المنادي
شخصية تقدم خدمة جماعية للقرية فضلا عن كونها وسيلة للإعلام والتعميم والتبليغ والمناداة، والمنادي هو المراسل الخاص للمختار وأداته في التبليغ. وهو همزة الوصل بينه وبين أهل البلدة، فيكلفه المختار بتبليغ الناس عن اية تعليمات من الحكومة او لتطعبم الاطفال، او اعلام الناس عن المطلوبين للخدمة الاجبارية، او لدفع الضريبة.. وغيرها.
وقبل افتتاح او عيادة طبية في قلقيلية، كانت هناك زيارات غير منتظمة لأطباء من يافا، الذين كانوا يأتون الى بيت او ديوان المختار في قلقيلية، ويرسل المختار شخصا لينادي في الناس ويبلغهم بوجود الطبيب، ويدعوهم الى التوجه الى بيت المختار، وكان العلاج مع بعض الدواء يقدم مجانا في الغالب.
كما كان المختار يرسل المنادي ليبلغ الناس عندما يكون هناك تطعيم للأطفال او ضد احد الأمراض المعدية. وكان ياتي لهذه الغاية عددا من الممرضين والممرضات من يافا او من نابلس.
وكان صوت المنادي يدوّي في أزقة القرية لإبلاغ الناس مضمون ما يراد إبلاغه لهم من جانب السلطة، وكان يتوجه للناس بالصيغة التالية:
يا سامعين الصوت صلوا على النبي.
بكرة التطعيم ضد الجدري
في ديوان المختار
ولازم حضور الجميع
ازغير واكبير
والحاضر يعلم الغايب
واللي يتأخر
لا يلوم ولا يعتب الا على حاله
وكان الناس يطلبون من المنادي ان يطوف القرية وينادي على اي شيء مفقود ان كانت نقودا او من المواشي، وكان يتوجه للناس بصيغة:
- يا سامعين الصوت صلوا على محمد
يا مين حس ... يا من شاف
عنزة سودة
واللي يسمع هالصوت وينكرها
يعدم ماله وعياله
وما يظل في داره الا هي .
وبدلا من العبارة الأخيرة قد يقول:
والحلاوة والبشارة
عشر قروش حلال زلال
بالصلاة على النبي
- وقد يستهل المنادي النداء على النحو التالي:
يا سامعين الصوت صلوا على النبي
اوَّلكم محمد، وثانيكم علي، وثالثكم فاطمة بنت النبي
يا مين حس .... يا مين شاف.
وباختصار فالمنادي كان وسيلة الإعلام الوحيدة في البلدة، وخلال عقدي الخمسينيات والستينات كان الناس يكلِّفون المنادي - وكان رجلا ضريرا اسمه "جعيفر" – بالمنادة على الشيء المفقود، مثل عنزة، او نعجة، او بعض النقود .. الخ. وكان الناس يدفعون له مقابل ذلك بضعة قروش، أما الذي يجد الشيء المفقود فكان يأخذ الحلاوة، وأجره على الله.
المُسَحِّرْ في رمضان
ارتبط شهر رمضان الكريم بعد الإسلام بالكثير من العادات والتقاليد الجديدة التي ظهرت، ولم يكن العرب يعرفونها من قبل، من بينها، المُسَحِّرْ. والمُسَحِّرْ هو الرجل الذي يطوف بالبيوت ليوقظ التاس وقت السَّحر، يضرب بعصا صغيرة على طبل يعلقه في رقبته، ومرددا بعض العبارات التي تدعوا للاستيقاظ من النوم وتناول طعام السُّحور، والاستعداد لأداء صلاة الفجر في المساجد.
وقد تولدت مهنة المُسَحِّرْ في ألأصل من حاجة الناس إلى من يوقظهم في ليل رمضان، لتناول طعام السُّحور، واداء صلاة الفجر.
وتعد مهنة المُسَحِّرْ إرثا رمضانيا، ومن أهم طقوس الشهر الكريم، حيث تضفي لونا وجمالا وطعما ونكهة خاصة على الليالي الرمضانية، وحتى نهاية الستينات من القرن الماضي، كان للمُسَحِّرْ دورا كبيرا في إيقاظ الناس لتناول وجبة السُّحور.
وقد اعتمد سكان قلقيلية حتى ذلك الحين، على المُسَحِّرْ الشيخ عواد الحجازي، الذي يعرفه جميع سكان قلقيلية ممن عاصروه، حيث كان يطوف في أزقة وحارات البلدة المظلمة والموحلة في الشتاء، وهو يقرع طبله، لإيقاظ الناس قبل موعد الإمساك بحوالي ساعتين.
وكان الشيخ عواد يحمل طبلا ذا وجهين من الجلد، يعلقه بحزام على رقبته ويتدلى إلى صدره، يضرب عليه بعصا صغيرة من الخشب، كي يصدر صوتا قويا، وهو يردد بعض العبارات التي تدعو الناس إلى الاستيقاظ من النوم وتناول طعام السُّحور، من ابرزها "إصحى يا نايم... وحِّد الدّايم... رمضان كريم".
وخلال تجواله بين البيوت غالبا ما تجود عليه بعض العائلات ببعض ألأطعمة للسُّحور. وكنا ونحن صغار لا نعرف وقت السُّحور، حتى يأتي الشيخ عواد، وما ان نسمع صوت طلبته، حتى ننهض فورا من الفراش، لتناول طعام السُّحور. وكنا نتفرج عليه من نوافذ البيت، وهو يعبر الشارع امام بيتنا.
كان الشيخ عواد قصير القامة نحيل الجسم له لحية بيضاء وكان يرتدي سروالا ابيضا. واصل الشيخ عواد من بلاد الحجاز، من مدينة ضباء، وتقع على ساحل البحر الاحمر، وتتبع منطقة تبوك، جاء إلى فلسطين هو وأخيه الحاج مبارك، في أوائل الثلاثينات من القرن الماضي، وأقاما بشكل دائم في قلقيلية.
وكان الشيخ عواد يرتزق من بيع الترمس لطلاب مدرسة المرابطين والمدرسة السعدية، وكذلك في ساحة المسجد القديم. بينما عمل أخيه الحاج مبارك ناطورا في بيارات قلقيلية.
ويقول العم ابو بلال (محمد سعيد هلال 90عام) ان الشيخ عواد كان يسكن بالقرب من بيتهم، وكان يشاهده هو وأولاد الحي عندما كان يشعل النار ويقوم بتحمية الطبلة ذات الوجهين من الجلد، حتى يشتد الجلد، فيصدر صوتا قويا رنانا عند الضرب عليه، وكانوا يعبرون معه الشارع، حتى يغادره إلى شارع أخر.
وقد اقتصر أجر الشيخ عواد على ما تجود به نفوس أهل الخير في شهر رمضان الفضيل، فكان يطوف على البيوت ليجمع زكاة الفطر في اواخر الشهر الكريم، والعيدية صباح يوم عيد الفطر، وذلك لقاء عمله طوال شهر كامل، قضاه في إيقاظ الناس لتناول طعام السُّحور، يفعل ذلك طمعاً في مرضاة الله تعالى، وأملا في الحصول ما يسد حاجته في آخر أيام الشهر الفضيل، فكان هذا كان يمنحه نقودا، وذاك يمنحه الحلوى من كعك التمر والمعمول، ويثنون عليه ويقدمون له التهنئة بالعيد السعيد. ويقول العم محمد هلال (أبو بلال) ان الشيخ احمد الهرش رحمه الله كان يوقظ الناس قبل مجيء الشيخ عواد، وكان ضريرا يرافقه احد أبناءه الصغار، حاملاً معه تنكة معدنية يدق عليها بالعصا، وتصدر صوتا قويا يسمعه الناس، بينما يطلق العنان لصوته الجهوري لإيقاظ الناس النائمين، معلنا عن وقت السُّحور من أجل تناول الطعام، والاستعداد لصلاة الفجر.
يستذكر أهالي قلقيلية الشيخ عواد الذي طالما صاحبهم فجرا طيلة شهر رمضان الفضيل. انتهى هذا المعلم المميز لشهر رمضان، وذهب مع ذهاب تلك الايام الجميلة. فمنذ بداية السبعينات من القرن الماضي بدأت تتلاشى الحاجة الى مسحِّر، وتوارى الشيخ عواد عن الأنظار، واختفى من ليالي رمضان، بعد أن أخذت المساجد في قلقيلية تعلن عن موعد السُّحور، من خلال مكبرات الصوت على المآذن، بقراءة المؤذن لآيات من القران لكريم، لمدة نصف ساعة.
كما أن طغيان وسائل الحياة العصرية، وتغير نمط الحياة وأساليب المعيشة، شكلت عامل تأثير على حياة الناس، حيث يبقوا مستيقظين حتى وقت صلاة الفجر، لانصرافهم إلى جلسات عائلية أو متابعة المسلسلات ومشاهدة الأفلام على أجهزة التلفاز والفضائيات.
كان الشيخ عواد شخصية رمضان المميزة التي ارتبطت بشهر المبارك، يفتقدها اليوم سكان قلقيلية بعد غياب هذه الشخصية ذات النكهة الرمضانية المميزة، منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، لنكهتها الرمضانية المميزة ولكونها من العادات والطقوس الرمضانية، التي يعبق بها ماضينا العريق.
كان الشيخ عواد رحمه الله يمثل براءة ذلك الزمان، وطهر تلك الأيام، ونقاء نفوس أهل ذلك الزمان، جزاه الله عنا خير الجزاء.
ابدعتم شكرا قلقيلية تايمز
ردحذف