القائمة الرئيسية

الصفحات

صندوق الفرجة - صندوق العجب والعجائب

صندوق الفرجة | صندوق العجب والعجائب

كان يفد إلى قلقيلية قبل نهاية الستينات من القرن الماضي، رجلاً يحمل صندوقا من الخشب، يسمى صندوق العجب، يتنقل به بين القرى والحارات، في أوقات الأعياد والعطل المدرسية، ويكون الصندوق مزيناً بالألوان الجميلة التي تلفت

أنظار الأطفال، فيتراكضون وراءه حتى يصل إلى مكانٍ ما في الحارة، ويتخذه موقعاً له. يجلس الأطفال على مقعد خشبي أمام فتحات الصندوق، وقبل ان يبدأ عرضه الشيّق يدفع له الأطفال الأجرة، وكانت في العهد الأردني تعريفة (5 فلوس)، وقبل النكبة كانت الأجرة رغيفا من الخبز او عددا من البيض.

 
صندوق الفرجة | صندوق العجب

ما هو صندوق العجب

وكان صندوق العجب بمثابة السينما المتنقلة في ذلك العصر، وهو عبارة عن صندوق خشبي مستطيل وعلى احجام مختلفة، يطلي بالوان مزركشة وعليه بعض شبر وشرائط الزينة، لجذب انتباه الأطفال، الذين ما ان يشاهدونه حتى يتدافعون ويتزاحمون حوله، ليروا ما في هذا الصندوق العجيب.

صندوق الفرجة - صندوق العجب - صندوق العجائب

وفي الوجه الأمامي للصندوق توجد فتحات دائرية بقطر 15سم، مغطاة بعدسات زجاجية مكبرة، ليتسنى للطفل مشاهدة الصور بشكل كبير. ويكون عدد الفتحات من 2-4 فتحات، حسب حجم الصندوق. ويثبت في جانبي الصندوق من الداخل عصاتين او محورين رفيعين من الخشب، ينتهيان من الأعلى بمقبضين لكل منهما، خارج الصندوق. وتلف على احد المحورين قطعة القماش التي عليها صور ورسومات بألوان جميلة، وعلى المحور الثاني يثبت الطرف الأخر لقطعة القماش. ويكون عرض قطعة القماش نحو 40-50 سم، بينما يزيد طولها عن الثلاثة أمتار

يثبت الصندوق على منصب خشبي ذو قوائم عالية ترتفع عن الأرض، بحوالي المتر، ويوضع أمامه مقعد من الخشب، يجلس عليه من 2-4 أطفال، وغالبا ما تكون أعمارهم بين 6-12 عام، وأحيانا ممن هم اكبر من هذه السن.

 
صندوق الفرجة - صندوق العجب - صندوق العجائب
 

وعند بدء العرض يقوم صاحب الصندوق، بتدوير المحور المثبت عليه الطرف الثاني لقطعة القماش بطرف اصبعيه، ومن اليمين الى اليسار، فتبدأ الصور بالمرور أمام أعين الاطفال المشاهدين، الذين يضعون وجوههم على العدسات الكبيرة، وأيدهم حول وجوههم لتركيز النظر، وهو يردد بصوت مرتفع: "يلا تفرج يا سلام.. على عجايب الزمان". ويبدأ الرجل بسرد الحكايا بكلمات منغمّة بألحان لطيفة على أسماع الأطفال المتفرجين، عن قصص الشهامة والبطولة، وقصص عنتر بن شداد، وأخرى من بنات أفكاره، ويغير نبرات صوته حسب موضوع الصور التي تُعرض، فتارة يتكلم بنبرة الحزن وتارة بنبرة الفرح أو الخوف، فإذا انتهت الفرجة، يسدل الرجل الستائر على العيون، ولا تُفتح ثانيةً إلا إذا دفع الأطفال ثانيةً..

وتكون الرسومات والصور لأبطال الملاحم والسِّيَر الشعبية- مثل عنتر وعبلة، والزير سالم، وأبو زيد الهلالي.. وغيرهم، او صور لمناظر طبيعية خلابة و للطيور والحيوانات والأفاعي الضخمة. وقد تكون صور من عالم الخيال لعروس البحر او العجوز الساحرة.

 نداءات صندوق العجائب

ومن بعض النداءات التي كان ينادي بها الحكواتي في البلدان العربية وهو يتجول بين القرى والحارات:

"شـــوف تفــرج آه يـــا سلام

شــوف أحــــوالك بالتمــــام

شــوف قــــدامك عجـــــايب

شـــوف قــــدامك غـــــرايب

شوف الأميرة بنت السلطان

ليتهـــا عيــونهــا مــا تبـلى

وشفــافهـــا رق الفنجــــان"

وأيضا

"تعا تفـــرج يا ســلام .. على عبلة أم سنــــان

هــادا عنتــر بزمانــو .. كان راكب على حصانو

هادي هيّ الست بدور .. قاعدة جوا سبع بحور

الأركيلة كهرمان .. والتخت من ريش نعام

شوف حبيبي ... كمان وكمان"

 

صندوق الفرجة - صندوق العجب - صندوق العجائب

 

"شوف أحوالك بالتمام

شوف قدامك عجايب

شوف قدامك غرايب

يا حبيبي لو بتشوف

شوف أحوالك ع المكشوف

الدنيا صندوق فرجة

لا تغرك فيها البهجة

من يوم ما خلقت عوجا

لا تبك عليها وتنوح!"

 

ومما اذكره ان حامل الصندوق، كان يردد ونحن ننظر من خلال العدسات الزجاجية الى صور الأفعى الضخمة بقوله:

أمّا انظر يا سلام ............على حية إم إسـنان
هذه حية إم راسين ........ أكلت حرمة وزلمتين

كانت فرحتنا لا توصف ونحن نشاهد هذه المناظر الجميلة، في ظل غياب أجهزة التلفاز والفضائيات والعاب الأتاري، والبلاي ستيشن!!

صندوق الفرجة - صندوق العجب - صندوق العجائب


وكان صاحب الصندوق يتقاضى أجرا من الأطفال بيضة او رغيفاً من الخبز لقاء الفرجة ، لكن في سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كنا ندفع تعريفة (5 فلوس)، مقابل هذه الفرجة الجميلة.

ولا يمكن ان ننكر - نحن من عاصرناه- ما كان لصندوق الدنيا من متعة جميلة وفرحة كبيرة في نفوس أطفال ذلك الوقت.

ومع ظهور السينما، وانتشار استخدام أجهزة التلفزيون بشكل واسع في البيوت منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، انقرضت هذه المهنة الجميلة، وغاب صندوق العجب عن مسرح الحياة، والقي في زاوية من زوايا متاحف التراث الشعبي، ينتظر من ينفض عنه غبار النسيان، او يترحّم على الزمن الجميل الذي اسعد الأطفال وأفرحهم، والذي امتد لأكثر من مائة عام، منذ ظهوره في بريطانيا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.


ورغم كل الاختراعات العصرية من الوسائل المرئية، فلا تزال تلك الصور محفورة في شريط ذاكرة الكبار، ممن عاصروا هذه الصندوق العجيب، كأنها راسية في مرافئ الزمن القديم، لا تغادر شواطئ الذاكرة، رغم تداعيات الزمن الطويل.


ويعتبر احد المؤرخين المعاصرين إن صندوق العجب هو الأب الشرعي للصورة المتحركة، التي احتُفل عام 2000م بمرور مائة عام على ولادتها.

صندوق الفرجة - صندوق العجب - صندوق العجائب


تعليقات

3 تعليقات
إرسال تعليق
  1. Radi Hattab6/07/2020

    انا دفعت نصف رغيف بدل الفرجة على صندوق العجب

    ردحذف
  2. غير معرف4/25/2021

    شكرا لكم على هذا الابداع
    دكريات زمان كت حدن بينساها
    اخوكم معتز من سوريا

    ردحذف
  3. غير معرف3/22/2022

    شكرا كتير كتير ع هادى الشرح الحلو. ما كنت عايش بهالزمان ولسا ما زرت الشرق الأوسط بس خلال هالقراء كنت أشعر كأني هنيك. تحيات من السويد

    ردحذف

إرسال تعليق

محتويات المقال