُنُّ فـــي أفـــــراحِــهـــا

وَتَـــنـــاغَــــت بِــهَــــواهــا الضَّــفَـــتَــانِ [

قال: نعم منذ الصغر وأنا أتذكر ذلك جيداً يا صديقي، وأردف قائلاً: لقد خرجت عائلات قلقيلية عن بكرة أبيها تستقبل الملك عبدالله الذي دافع عن الضفة الغربية وخاصة القرى الحدودية ومنها: قلقيلية ]البلد[ في مؤتمر رودس، وفرشوا له السِّجاد من مدخل الشرقي لقلقيلية حتى بيت الضيافة وأُقيمت له المهرجانات والأقواس على طول الشارع الرئيسي ولن أنسى ذلك.

قلت: وهل تذكر عندما خرجنا من مدرسة السَّرايا الابتدائية إلى بيت رئيس بلدية قلقيلية السيد/ عبد الرحيم السَّبع المُكنّى بأبي الفاروق ونحن نحمل الأعلام الأردنية وباقات الزهور وصور الملك عبدالله عبر الشارع الرئيسي في قلقيلية؟ ثمَّ توقفنا عند أحد الأقواس هناك حيث كتب على إحدى الافتات:

]جــــلالـــــة الــمـــلــــك عبدالله بن الحسين المعظم،

قـــلـــقــيـلــية تــــرحـــب بــك .. وفــــرشـــت لــــك الــبُـــســطَ عــلـــى الــطـــريـــق[


قال: أتذكر ذلك؟. قلت: وعند وصول الموكب الملكي إلى بيت أبي الفاروق الذي كان في استقباله مع مخاتير ووجهاء قلقيلية والقرى الحدودية كما يبدون في الصورة ويافطة في أعلى القوس التي يرفرف عليه الأعلام الأردنية وكتب عليها على ما أتذكر:

]جلالة الملك وعدك الصادق قد تحقق وبقيت قلقيلية عربية تحت القيادة الهاشمية[.([3])

ثمَّ أنشد الطلبة النشيد الملكي ترحيباً بالملك عبدالله الأول والوفد المرافق له لزيارة قلقيلية التاريخية.

وبعد النشيد بدأ الوجهاء مبايعته أمام الصحافة المحلية ملكاً على فلسطين وبعد المبايعة ألقى شاعر قلقيلية بصوته الجَهوري الأستاذ/ حسن الأحمد الحسن – أبو سُفيان – قصيدته المشهورة في ذلك الوقت غير المدونة، معاتباً قادة العرب على ضياع فلسطين أمام جلالة الملك عبدالله الأول، ولكن لا أتذكر بيتاً واحداً من محتواها!

وبعد البحث عن القصيدة المفقودة حصلت منها على هذين البيتين من ذاكرة سُفيان الحسن ]الإبن[ في جمعية قلقيلية في عمّان.

والذي اعترض عليهما كما يقول الابن، الجنرال كلوب باشا في نابلس قبيل إلقائها أمام الملك في قلقيلية ويقول فيها شاعر قلقيلية المجروح من ذوي القربى في ذلك الوقت:

] اللهُ أكـــبَـــرُ، هَـــلْ تَـــؤولُ بِـــلادُنـــا

مُــلـكَ الـيَــهـــودِ وَنَــحـــنُ جَـــمْـــعٌ نَــشـــهَـــدُ

اللهُ أكــبَـــرُ، أيـــنَ غَــضْــبَـــةُ يَـــعْــــرُبٍ ؟

أيــــنَ الــشَـــهـــامَــةُ ؟ آهٍ عَــــزَّ الـمُــنْـــجِــــدُ [ ([4])

ويقول الابن عن لسان والده بعد سماع الملك عبدالله الأول لهذين البيتين طلب من والدي إعادتهما مرة أخرى وبعد الإعادة قال جلالة الملك أمام الحضور: واللهِ يا أستاذ ] إنَّ ما جرى لبلادكم كان رغماً عن أنفي هذا، ثم ضرب بإصبعه على أرنبة أنفه [ فأقول رغم صغري وعدم إدراكي بالسياسة في ذلك الوقت إن جلالة الملك عبدالله الأول كان صادقاً في قوله لشاعر قلقيلية.

هذا وقد سمعت هذه الرواية من العم/ العبد المحمود زهران المُكنّى بأبي مثقال في ديوان آل زهران في مطلع شبابي والذي كان من ضمن الوجهاء في استقبال جلالة الملك عبدالله الأول في قلقيلية.

هذا وقد احتج على هذه المبايعة كما شاهدته في طفولتي الحاج/ نصر عقاب الذي كان ينتمي إلى المعارضة الفلسطينية وتلاسن مع عمر مطر الحاكم العسكري لمدينة أريحا حول بنود الاتحاد وخلال الملاسنة أمر جنوده باعتقاله ونقل بسيارة جيب عسكرية إلى مكان مجهول، وتمَّ الإفراج عنه في اليوم الثاني كما علمت من أخيه محمد المُكنّى بأبي الوليد في عمّان عندما ذكرت له هذه القصة وكنت يا صديقي أسمع في صغري حكماء أهالي قلقيلية الذين كانوا يجتمعون في ديوان آل زهران يقولون: لولا دفاع الملك عبدالله عن القسم العربي من قرار التقسيم خلال حرب عام 1948م ضد أطماع اليهود التوسعية لكنا في بلاد الشتات بلا مأوى كما جرى مع أهالينا في الشمال والجنوب الذين خرجوا إلى البلاد العربية بلا مأوى من كَذب الإعلام العربي. قال: نعم .... أتذكر ذلك.

] وكان الملك عبدالله الأول يعلم بأن المؤامرة على فلسطين قبل وبعد قرار التقسيم في 29/11/1947م أكبر من حجم العرب وقد أخذ ما أمكن من أراضي فلسطين بحنكته السياسية من فم الأسد البريطاني وضمها إلى مملكته بواسطة المعاهدة الأردنية – البريطانية عام 1948م[ وقبل التوقيع كما كنت أتخيله في ذلك الزمن كأنه كان يردد في نفسه قول المعري:

              ]يَــقُــولُ لَــكَ الـعَـقْـــلُ، الـــذي بَــيَّــــنَ الـهُــدَى

إِذا أَنــتَ لَــمْ تَــدرَأْ عَــدُوَّاً فَـــدَارِهِ ([5])[

والآخرين من حكام العرب في نظري بعد مرور السنوات السبيعين من عمري أنهم أصحاب ]مصالح شخصية[ أخرجوا الشعب الفلسطيني من بيوتهم إلى بلادهم لاجئين وتركوا الأرض لليهود مقابل المال، والمال كما قال عنه الشاعر/ أحمد شوقي:

              ]الــمـالُ حَـلَّـلَ كُــلَّ غَــيـــرِ مُـحَـلَّــلٍ

حَــتّـى زَواجِ الشِّــيــبِ بــالأَبــكــارِ[

وهل تذكر يا صديقي الأخبار التي وصلت إلى قلقيلية يوم الجمعة 20/7/1951م عن اغتيال القائد العربي الملك عبدالله الأول في المسجد الأقصى على يد عميل لأحد المخابرات البريطانية أو الأمريكية التي كانت تتصارع على نفوذها في المنطقة لحماية مصالح اليهود في فلسطين في ذلك الوقت بل ومازالت؟ حيث أن عائلات قلقيلية أعلنت الحداد عليه ورفعت الأعلام السوداء على بيوتها كما شاهدت هذا المنظر في طفولتي. قال: أتذكر ذلك جيداً يا أبا توفيق.

قلت لأبي فادي: علينا نحن أبناء الضفة الغربية أن نصنع للملك عبد الله الأول تمثالاً يطلى بماء الذهب ونرفعه شامخاً على أسوار القدس، تخليداً لذكراه لأنَّه حافظ على طفولة أجيالي في الضَّفة الغربية من الضّياع في بلاد الشتات عام 1948م وعلى ابنائي المشاركة بهذا المشروع عندما يحين الوقت تحت شعار قول المتنبي:

]عَــلــى قَــدْرِ أهْــلِ الـعَـــزْم تــأتــي الـعَــزائِــمُ

وَتــأتــي عـلَـى قَــدْرِ الـكِــرامِ المَـكــارمُ[

قال: هذه المبادرة ستلقى ترحيباً من أبنائنا بعد مشاهدتهم عبر الفضائيات المذابح الجماعية والدمار الشامل وتهجير الشعوب العربية عبر الصحاري والبحار إلى المجهول، على أيدي قادة الأحزاب العربية المتخلفة فكرياً، والتي تحولت إلى أحزاب طائفية لحماية مصالحهم الذاتية وبعد ارتكاب المذابح دخلت هذه الأحزاب إلى مزبلة التاريخ إلى الأبد.

--------------------------------------------------------
[1]) الهَدْأَةُ :السُّكونُ عن الحركات.

[2] ) كُتِبَ خلف الصورة الأصلية: حضرة صاحب الجلالة الملك المعظّم وقد ترَجَّلَ وَسَارَ داخلاً دار الضيافة على طريق مفروش بالسِّجاد كما يبدو في الصورة تصوير الفنان عبدالكريم الحسن أبو الفوز صاحب استديو ]الهُدنة[ في قلقيلية. المراجع التاريخية من تميم نوفل من مقتنيات جمعية قلقيلية الخيرية في عمَّان، انظر إلى المرفقات.

[3] ) وعد الملك عبدالله الأول وفد قلقيلية برئاسة/ عبدالرحيم السبع في عمّان أن تكون قلقيلية عربية في اتفاقية رودس عام 1949م. حيث كان خط الهدنة المقرر يَمرّ من شرقي قلقيلية لولا اصرار الملك عبدالله وصمود صقور أهالي قلقيلية في الخنادق الأمامية لضاعت قلقيلية من الوجود، وتحولت إلى مطار عسكري كما كانت في خطة ]دال[ قبل عام 1948م أنظر إلى مذكرات بن غوريون. 

[4] ) عزَّ المنجِدُ: افتقد المنقذ.

([5] يقول المعرّي: إذا لم تستطيع دفع عَدوِّ عنك بالقتال، فادفعه عنك بالمجاملة، وهكذا فعل الملك عبدالله الأول مع العدوين البريطاني واليهودي لحماية الضّفتين وقد نجح بذلك.     

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. ملك الاردن والخيانات
    الله يرحم الجميع

    ردحذف

إرسال تعليق

محتويات المقال