القائمة الرئيسية

الصفحات

القصص الشعبية - حكايات وقصص الغول والجن والأساطير الشعبية

الحكايات الشعبية : حكايات الغول والجن والاسطورة

الأسطورة


الأسطورة قصة تفسر مأثورات الناس حول العالم وما وراء الطبيعة: الآلهة والأبطال من أشباه أو أنصاف الآلهة. كما تتناول الأسطورة المعتقدات الدينية وتعليلالتها. ولابد من وجود الأساس الديني وراء الأسطورة بالنسبة للشخصية الرئيسية فيها أو يكون الممثلون آلهة. ونحن نعرف أننا ندرس تراث شعب، مثل الشعب العربي الفلسطيني، والذي يؤمن بآله واحد. ولذلك فلا يوجد في الأساطير التي بتداولها هذا الشعب آلهة متعددة، وإنما هناك أخبار تدور حول الأنبياء الذين أحبهم الله، كلمهم الله أو اختصّهم بعنايته، وقد تدور هذه الأساطير حول أولياء الله الصالحين الذين أعزهم الله بالكرامات وحقق على أيديهم المعجزات على حد المعتقد الشعبي.

ويمتزج الإرث الأسطوري امتزاجاً كبيراً بالحكايات الدينية. ومن الصعب بمكان أن نميز بين الحكاية الدينية المثبتة في الكتب المقدسة وبين الأسطورة؛ لأن هناك بعض الحكايات الواردة في القرآن أو التوراة اتخذت شكلاً ما في عالم الأساطير الشعبية، والمعروف أن الوسط الشعبي يروي بعض الحكايات الدينية وقد أكسبها هالة أسطورية، وهو يهدف من ذلك تأكيد مقولة دينية والترغيب. ولا شك أن نقلة الأحاديث ورواة الحكايات ذات المضمون الديني على مر العصور قد ساهموا في تكوين ذلك الإرث الديني الأسطوري الذي تناهى إلى الشعب فأعطاه لوناً معيناً وطبعه بطابعه.  


وقد تميز الإرث الأسطوري الفلسطيني بأنه تضمن مرويات تنتمي إلى أتباع الديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، هذا فضلاً عن الرواسب الوثنية، ولما كانت الغالبية العظمى للسكان في فلسطين من العرب المسلمين، فإنهم حاولوا أن يصبغوا أساطير ما قبل الإسلام بصبغة إسلامية؛ فاعتبروا أن القصص التي تدور حول "سيدنا موسى" وسيدنا إبراهيم " قصصاً إسلامية على اعتبار أن موسى وإبراهيم نزلا بالدين الصحيح وأن أتباعهما حرفوا الدين، ولذلك؛ كان هذان النبيان بريئان من أتباعهما المحرفين، حسب المعتقد الشعبي.

 إننا نجد الحكايات المنقولة من التوراة والإنجيل وقد اتخذت طريقها إلى التراث الشعبي عند المسلمين، ولا شك في أن الدين الإسلامي شجع على ذلك عندما حض على احترام الأنبياء والرسل السابقين، ولذلك نرى الفلاح المسلم يروي حكايات لكرامات عن النبي موسى والقديس مارجريس " الخضر" جنباً إلى جنب مع الحكايات عن كرامات أولياء الله الصالحين والنبي محمد وصحباته.

وتتحدث المرويات الأسطورية عن أخبار أول الأنبياء وأبي البشر آدم. ثم تنتقل للحديث عن أخبار الأنبياء والحكماء في صراعهم السرمدي الطويل مع الشر. ونرى الله يقف مع الإنسان الخير هو وملائكته ليقاوموا إغراءات إبليس. ولكن إبليس هذا يحقق بعض الانتصارات وخاصة عندما يزرع الشر في نفس حواء ونفس آدم كما تقول الأسطورة التالية:

كان آدم يعمل في الحقل وكانت حواء في البيت عندما سمعت صوت طفل يصرخ. وخرجت حواء لتجد طفلاً يبكي فأخذته واعتنت به. وعندما جاء زوجها غضب لمرأى الطفل وأغرقه في ماء النهر، وفي اليوم التالي عاد إبليس وأخرج الطفل ووضعه قريباً من حواء التي اعتنت به أيضاً، وعاد آدم وحرق الطفل في النار. وفى اليوم الثالث عاد إبليس وأخرج الولد من النار فأخذته حواء واعتنت  به. وعندما جاء آدم قرر أن لا سبيل للخلاص من الولد إلا بقتله وطبخه وأكله. وأكل آدم وأكلت حواء من لحم الولد. وعاد إبليس ينادي من داخل آدم وحواء، صوتان يقولان معاً "أنا هنا بخير".

القديم وجد الإنسان نفسه في مواجهة أخيه الإنسان وفي صراع سرمدي معه من أجل أيهما يستحوذ على المنافع المادية  دون سواه. ونجد تلك الجذور الأسطورية لذلك الصراع قائماً في ما حصل بين قابيل وهابيل ابني آدم. لقد أراد الله لحواء أن تنجب أطفالاً لها أزواجاً، بحيث تلد في المرة الواحدة توأمين: ابنا وابنة، وكان محظوراً على التوأم الذكر أن يتزوج توأمه الأنثى. بل كان يسمح له أن يتزوج من التوأم الأنثى الأخرى لأخيه وذلك كحد أدنى من القيود الاجتماعية في مسألة الزواج. وكان قابيل وهابيل أول ولدين لآدم وحواء مع أختيهما. وقد أمر آدم  بوحي من الله ابنه  قابيل أن يتزوج أخت هابيل ولكن هذا رفض أمر والده لأن أخته كانت أجمل من أخت هابيل، وأحس بالخسارة إذ يتزوج هو فتاة أقل جمالاً من الفتاة التي يجب أن يتركها تتزوج أخاه. وهكذا قتل قابيل أخاه هابيل ومن أجل أن يتلاقى الناس مثل هذه الأخطار والخصام العنيف حول امرأة كان على كل النساء بعد تلك الحادثة أن يحتجبن عندما يصلن سن البلوغ.  

وفي أسطورة أخرى تشرح مسألة اغتيال قابيل لأخيه هابيل؛ نرى آدم وقد طلب من ابنيه أن يقدما تقدمات لله، فقدّم قابيل ضمة من أسوأ ما لديه من القمح بينما قدّم هابيل حملاً من أفضل الحملان في ماشيته.،وقد قبل الله تقدمة هابيل ولم يقبل تقدمة قابيل. وغضب قابيل فقتل أخاه وتقول المرويات أن قابيل لم يكن ليعرف الطريقة التي ينفذ بها جريمته. وتبرع إبليس بالمهمة والذي ظهر لقابيل بشكل بشرى وأراه كيف يسحق رأس طير بين حجرين. وبعد ذلك ارتكب قابيل جريمته. وبعد ذلك حمل قابيل أخاه القتيل على ظهره وسار دون أن يدري ما يفعل بالجثة. وبعث الله غرابين قتل إحداهما الآخر، ودفنه بعد أن حفر له حفرة في التراب. وقلّد قابيل العملية. وتقول أسطورة أخرى أن قابيل ذبح على يد لامخ بسهم عندما كان الأخير يصطاد في تل الكيمون قرب كيشون في المنحدر الشمالي لجبل الكرمل.

لقد كان الخلود أملاً كبيراً من آمال البشر، وقد حاول الإنسان أن يعرف كنه الموت وفناء النفس البشرية. وبذل المزيد من المحاولات ليمنح نفسه الحياة الدائمة، ولكن كل جهوده ذهبت سدى. وهكذا، فإن دور الأساطير هو في تفسير عدم قدرة الإنسان على الحصول على سر الخلود. وفى ملحمة جلجامش نرى آلهة العالم السفلي تذكر للبطل الباحث عن سر الخلود جلجامش، أن لا فائدة من بحثه الحثيث ولا فائدة من هذه الجهود التي يبذلها، وقد رأته أشعث الشعر مغبراً منهكاً وقالت له: "كل واشرب واغسل رأسك".

 وفي الأسطورة المحلية نلاحظ أن آدم يحصل على فرع من شجرة، ولكن بعد فوات الأوان. ويصل إليه الفرع بعد أن يموت. ويحاول الأنبياء الآخرون العناية بشجرة الحياة ولكن دون جدوى...

 وتقول الأسطورة المحلية: أنه عندما كان آدم على سرير الموت أرسل ابنه سيث إلى الجنة ليحضر له فرعاً من شجرة الحياة، وأحضر سيث الفرع، ولكنه عندما عاد وجد أباه آدم قد مات فزرع الفرع عند قبره. وذات ليلة حلم لوط عليه السلام بأن الملاك يأتيه ويأمره بأن يأخذ جرة ويملأها بالماء ويسقي شجرة الحياة، وفى صباح اليوم التالي ذهب لوط وحمل جرة ملأها بالماء وأسرع إلى مكان الشجرة فلقيه في الطريق حاج هندي مستلقياً على حافة الطريق، وهو في الرمق الأخير، وتوقف لوط ليسقي الحاج الهندي جرعة من الماء. ودهش لوط عندما لاحظ أن الحاج الذي هو إبليس في الحقيقة – شرب الماء كله، وعاود لوط الكرة فملأ الجرة بالماء. وللمرة الثانية، لقيه حاج وقد تلف من العطش وشرب الماء كله. وفي المرة الثالثة حصل الشيء نفسه، ولم يستطع لوط أن يسقي شجرة الحياة، وسقط لوط متعباً ونام. ورأى في المنام الملاك يقول له  أن الحجاج الذين كان يلقاهم في الطريق ما هم إلا صور من إبليس، أما  شجرة الحياة، فإن الملائكة تسقيها. ومات لوط وأينعت الشجرة، وأخيراً ينجح إبليس في إقناع حيرام ليقطع الشجرة لبناء هيكل سليمان. ونقل جذع الشجرة إلى القدس، ولكن المعماري لاحظ أنه لا فائدة منه فألقاه في واد إلى الشرق من القدس، حيث أصبح جسراً على وادي قدرون. وظلّ الأمر كذلك إلى أن جاءت بلقيس ملكة سبأ لتزور سليمان. وبدلاً من أن تمر فوقه ترجلت وقامت بواجبات العبادة، ودهش ملك إسرائيل من تصرفها ولكنها أفهمته بقيمة ذلك الجذع، وبعد ذلك أخذ الجذع ونظف وحفظ في إحدى غرف الهيكل، وظلّ هناك إلى أن استعمل في عمل الصليب الذي صلب عليه المسيح عليه السلام.

لقد خرج آدم من الجنة بسبب ارتكاب خطيئة واحدة وهي أنه أكل من الشجرة المحرمة، ونجد صدى لذلك في الأساطير المحلية التي تتحدث عن المحرمات والتي جاء تحريمها دون تبرير، وهي بهذا المعنى تتصل بمفهوم التابو عند الإنسان البدائي، ونجد الإنسان يقع في الخطيئة رغم التحذير، فهو يفتح الباب المحرم فتحه، أو يشرب من الماء الممنوع شربه.

ولدينا أسطورة  تتحدث عن عذاب الإنسان وشقائه في الدنيا، ومرد ذلك إلى الخطيئة. تقول الأسطورة أن رجلاً عمل سنوات طويلة في قطع الحطب، وعانى من هذا الشقاء الشيء الكثير، وبلغ به السخط على واقعه حداً جعله يقرر الانتقام من آدم الذي أنجبه وتركه يعانى من متاعب الحياة؛ فأخذ يجمع الحطب ليحرق عظام آدم. أرسل الله ملكاً نقله من حياته الشقية إلى بستان يشبه الجن،ة واشترط عليه ألا يعترض على شيء، ولكن الرجل يخرق ذلك التابو ويعترض، فيعود الشقاء، ثم يلح في الرجاء ليعود إلى البستان، ويتكرر ذلك ثلاث مرات، وفى كل مرة يخرق الإنسان التابو، وعندما يرجو هذا الإنسان أن يعاد إلى البستان للمرة الرابعة يقول له الملك: "أبوك آدم أخطأ خطيئة واحدة وأنت خطية في خطية في خطية، ظلك في هالهيش تاتموت".

تقول المرويات الأسطورية أن نوح كان واحداً من الأنبياء الستة العظام ولم يخلف هذا النبي أشياء مكتوبة بخلاف جده إدريس الذي كان أول شخص يستعمل الكتابة – على حد قول الأسطورة،  فقد كتب إدريس ثلاثين كتاباً من الوحي الإلهي المقدس، وقد أرسل الله نوحاً ليحذر العالم من الطوفان ويبني السفينة، وصنع إدريس الناقوس والذي لم يكن معروفاً من قبل. وتقول المرويات أن نوحاً لم يكن يملك سوى سكين كبير بدأ يقطع به فرع شجرة ضخمة ليستعمله في بناء السفينة، ولسوء حظ النبي اصطدمت السكين بصخرة والتصقت بها لدرجة أنه لم يعد يقدر على استخراجها، وترك نوح السكين  يائساً، وعاد للبيت، ثم جاء إبليس، فرأى السكين واستلها وعمل إثلاماً في شفرتها؛ ليجعلها غير صالحة للاستعمال، ويعمل على إفشال مهمة نوح، وعندما عاد نوح للعمل في اليوم التالي؛ وجد منشاراً جاهزاً للعمل، ولقي نوح الكثير من الاستهزاء والسخرية من الناس حتى من زوجته وكانت غير مؤمنة، وكذلك، من ابنه الشرير كنعان وابن ذلك الأخير عوج بن عناق، وعناق هذه هي أول مومس في العالم، وكذلك أول ساحرة، وبذل هؤلاء الأربعة جهوداً كبيرة في إقناع الجميع بأن نوح به مس من جنون، وانفجر الفيضان في جيزر "ويقال في دمشق" وحملت المياه سفينة نوح ومعه الذين آمنوا به من أهله عدا زوجته وعناق وعوج، ونجا معه عدد من المؤمنين برسالته، وكان نصف هؤلاء من الرجال والنصف الآخر من النساء من بينهم جرهام الذي حافظ على اللغة العربية، ونجا في السفينة عدد من الحيوانات، وقد اختبأ إبليس تحت ذيل الحمار في شكل ذبابة، ولكن الحمار كره أن يكون واسطة لنقل ذلك الشرير، كما قام نوح بطرده بضربات قاسية، وحصل هذا الحمار على وعد بأن يدخل الجنة أحد أحفاده، وتحقق ذلك عندما دخل جحش العزيز الجنة، ودمّر الفيضان كل الجنس البشري الذي ظل خارج السفينة. وتقول الأسطورة أن السفينة ظلّت تتأرجح فوق الماء حتى جاءت إلى مكان مك،ة وبقيت هناك بلا حركة مدة أسبوع، ثم سارت إلى المكان الذي أقيم فيما بعد عليه بيت المقدس، وانتهى المد، ونزل الرجال والنساء من السفينة ليسكنوا في الأرض ويتكاثروا فيها، وظلَ نوح وحيداً مع ابنته حتى جاء ذات يوم رجل يخطب ابنته، وقال له نوح: "حباً وكرامة ولكن عليك أن تهيئ لها مسكناً مناسباً" وقبل الخاطب الشرط ووعد بالعودة في وقت معلوم ومضى الوقت ولم يعد الخاطب، وجاء خاطب آخر، فاشترط عليه نوح ما اشترط على الخاطب الأول، وقبِل هذا، وضرب موعداً يعود فيه، ولكنه هو أيضاً لم يأت في موعده، وجاء خاطب ثالث لديه مسكن جاهز فزوجه نوح ابنته ورحل الزوجان، ولم يمض وقت طويل على رحيل ابنة نوح وزوجها حتى جاء الخاطب الأول، واحتار نوح ماذا يفعل، وأخيراً دعا الله أن يحول حمارته إلى بنت تشبه ابنته، واستجاب الله لدعوة نوح وزوّج نوح هذه البنت للخاطب والذي سرعان ما رحل معها، ثم وبعد مضي وقت قصير جاء الخاطب الثاني، ولم يجد نوح من يتزوجها ذلك الخاطب بدأ يدعو الله ليحوّل كلبته إلى صبية تشبه ابنته، واستجاب الله لدعائه وزوّج البنت لخاطبها، ورحل الزوجان، وهكذا أصبح في العالم ثلاثة أصناف من النساء: التي تخاف الله وتعين زوجها على متاعب الحياة، وتلك الغبية التي يسيّرها الرجل بالعصا كما يسيّر الحمارة، وتلك السليطة التي تسخر من النظام وتطوف هنا وهناك تبحث عن الأخبار وتنقل الكلام من بيت لبيت، وبعد ذلك بنى نوح المساكن، وزرع العنب، وبدون علم النبي ذبح إبليس القرود، والخنازير وخلط دمها بنبات العنب، ولذلك صار كل من يشرب الخمر المصنوع من العنب رديئاً رداءة القرود والخنازير.

وتتحدث الأساطير عن شخصية وردت في الكتب المقدسة ألا وهي شخصية لقمان الحكيم وهو أحد أقرباء أيوب، عاش عدة مئات من السنين حتى عهد داوود. كان رجلاً قبيح الشكل أسود البشرة ذا شفتين غليظتين وأقدام مفلطحة، ولكن الله عوضه عن قبح شكله بالحكمة، وتحتوي السور الثلاثين الأولى من القرآن الكريم على  الكثير من حكمه، ويرد اسمه أحياناً  "الحكيم رستوا" وقد تعرض شخصياً للنهب، فقد أخذه البدو في غزوتهم على حوران لنهب قطعان أيوب وباعوه كعبد، وقد حصل على حريته عندما سرّ سيده بجواب، فقد أعطاه سيده ذات يوم حبة ليمون وأمره أن يأكلها، فأكلها دون تردد، ولما سأله سيده عن سبب طاعته الدقيقة وابتلاعه تلك الحبة الحادة المذاق كاملة، أجاب لقمان: بأنه لا عجب في أن يقبل شيئاً مكروهاً من شخص طالما أحسن إليه، وتقول إحدى هذه الأساطير: إنه عرض على لقمان الحكيم مريض مصاب بمرض عضال، وشق الحكيم بطنه فوجد سرطاناً يقبض على القلب، وخشي إذا نزع السرطان أن يموت المريض بسبب ضغط السرطان على القلب، واستشار من حواليه ولم يتلق جواباً، فقال ابن أخته الذي كان يشاهد من بعد: بالنار يا حمار وبسرعة أخذ يكوي قوائم السرطان، ويضع القطن مكان كل قائمة ونزع السرطان وشفي المريض.

وقد حظي أيوب بنصيب وافر من الأخبار والحكايات المأثورة التي تتناول "بلواه" و"صبره" الذي أصبح مضرب الأمثال، وصار يقال "فلان صبر صبر أيوب" و"أيوب ما صبر صبري" ابتلى أيوب بمرض جعل الدود يدخل ويخرج من جسده، وكانت ابنة عمه تعتني به وتطعمه، وذات يوم تركته عند العين المسماة باسم "عين أيوب" وهى الواقعة بين بلدتي الراس وخربثا في قضاء رام الله. وذهبت لتشحذ رغيفاً من امرأة، وطلبت المرأة من ابنة عم أيوب أن تقص جديلتها ثمن الرغيف، وبقدرة الله استحم أيوب في العين فنهض شاباً، وعندما عادت ابنة العم  لم تجد أيوب، بل وجدت شاباً يافعاً نضر البشرة، وخجلت من سؤاله  فقال لها: "عم تبحثين" فقالت له: "تركت رجلاً مريضاً أخشى أن تكون قد أكلته الأعشاب"، ولم تصدق ابنة العم إلا بعد أن ذكرها أيوب بعلامة فارقة في جسده، وتعارفا ثم طلب منها أن ترد الرغيف إلى صاحبته وتستعيد الجديلة، وتفعل ذلك وبقدرة الله يعود الشعر إلى مكانه، ويعود أيوب لأبناء عمه بعد أن أزاح البلاء عنه، ورفض أن يكرموه بالحفلات، بل اكتفى بأن أخذ عنزة وابنة عمه ناعسة وترك قومه.

ويحظى الخضر بالعديد من المرويات والأساطير وهو واحد من أشهر الأولياء الذين يستغاث بهم في فلسطين، ويقال أنه نجح في الوصول إلى "نبع الشباب" الواقع بين البحرين   (الأبيض والأحمر)، وهذا النبع كان موضع بحث الكثير من المغامرين، من بينهم: ذو القرنين، والباحثون عن سر الخلود.

وقد وجد الخضر النبع، وشرب من مائه، ولذلك؛ فهو خالد لا يموت، وهو يظهر من فترة  لأخرى وقد تجسد بشكل درويش أو سواه وذلك ليحمي المظلومين ويقيم العدل، المسيحيون يعرفونه في شخص مار جريس، ويعرفه المسلمون في شخص الخضر، وتقوم مزاراته المتعددة في جميع أنحاء فلسطين ويزورها أتباع الديانات الثلاث، ويقال أن هذا القديس يعبد الله في مزارات  مختلفة كل يوم جمعة بالتناوب، فمرة في مكة وأخرى في المدينة وثالثة في القدس والطور...الخ، ويتناول وجبتين في الأسبوع، ويشرب من ماء زمزم وبئر سليمان في القدس، ويستحم في  نبع سلوان، وأحد المزارات الخاصة بهذا الولي يقع على بعد ميل إلى الشمال من برك سليمان، بالقرب من بيت لحم، ويؤخذ إلى هناك المخبولون من أتباع الديانات الثلاث، حيث يقوم الراهب الإغريقي هناك بتقييدهم وقراءة آيات من الإنجيل من أجلهم، أو يوجه عملية جلدهم حسب ما يقتضي الحال.

 وجاء في أحد هذه الأساطير التي تتناول الخضر أنه بينما كان الراهب اليوناني يقود القداس في كنيسة الخضر قرب برك سليمان، جاء رجل ليتناول الخبز والخمر فوقع على الأرض وجرح، وأسقط الفنجان من يد الراهب، وإلى هذا المكان صار الناس يأتون للحصول على الشفاء، وقد علم ملك المسكوب بذلك فأمر بأن تنقل القطعة من بلاط الأرض إلى روسيا، ونقلت بالبحر ولكن مارجريس رد القارب وأعيدت القطعة إلى مكانها.

وفي الإرث الأسطوري أخبار مستفيضة عن إبراهيم خليل الله، والذي يحظى باحترام المسلمين أيضاً، كان إبراهيم الخليل ابن عازار "اوتيرا" وكان والده نحاتاً ووزيراً للنمرود ملك  كوتا، وأجبر النمرود قومه ليعبدوه كإله، وذات ليلة حلم أن نبياً سيولد ويقضي على عباده الأصنام ويقضي على النمرود، ولذلك؛ أقام النمرود مذبحة لكل الأطفال الذين يولدون واتخذ إجراءات احتياطية لقتل كل طفل ذكر يولد، وعندما جاءت ساعة المخاض لزوجة عازار قادتها الملائكة إلى كهف خفي ومؤثث، وهناك ولدت بكل سهولة ويسر وبعناية الله، وتركت طفلها بعناية خادمات إلهية وعادت للبيت. وظلّت الأم تتردد على الطفل في المغارة، وذات يوم وجدته يرضع أصابعه التي كان ينبثق منها حليب وزبدة وماء، وهكذا نجا إبراهيم الخليل. (هذه الأسطورة تكررت في حالة المسيح ومن يدري فربما كانت هي تكراراً لأسطورة سامية أقدم).

وتفسر لنا إحدى الأساطير المتعلقة بإبراهيم الخليل، لماذا كان لكل نعجة لية، ولماذا لم يكن للمعزى لية "ولماذا  لا تلد البغال" كل هذه الأسئلة تجيب عليها أسطورة إبراهيم الخليل الذي  هرب من النمرود، تقول الأسطورة أن إبراهيم الخليل كان يعبر الحقول في طريق هربه فالتقى بقطيع من الماعز، وطلب من الغنم أن تحميه من خيالة النمرود الذين يتعقبونه، ورفضت الغنم السوداء تلبية رجاء "أبونا إبراهيم" وتركها في طريق هربه إلى أن التقى بقطيع من النعاج وطلب من الغنم البيضاء أن تحميه، فطلبت منه أن يستلقي على الأرض وتجمعت حوله بشكل متراص حتى اختفى عن الأنظار، وعندما مرت خيالة النمرود لم تستطع أن  تكتشف مكانه وبذلك نجا، ودعا "أبونا إبراهيم" الله أن يمنح النعاج تلك الإلية العريضة، وأن لا يمنح  مثل ذلك للغنم السوداء، وعوقبت البغال بعقوبة عدم التناسل لأنها تطوعت بجلب الوقود للنار التي ألقى النمرود فيها إبراهيم الخليل، وحملت الجنود الذين تعقبوه.

 وبعد أن هرب الخليل من النمرود ذهب ليبني الكعبة في مكة، وأراد إبليس أن يخلق متاعب بين إبراهيم وهاجر زوجته، أغراها لتقنع زوجها بعدم بناء الكعبة، فتناولت حجراً ورجمته به، ومن هذا الحادث حصل إبليس على لقب الشيطان الرجيم، بعد أن انتهى من الكعبة أمر إبراهيم ببناء حرم في القدس، ثم أمر ببناء حرم ثالث في الخليل، وقد اهتدى إبراهيم على مكان الحرم الخليل بواسطة ضوء سماوي سلّط على المكان ليلاً، وهناك أسطورة أخرى تقول: أنه اهتدى للمكان على النحو التالي:

جاء ثلاثة من الملائكة على شكل بشر إلى إبراهيم، فظنّهم ضيوفاً فذهب ليذبح لهم ذبيحة، وهرب العجل الذي يود إبراهيم  ذبحه وتبعه حتى دخل إلى كهف، وهناك سمع صوتاً يقول له: إنك في ضريح آدم وعليه يجب أن تبني مزاراً (لاحظ أن الأساطير تؤكد أن آدم ولد ومات في فلسطين)، وتقول أسطورة أخرى: أن جملاً دلّ إبراهيم على مكان المزار، ولكن إبليس ضلّه، وبعد أن بنى جزءاً من البناء هداه الله إلى المكان الصحيح.

 وحول النبي موسى تدور العديد من الأساطير وتتناول الكرامات التي وهبه  إياها الله، وتقول إحدى هذه الأساطير: أن صياداً تمنى على موسى أن يتوسط له لدى الرب عندما يكلمه على الجبل بأن يمنح الصياد تحقيق ثلاث رغبات، وفعل موسى واستجاب الرب، وعندما أخبر الصياد زوجته بالمنحة الإلهية طلبت منه أن يدعو الله بأن تبقى جميلة على مدى الدهر وتمنى الصياد واستجاب الرب، وقد أغرى جمالها مغامراً فاختطفها من زوجها، وتمنى الزوج أن يحيلها إلى خنزير في صورتها الأولى وظلّت الأمنية التالية لدى الصياد والتي بها استعاد زوجته في صورتها الأولى.

ويُروى أن عدداً كبيراً من الناس كانوا يجلسون في مضافة، وكان بينهم الشيخ الشاذلي، وقدم المضيف فنجاناً من القهوة للشيخ فناوله لجاره وذلك للذي يليه حتى مرّ الفنجان على عموم القوم دون أن يتذوقه أحد، وأخيراً غضب صاحب البيت فقال له الشاذلي: "أفرغ كل القهوة التي في الأواني" وعندما فعل المضيف ذلك، خرجت حية كبيرة وبذلك حمى الشاذلي الحاضرين من أذى الحية.

إن استعراض العديد من القصص ذات المضمون الديني يظهر أنه قد انبثق عن الوجدان الشعبي، وبتأثير معتقدات دينية رسمية، حكايات تعكس معتقدات شعبية توضح وتفسر ذلك المعتقد الديني المقرر، وهناك حكاية تعكس ذلك المعتقد الديني والذي مؤداه أن الحجر والشجر يشهد لابن آدم، وتقول الحكاية:

أن رجلاً وقف ذات يوم في عرفات، و أخذ سبعة حجارة وقال: أيتها الحجارة اشهدي أنني أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبعد ذلك نام الرجل، فرأى في المنام أنه يبعث يوم الحساب وأن سيئاته توزن مقابل حسناته، فتفوق السيئات على الحسنات، ويأمر الله أن يساق هذا الرجل إلى جهنم. وعندما يصل الرجل إلى أول باب من أبواب جهنم؛ يجد أن الحجارة التي رماها في عرفات وقفت حائلاً  بينه وبين النار، ولم يستطع أحد إبعاد ذلك الحجر، فأخذ الرجل إلى باب آخر من أبواب جهنم ليجد الحجر الثاني وقد وقف حائلاً بينه وبين النار، وهكذا كلما أخذ الرجل إلى باب من أبواب جهنم السبعة وجد أحد الحجارة السبعة التي ألقاها في عرفات وأشهدها على إيمانه واقفاً يحول بينه وبين النار، ونتيجة ذلك أرسل الرجل إلى الجنة ونجا من النار.

وتقول لنا حكايات الأولياء الصالحين أن هؤلاء الأولياء يحمون من أقام بجوارهم أو استجار بهم، فقد قتل الولي النبي حانون بالقرب من بير زيت طيور الشنار التي كانت تعتدي على البيدر الموجود بجواره، وحمى الولي النبي صاير الغزاوى الذي وضع حمل جمل من القمح ببابه من اللصوص الذين حاولوا الاعتداء عليه، وفى أول الأمر كان اللصوص يتصورون أن الغزاوي وجمله وحمل القمح تتحرك إلى داخل المقام كلما اقتربوا منها، وعندما يبتعدون يرونها وقد عادت إلى مكانها ولم يبتعد اللصوص عن الغزاوي الأبعد أن استحال النبي إلى أفعى وطرد اللصوص بعيداً عن الغزاوي المستجير به.

ولأولياء الله الصالحين كرامات، وللقديسين من أتباع الديانات السماوية معجزات يعينهم الله على تحقيقها في ساعات المحن والشدة، وبها يظهر الله الحق ويمحق الباطل.

وتقول أسطورة تتحدث عن هرب العذراء مريم بابنها من وجه بني إسرائيل، ومن أجل أن يسكت المزارعون ويمتنعون عن ذكر وجهة هربها للذين يقتفون أثرها، نبت الحمص الذي يزرعونه واستحصد في  يوم واحد، وامتلأ بئر عونا الضحل لتشرب منه العذراء، وأما النعاج التي سترت مرور العذراء فنبت لها صوف كثيف، وبعكس ذلك، فإن الغنم السوداء ظلت جرداء وارتفع ذنبها لأعلى يفضح عورتها لأنها فضحت مرور العذراء بسبب الثغاء.


والموت … لا مفر من الموت، وعندما يأتي أجل الإنسان فلا مهرب من الموت، وقد يأتي الموت للإنسان وهو في أوج حياته ومن حيث لا يعلم، هذا ما تحكيه الأسطورة عن وفاة موسى النبي – فقد مرّ بملكين يحفران قبراً وطلب الملكان منه أن يجرب القبر بصفته أحد أبناء آدم لأنهما كانا يعدان القبر لآدمي، وعندما نزل موسى في القبر ناولاه وردة شمها فانتهت حياته، وتعكس هذه الأسطورة ذلك المعتقد الشعبي الذي يقول أن الله يتوفى الصالحين على وجه مريح، وبعكس ذلك، فإن ميتة الأشرار والكفار يصاحبها عذاب مبرح وآلام شديدة.        

الحكايات الشعبية : حكايات الغول والجن والاسطورة

حكايات الغول والجن


 تتوفر معلومات عن المعتقدات الشعبية المتعلقة بالخوارق من خلال "حكايات الخوارق"، نعني بهذه الحكايات ما تتضمن جزئيات ذات مضمون خارق للعادة ومثل ذلك تلك الجزئية المتكررة في الكثير من حكايات الخوارق عن قدرة الغول على حمل الإنس، أماكن بعيدة قبل أن يرتد إلى بصره أو في غمضة عين. ونحن نعرف أن بني البشر يحتاجون زمناً طويلاً ووسائل كثيرة حتى يتمكنوا من الوصول إلى تلك الأماكن. ومن هذه الجزئيات المتضمنة أموراً خارقة تلك الجزئية التي تتحدث عن وجبة طعام الغول، وتقول هذه الجزئية: أن الغول يعود إلى حِماه حاملاً على ظهره شجرة، وفي فمه بقرة، ويبادر الغول إلى الشجرة، فيشعل النار فيها ويشوي البقرة على النار ويلتهمها، وقس على ذلك السيف الخشبي الذي يقتل الغول والبنت التي تتمكن من الاختفاء بطريق القوى السحرية داخل بطن حيوان متجول، وقدرة الغول على تحويل الزائر إلى دبوس ليحميه من فتك الآخرين به….الخ.

والقاص الشعبي لا يميز تمييزاً دقيقاً بين الغول والجان والعفريت، وكثيراً ما يخلط بينهم ويستعير الواحد منهم للآخر، وكأنه يمتلك في ذهنه صورة ضبابية مخيفة وغامضة لهذه الكائنات. ومع ذلك، فمن خلال استقراء الحكايات يمكن القول: أن الغول يبدو في الحكايات وهو أقرب إلى الحيوان أو الإنسان المتوحش، بينما يوجد لدى الشعب تصور خاص للجان يضعه في مكان ما مقابل للإنس، أما العفريت، فيبدو وكأنه مسخر في خدمة الجان.

حكايات الغيلان:

حكاية الغيلان حكاية بالرواية الشفوية جادة غالباً، وتتركز الأحداث حول بطل أو بطلة وغالباً ما يكون البطل فقيراً، أو مضطهداً، أو يتعرض لامتحان عسير تتوقف عليه حياته، أو حصوله على فتاة أحلامه، أو على دواء غريب لعزيز لديه، وبعد سلسلة من المخاطرات يقوم بها ذلك البطل بشجاعة أو يمر بها بهدوء نتيجة لطيبة نواياه أو حسن حظه، فإنه وبعد أن تلعب "الخوارق" دور ملموساً يستطيع أن يصل إلى غرضه فيحضر الدواء أو يجتاز الامتحان، وبعد ذلك، وفي الغالب، فإنه يحصل على كنز أو فتاة رائعة الجمال أو الاثنين معاً ويعيش حياة سعيدة إلى النهاية، والغول عادة شخصية أساسية في هذه الحكايات وهو يؤثر بالإيجاب أو السلب على أحداث القصة، ويساعد على تطويرها سواء أكان في جانب البطل يعاونه ويسهل له الصعاب أم في المعسكر المعادي الذي يهدد حياة ذلك البطل أو يحول دون حصوله على مبتغاة.

وتحتل حكايات الغيلان مكانة مرموقة في مجموعات الحكايات الشعبية العالمية ولا تكاد تخلو حكايات شعب من الشعوب من ذكر الغيلان ومن محاولات "لتصورها"، كما أنه من الملاحظ أن هذه الحكايات تستأثر باهتمام خاص من السامعين وعلى الأخص الأطفال؛ لما يجدون فيها من أحداث غريبة ومفاجآت وأنشطة غير مألوفة في الحياة العادية، تشد انتباههم، وتدفعهم لاستزادة الرواية من هذا النوع من الحكايات الشعبية.

ويعود الاهتمام العلمي بدراسة حكايات الغيلان وتدوينها، إلى الحركة الرومانسية التي اجتاحت أوروبا في القرن الثامن عشر، واتجهت فيما اتجهت إلى التراث الشعبي، ويعتمد الأخوان جريم- وهما من أوائل الباحثين الذين تصدوا للحكاية الشعبية- أن هذه الحكايات إنتاج آري كامل وخاصة أن أغلب النصوص المستحدثة التي جمعاها كانت آرية، ويعتبرها كراب من أقدم أنواع القصص الشعبية لأنها تتناول الجانب غير اليقيني من تجربة الإنسان، كما تتناول تصوراته الغيبية. ويعتقد هذا العالم الفولكلوري أن هذه الحكايات أثر من آثار العالم القديم حملته إلى أندونيسيا تيارات الثقافتين الهندوكية والإسلامية ثم حمله الغرب إلى شرق إفريقيا، وحمله الهولنديون إلى جنوبي أفريقيا وإذاعة المستعمرون الأوروبيون في العالم الجديد.

 ويبدو أن هذه الحكايات قد وضعت في ظل مجتمع لا يختلف فقط عن مجتمعنا بل يختلف كذلك عن مجتمع العصور الوسطى ومجتمعات العصور القديمة، كما تصورها كتابات أصحاب التقاويم التاريخية وبالطبع يجب ألا تخلط بين النص الأصلي والمستحدث إذا ما طالعنا النصوص الحية وهالنا ما تعكسه من ملامح الحياة الشعبية الحديثة، فالنص الحي هو نسخة مستحدثة من نص أصلي غالباً ما نجهله، وليس من المستبعد أن تكون حكايات الغيلان أغصاناً صغيرة نبتت من الأساطير الأصلية.

وتتألف حكايات الغيلان من جزيئات بعضها يتصف بقدر كاف من الواقعية، في حين يكون بعضها الآخر عبارة عن بقايا متخلفة من الماضي تمثل أشكال المعتقدات الأولى التي نشأت قبل تكوين الحكاية بفترة طويلة، وقد تكون بعض هذه الجزئيات تكملة واستطراداً من أوهام الأحلام، ولنضرب على ذلك مثلاً من حكاية "ست الأدب":

 وفي هذه الحكاية جزئيتان الأولى: يتبع الغول ست الأدب ويخطف ابنها الذي تلده. والثانية: تبث ست الأدب شكواها إلى "علبة الصبر"، فلا تحتمل العلبة الظلمة، فتنفجر وعندها يأتي الغول فوراً لتكفير آثامه. في الجزئية الأولى يبدو لنا الغول كما لو كان شخصاً عادياً إلا أنه يمتلك نوايا شريرة وهو يسير في أثر الفتاة المسكينة المرفهة كما يفعل أي لص أو قاطع طريق، فيهددها لتذكر له سبب خوفها منه أو يخطف ابنها الذي ولدته لتوها، وتستمر ست الأدب على موقفها الذي يمليه الخوف من الغول فتتركه يأخذ ابنها مبررة ذلك بأن الولد ليس أعز من أمها وأبيها اللذين أخذهما الغول في السابق؛ أما في الجزئية الثانية، فنحن أمام سيدة مظلومة أسرف الغول في تحديها والإساءة إليها، وهي تجلس أمام "علبة الصبر" تبثها مظالمها، وتظل السيدة صابرة، ولكن علبة الصبر لا تستطيع أن تصبر، فتنفجر ويكون انفجارها بمثابة الحركة الديناميكية ذات رد الفعل الوحيد والذي هو حضور الغول الظالم فوراً من مكانه البعيد، ويسلم الغول الولدين المخطوفين إلى أمهما ويكف عن مضاياقاته لها، وفي حين تبدو الجزئية الأولى ذات قدر معقول من الواقعية، فإن الثانية تدخل في نطاق الخوارق، فما هي علبة الصبر؟ وكيف تنفجر إذا أخذ الإنسان يبثها مشاكله؟ وكيف يعرف الظالم بذلك فيرتدع؟.

التصور الشعبي للغيلان:

هناك تصور شعبي كامل للغيلان تؤيده عادات وممارسات شعبية وأساطير وحكايات تجزم بوجودها، وتنتشر حكايات الغيلان والقصص والأخبار المتواترة عنها في كل قرية وداخل كل بيت ومع كل راو.

 وبالطبع فإنني أتحدث هنا عن تلك الحكايات والأخبار المتواترة على اعتبار أنها جزء من مادة التراث الشعبي، ومن وجهة النظر الأنثروبولوجية ليس إلا، وبكلمة أخرى ليس من اختصاص الفولكلوريين أن يبحثوا عن واقعية الحكايات أو عدم واقعيتها، وإنما يدرسونها كظاهرة في الثقافة الشعبية.

إن الشعب يتصور الغيلان على هيئة بشرية موحشة، فبينما يتصورها تأكل وتتكلم وتحب وتكره وتحارب، فإنه يرسم لها وجوهاً مرعبة، وشعراً كثيفاً يكاد يحجب الرؤية، وأظافر غاية في الطول (قد تكون مغروزة في الأرض أمامها في بعض الجزئيات)، وحجماً ضخماً، وعيوناً لامعة، وقدرة حركية عالية، وصوتاً أجش، وذكاءً كبيراً (أحياناً)، ودهاءً بالغاً، ومعرفة غير محدودة.

وفي النطاق المحلي الضيق يعتقد الناس في الوسط الشعبي أنه إذا مات ابن آدم أحس الأحياء بغولته تعود لتزورهم أو تعترض طريقهم وخاصة إذا كان القتل، والقتل العمد هو سبب الوفاة.

 ويروي الكثيرون حكايات وأخباراً يؤكدون فيها أنهم أحسوا بالغيلان، فسمعوا أصواتها وشاهدوها على هيئة بشرية من تكوين أسود متحرك، لنستمع إلى هذا الوصف لغولة قتيل: "كنت أركب الحمار قبيل الفجر وأنا في طريقي إلى مدينة مجاورة، وكانت برفقتي ابنتي الصغيرة التي كانت تركب على الحمار نفسه وتمسك بي، وعندما مررت بالموقع الذي قتل فيه محمد قرب مدرسة القرية، شاهدت ما يشبه الجسد البشري الأسود، يقف بالقرب من المكان، ثم يسير أمامنا على مسافة بعيدة، وظننت أن ما أراه هو أم محمود التي اعتدنا أن نذهب معاً وإياها إلى المدنية لنبيع بعض منتجاتنا، فأخذت أنادي بصوت عال: "أم محمود! أم محمود!" ولم ترد أم محمود، بل استمرت تسير على مسافة بعيدة أمامي، وظننت أنها تمازحني؛ فلا تنتظرني، وتحاول أن تسبقني إلى المدنية، ولم أهتم لتخوفات ابنتي والتي لاحظت أن أذني الحمار قد انتصبتا من الخوف. وعندما وصلت إلى المدنية؛ لم أجد أم محمود في السوق، وأحسست ساعتها فقط بالخوف؛ فقد تأكد لي آنذاك أن ما رأيته لم يكن أم محمود وإنما كان "غولة محمد".

وهذا وصف آخر، تقول زهدية مصطفى 25 عاماً، السنديانة حيفا: "ذهبت فجر يوم ما مع زوجي إلى الحقل للحصاد، وكنت أحمل طفلي الصغير في سريره الخشبي الذي حملته على رأسي، وعندما مررت بالمكان الذي قتل فيه محمد؛ سمعت صوت رجل يتبعنا وقد تعالت أصوات ضربات قدمين ترتديان البوت الثقيل. وعندما شرحت مخاوفي لزوجي أخذ زوجي يسير خلفي ليفصل بيني وبين الصوت الذي أسمعه وظللت أسمع ذلك الصوت حتى ابتعدنا كثيراً عن المكان الذي قتل فيه محمد".

وإذا ما لاحظنا أن زوج الراوية في الرواية الثانية لم يسمع ضربات القدمين، وأن الرواية الأولى لم تفكر في الغولة ولم تخف منها عندما رأتها، فإننا نجد تأكيداً للقول الشعبي المأثور: "اللي بخاف من الغول بطلع له، وهكذا يبدو الغول هنا، وعند فئة شعبية غير خرافية مجرد شيء تتصوره أوهام الخائفين، ويؤكد الذين شاهدوا الغيلان ليلاً أن الغول يتلاشى عندما "يطلع النهار" وينطفئ كما ينطفئ السراج؛ وربما كان ذلك تأكيداً لاعتبار الغول مجرد وهم عند بعض الفئات الشعبية يصنعه خيال الخائفين تحت جنح الظلام.

 وتكثر الغيلان كما تتواتر عنها الروايات الشعبية في الأماكن الخالية والخرب المهجورة، وبالقرب من المقابر، والأماكن التي يقتل فيها الآدميون، ولذلك نلاحظ أن الغول في الحكايات الشعبية يقطن على مسافة بعيدة من البشر في بطون الوديان وفي قصور حصينة بعيدة؛ يقتل كل من يقترب منها أو يحرس الكنوز الموصودة باسم شخص معين، أو العيون التي تفرز ماء الحياة، أو الأنهار والينابيع التي يرتوي منها البشر؛ فيمنعهم من ورودها، وفي حالات أخرى ترى بعض الغيلان في تماس مع مجتمع المدنية.

الغول الطيب:

في حالات قليلة نسبياً يصادف الغول الطيب المؤمن في ثنايا الحكاية الشعبية، ويبدو هذا الغول على غرار الغول الشرير، من حيث القوة والمقدرة على الحركة السريعة، وحتى على افتراس الآدميين وأكل لحمهم البشري إذا لم يحسنوا التصرف. ويصادف البطل هذا الغول وهو في رحلته الميمونة للحصول على الدواء العجيب، أو فتاة الأحلام، أو إحضار ماء الحياة فيكون له خير عون على تحقيق ما يريد، ويصادف البطل الغولة الأم وقد ألقت ثدييها خلف ظهرها وتهدل شعر رأسها وحواجبها وشعر جسدها على الأرض وانغرست أظافرها أمامها في التراب؛ ويسرع البطل فيرضع من الثديين ويقص الشعر الزائد والأظافر وعندها تحس الغولة بالسعادة والراحة والمقدرة على رؤية كل ما حولها بوضوح ومتعة، "وتعبر عن سعادتها بما فعله البطل اللي أفظى الدنيا بوجهها، واللي رظع من بزها اليمين، وصار مثل ابنها اسماعين ورضع من بزها اليسار وصار مثل ابنها نصار".

 ويعرف البطل أنه إذا كانت الغولة تطحن السكر وكانت عيناها تصدران بريقاً هادئاً فهذه هي اللحظة المناسبة للاقتراب منها والتودد إليها، وعليه أن يبتعد عنها إذا كانت تطحن الملح "وعينيها يتقادحن". ويأتي أبناء الغولة الذين كانوا في رحلة البحث عن القوت اليومي، وتخشى أمنا الغولة على الضيف من أبنائها، فتسحره دبوساً تضعه في صدرها ولا تخرج إلا بعد أن تحصل على كلمة الأمان منهم، وعندها يرحب به الغيلان ويتطوعون لمساعدته ونصحه وتسهيل مهمته، وتتركز المعونة التي يقدمها الغيلان للبشر في النقل السريع، على اعتبار أن للغول مقدرة على اختراق المسافات في ثوان قليلة، وهذه السرعة تهيئ إمكانية لا تُجارى، بحيث يستطيع الشخص أن يعود بالدواء للمريض العزيز قبل أن يفسد، وتستطيع البطلة أن تسبق زوجها الذي هجرها إلى حيث يقصد، أما المعونة الأخرى التي يقدمها الغول الطيب للبطل فهي النصيحة التي بدونها لن يستطيع البطل تحقيق أي هدف، فيحدد الغول للبطل المكان المناسب الذي يجد فيه مبتغاه، أو اللحظة المناسبة للانقضاض على خصمه أو الطريق المناسبة للقيام بذلك، وقد تقدم جنية لصديقتها معونة كبيرة، فتبني لها قصراً أو تنشيء لها مخيماً وتملأ القصر أو المخيم بالأثاث والرياش وصنوف الطعام وتحشد له الخدم والحراس.

ويجوز لنا الاعتقاد بأن تصور الأوساط الشعبية لكل هذه السهولة واليسر في الانتقال السريع، هو بمثابة طموح الإنسان لتحقيق وسائل اتصال سريعة بعد أن ملّ من الانتقال بالوسائل العادية. ترى ألا يمكن اعتبار ما تحقق الآن من وسائل تكنولوجية هائلة تقرب المسافات بين البشر هو بمثابة ذلك الخيال المجنح الذي تصوره الإنسان؟ وألا يحق لنا الاعتقاد بأنه عندما كان الإنسان يصارع الطبيعة فلا يستطيع التغلب عليها كان يلجأ للخيال الذي يضع الغول في خدمته لتحقيق ما صعب تحقيقه في عالم الواقع ورسمه في عالم الأحلام؟ لقد لاحظنا أن الأعمى يمكن أن يشفى، والبعيد يمكن أن يحضر، والمستحيل يمكن أن يتحقق بمعونة الغيلان، ونلاحظ اليوم أن أشياء كثيرة مما كانت مجرد شطحة خيالية في الحكاية الشعبية قد تحققت بطريقة أو أخرى. لقد رسم خيال الإنسان صورة للرحلة إلى جبل قاف ذي البعد الخرافي، وحقق جهد الإنسان وعلمه الوصول إلى القمر، إن ما كان خيالاً بالأمس حفز شخصاً ما على العمل لتحقيقه بصورة أو بأخرى.

الغول الشرير الكافر:

ويصادفنا في ثنايا حكايات الغيلان ذلك النوع من الغيلان التي تؤذي البشر. كأن تأكلهم أو تعيق تحركهم في سبيل مبتغاهم، أو تمعن في الإساءة إليهم. ويخوض البشر صراعاً طويلاً مع هذا النوع من الغيلان تتخلله أعمال بطولية وتحركات فهلوية، وقد يساعد "الغيلان المؤمنة الطيبة" أبطال الحكايات ضد "الغيلان الشريرة الكافرة". والعصبية هنا ليست عصبية الجنس بل عصبية الإيمان والمبدأ. وليس صعباً علينا أن نعزو هذا التصرف إلى ما تأثر به الرواة المسلمون من مبدأ الأفضلية بالتقوى، وتنتهي الحكاية عادة بانتصار البطل.

 ويبدأ الصراع بين الإنسان والغول الشرير بمجرد التماس بينهما، إلا أنه غالباً ما يحسم بضربة ذكية من سيف خشبي غالباً ما يكون سيف الغول نفسه، وفي معظم الحالات يتعرف البطل على الوسيلة الناجحة للقضاء على الغول بمعونة رفيق أو خادم كان قد أسدى له معروفاً مسبقاً.

 إن الحكايات الشعبية لا تعرض لنا قصة الإنسان المهزوم أمام الغول، ولا تصور لنا كيف يفترس الغول ضحاياه من البشر، وتكتفي هذه الحكايات بأن تصور لنا ذلك الجانب من الأحداث التي يكون فيها البطل الإنسي قادراً على أن يصرع الغول أو يسيطر عليه، ولا يمكن تفسير هذا الإصرار من جانب الرواة إلا من ناحية الرغبة في التماشي مع إبراز ما انطبع في الوجدان الشعبي من خوف متأصل من الغيلان.

 إننا نجد الغول الشرير وهو في حمى الغيلان البعيدة في "حكاية الفرصة" وقد جلس بقرب نار عظيمة وأخذ يشوي بقرة، وهمّ الغول بأن يفتك بالبطلة التي جاءته إلى عرينه تستجديه "شقفة نار"، ولكنه يتردد ثم يعفو عنها قائلاً: "ولولا سلامك سبق كلامك لخلي الذبان لزرق يسمع صحك اعظامك"، ثم يتبع الغول فريسته حتى تصل إلى الكوخ الذي تقيم فيه مع إخوتها السبعة، ورغم أنها تغلق باب الكوخ، فإن الغول يطلب منها أن تمد اصبعها ليمصه ويفعل ذلك يومياً.

ويجوز لنا الاعتقاد بأن هذه الجزئية تعود إلى ذلك العهد الذي وجد فيه الإنسان مصاص الدماء، ذلك الشخص النهم الذي يأكل بقرة كاملة ويسير في أثر فتاة مسكينة ليمتص دمها.

وإذا أردنا أن نفكر بروح العصر، نجد أن الشعب كان يستعمل شخصية الغول ليرمز إلى الاستغلال والمستغل الذي كان يعيش على مايستدره من مال وجهد وجوع العمال الزراعيين في بلادنا في الإقطاعيات والمشيخات التي كانت سائدة في العهد العثماني، وذلك مجرد تأويل يستعين بسند تاريخي.

وفي "حكاية القرصة"، نجد أن أخو البطلة يقطع رأس الغول، فتنفتح صفحة من الصراع بين مصاصي الدماء ومحترفي السحر والخداع، وبين أبناء المرأة الفلاحة العجوز، وربما كان في ذلك تأكيد للتأويل الذي ذهبنا إليه.

ونجد الغول الشرير في الفلاة الواسعة وجهاً لوجه أمام الإنسان الذي شدّ الرحال ليطلب مبتغاه، "فالشاطر حسن" يهاجم الغيلان ليحصل على "القلب المطلوب"، و"ماء الحياة"، و"العصفور الأزرق"، وذلك في محاولة منه لشفاء أمه وضرائرها من العمى والأمراض المستعصية، وبذلك نجد في هذه الحكاية صورة للرواد الذين فتحوا أبواب المجهول أمام بني البشر، ومن جهة أخرى يمكن تفسير هذه الحكاية على أنها صدى لآمال الناس وطموحاتهم لمصارعة الطبيعة، وتحقيق تخطي صعوبات فوق مستوى مقدرة البشرية في مرحلة حضارية معينة مثل: جعل الأعمى يرتد بصيراً، والقضاء على الطاغية المستبد مهما كانت قوته ساحقة والتي كان الغول مجرد رمز لتلك القوة.

ونحن نشاهد في حكاية الشاطر حسن، طموح الإنسان الذي لا حد له ومثابرته الرائعة على تحقيق أهدافه؛ فزوجة أبيه لا يمكن القضاء عليها إلا بطريقة واحدة وهي الحصول على زجاجة صغيرة تحوي عصفوراً أزرق، وإذا ما تم قتل العصفور ماتت تلك الغولة المتنكرة بلباس الآدميين، وتحفظ الزجاجة التي تحتوي على روح الغولة في قصر منيف تسكنه عتاة الغيلان، ويستطيع البطل- الشاطر حسن – فك الطوق وإحضار الزجاجة والحصول على كنز وفتاة رائعة الجمال.

إنها أمثولة للناس المضطهدين الذين يحلمون بالقضاء على المغتصبين وتحقيق الرفاه، وهي أيضاً تعكس جو التعاسة الذي كان يسود حياة الحريم في ظل الاعتراف والقبول بمبدأ تعدد الزوجات، أو ممارسة ذلك على نطاق واسع.

ونجد الغول على مقربة من الحياة البشرية، إذ يتسلل في هيئة شحاذ، أو "طالبة زواج" إلى داخل المجتمع الإنساني. ففي "حكاية اخشيشبون"، نرى شحاذاً يربط حماره على باب بيت فتاة وحيدة ماتت أمها وذهب أبوها إلى الحج ولا أخوة لها، ويدخل الشحاذ إلى البيت، وفي الليل يكشف هذا الشحاذ عن صورته غير البشرية ويتحول إلى غول؛ ويأخذ الغول في معاونة الفتاة بطحن الحب الذي اتخذته وسيلة لتمضية الوقت وستاراً لندائها لجارها كي ينقذها، وينقذ الجار البطلة؛ فيقتل الغول، وتبدأ صراعات طويلة مع أسرة الغول، ترى لماذا لم يختار الغول سوى هذا البيت شبه الخالي من الناس؟ ولماذا يدخل متستراً كما يفعل اللصوص؟ إنها صورة أخرى للغول نراه ذا بطش وجبروت ومقدرة لا حد لها في حكايات أخرى، ونراه هنا يلجأ للحيلة والخداع.

وقد تجتذب الغيلان شخصاً وأسرته بكاملها إلى أماكنها المهجورة بقصد تسمينهم؛ تمهيداً لافتراسهم، وهذا ما نراه في حكاية "حبيب زمان"، حيث تغري غولة تختفي بزي امرأة رجلاً مأفوناً ليقيم عندها؛ وتدعي أنها أخته التي تزوجت وهي صغيرة دون أن يعرفها هو، ويجبر الرجل زوجته وأولاده على الانتقال والإقامة مع أخته المزعومة للاستفادة من امكاناتها المتوفرة، وتطيع الزوجة المسكينة رغم أنها حاولت تحذير زوجها المأفون دون جدوى، ويتضح أخيراً أن الأخت المزعومة غولة تنتظر الوقت المناسب لتفترس أعضاء الأسرة المسكينة، تهرب الأم وأبناؤها بحيلة، ويبقى الرجل الغبي ليواجه مصيره المحتوم.

ونجد الغول وقد ضرب جذوراً قويةً في مجتمع المدينة أو القرية، وتزيا بزي أستاذ في "كتاب القرية"، وتصادفه تلميذة صغيرة ذات صباح باكر وهو يعلق بقرة على الجدار، ويجري إليها فينهشها ثم يبتعد عنها ويعود لينهشها، ولما كانت "ست اليدب"- وهو اسم بطلة القصة –، ابنة سلطان مهذبة وغير جسورة بحكم تربيتها، فقد هربت عائدة إلى البيت تاركة واحداً من زوج الأحذية الذي ترتديه، ويذهب الغول في الليل ليسألها عن سبب هربها؟ وكأنه يود أن يتأكد أن سره في القرية لم يكشف، وترفض البنت أن تقول شيئاً ما رغم أنه هددها بقتل أهلها وأهل البلد وكل الناس الذين تربطهم بها علاقة، ويفعل ذلك ويختطف طفليها دون أن تجيب عن سبب هربها من أستاذها، وتظل صابرة حتى بعد أن نفّذ تهديداته، وبحيلة سحرية يرتدع الغول ويعيد للسيدة المسكينة طفليها، وتكشف حقيقة صبرها وتعود لزوجها السلطان. ومن الواضح أن الغول هنا هو رمز للطاغية الذي يستر جرائمه بمزيد من الجرائم، ويظل يمعن في جرائمه حتى يردعه ضميره الذي يستيقظ بعد أن يحس بهول ما اقترف، وهذه هي فرضية مجتمع يظل يرضخ تحت ضربات جلاديه دون أن يجرؤ على إبداء رد فعل، منتظراً صحوة الضمير.

وفي بعض الحالات يكون الغول رمزاً للعقم والموت واحتجاب الماء وحجز المراعي، ويظهر البشري الذي يقضي على الغول، ويسلب كل كنوزه ويفتح الطرق أمام العطشى والجياع لارتياد المياه والمراعي. وليس من الصعب أن نتصور في هذه الجزئيات صدى لأخبار الرواد الذين فتحوا أبواب الأراضي الخصبة الشاسعة أمام قبائلهم التي كانت تعاني الجوع والعطش على أطراف الصحراء.

 الحياة الخاصة للغول:

 يقول اكسينوفانز: "يعتقد الأثيوبيون أن الآلهة فطس الأنوف وسود البشرة، أما التراقيون فيتصورون آلهتهم زرق العيون حمر الشعر، ولو كان للثيران والخيول أيد وأرادت أن ترسم بأيديها، فأنها سترسم أشكال آلهتها على شاكلتها، فآلهة الخيل ترسم كالخيل، وآلهة الثيران ترسم كالثيران"، وليست الغيلان آلهة، إنما هي كائنات بشرية تصورها الرواية الشعبية، ويصورها الناس على شاكلة البشر، ورسم ملامح عواطفها وتصرفاتها وبنيانها الجسدي على نحو ما عرفه البشر في بني البشر، ولكنهم أضافوا للصورة الرتوش الضرورية التي تجعل الغول نموذجاً لما يخيف ويؤذي.

وتصور الحكايات الشعبية الغيلان في صور شتى غير الصورة البشرية؛ فمرة نراها على شاكلة سمكة، أو حصان، أو امرأة تتزوج إنسانا عادياً، أو تعيش كعذراء. وقد ترى الغيلان استحالت إلى عنصر بشري يعيش بين البشر مثل شخصية الأستاذ في "الكتاب والطفلة"، التي تعتدي على قطيع غنم أهلها، وهناك اعتقاد مؤداه أنه إذا شربت امرأة ماءً ملوثاً ببول الغيلان، فإنها تلد طفلاً له صفات الغول.

وتصور الحكايات الغول على أنه ينام نوماً عميقاً ويأكل طعاماً كثيراً، والصلة بين الفكرتين واضحة وناتجة عن التخمة. أما فكرة الموت عند الغيلان فلا بد أن تتسم بسمات تختلف عنها عند البشر، فالغول يموت ولكن بطرق مغايرة لما عرفه البشر، يموت بسيف خشبي، أو باقتلاع شعرة من مكان معين من جسده، أو بقتل كائن حي آخر تحل روح الغول فيه.

إن سر حياة الغيلان يكمن في شيء دخيل منفصل عنها كببغاء أو نحلة أو يمامة، ولا تموت الغيلان إلا إذا قتلت هذه الأشياء بالطرق المرسومة، وفي كثير من القصص يعرف البطل سر حياة الغول عن طريق الأميرة الأسيرة.

في حكاية الحطاب (زرندك)، يصادفنا الغول الذي ينبش القبور، ويأكل جثث الموتى، ونشعر بذلك الاعتقاد الذي يوحي بأن امراة مثل زرندك يمكن أن تكون غولة وتأكل أبناءها. وفي حكاية "دلهمة"، نلاحظ أن الغولة يمكن أن تكون قد جعلت نفسها في شكل "ظرف من الزيت"، حتى إذا ما حاول أحد المارة أخذ هذا الظرف استعادت الغولة شكلها الأول، وكان على هذا الشخص أن يجهز لها كمية هائلة من الطعام لإشباعها؛ فالمعتقد في الوسط الشعبي أن الغول يأكل مقادير ضخمة من المأكولات، كما أن هذا الشخص تقع عليه مسؤولية كبيرة؛ إذ تتهمه الغيلان بأنه اختطف عضواً من جماعتها، إلا أنه في حكاية دلهمة تسر والدة الغولة من حسن الضيافة التي قوبلت بها ابنتها الغولة، وتكافئ المضيف بمنحه "المرجة "، وهي قدرة خاصة تساعده على أن يشفي أي شخص أصيب بصدع في رقبته أو يده.

 ونجد في حكاية "الغولة"، أن أُماً تمنت على الله أن يرزقها بنتاً حتى لو كانت هذه البنت غولة، ويجيب الله دعوتها وتلد ابنة لها صفات الغيلان، وتفترس هذه البنت غنم البلد وأهلها "وبتظل على تاليهم"، لكن أخاها الذي هجر البلد في فترة مبكرة وأثبت جدارته بالقضاء على الوحوش التي تمنع المرعى عن الناس، والذي أصبح له سبع وسبعة أخذهما من أمهما التي ساعدها في الولادة؛ هذا الأخ يعود للبلد ويتمكن بمعونة السبعين من تمزيق الأخت الغولة.

 ونرى الغول في حكاية "اجبينة"، التي رواها "هانوور" عن امرأة تلحمية، وكان الغول يملك قطيعاً من المواشي، ويسكن في بيت على رأس جبل عال، وعندما يعثر هذا الغول على أجبينة يجعلها راعية لمواشيه، وبعد ذلك يأتي أهل أجبينة ويأخذون ابنتهم وينهبون المواشي في غياب الغول، ولا يتبع الغول أثر الناس الذين نهبوا ثروته، بل ينفجر من الغيظ، وهنا نحس بأن الغول قد انحط في الذاكرة الشعبية إلى مستوى رجل متوحش يقطن وحيداً على رأس جبل، ويعيش على رعي المواشي.

إن استقراء العديد من النصوص من حكايات الغيلان يجعلنا نرى أن الغول هو رمز لذلك الكائن الذي تجمعت حوله الكراهية الشعبية، فهو الذي يحجز الكنوز، ويمنع الناس من ارتياد المراعي والينابيع، ويحجز الأميرة الجميلة رغماً عنها، وهو الذي يباعد بين الإنسان وبين سر الخلود.

هذا فضلاً عن أنه يحقد على العنصر البشري لدرجة أنه يأكل الإنسان بلحمه ودمه لمجرد احتكاكه به.

وإذا وضعنا باعتبارنا أن الغول ليس له صفة إلهية، ولا علاقة له بين حكايات الغيلان والدين من قريب أو بعيد؛ أمكن القول أن الغول شيء يقع بين الآلهة وعامة الشعب؛ إلا أنه يجوز لنا الاعتقاد بأن الوجدان الشعبي قصد بالغول أولئك الأشياخ والمتنفذين المستغلين طوال عصور الظلام في بلادنا منذ أفول مجد الدول العباسية وعبر فترات الحكم الأجنبي، وكذلك كل رموز الاستغلال واضطهاد الإنسان للإنسان. إن الغول بسماته البسيطة الموجودة في الحكاية الشعبية أمر لا وجود له بل هو مجرد رمز للاضطهاد والاستغلال البشع، وتصديقاً لذلك ما جاء في المأثور الشعبي، "ما غول الابنيادم" (ابن آدم).

حكايات الجن:

يعتقد الناس في الوسط الشعبي بوجود مخلوقات تسبق خلق آدم تسمى الجان، ويعتقدون أن الملائكة يسكنون في السماء، ويقومون بوظائف مختلفة؛ منهم من هو في السماء الأولى وأشكالهم كأشكال البقر، ومنهم من يسكن في السماء الثانية، وأشكالهم كأشكال الصقور، ومنهم من يسكنون السماء الثالثة وأشكالهم كأشكال النسور، ومنهم من يسكنون في السماء الرابعة وأشكالهم كأشكال الخيل ……الخ.

وهناك قصة تحكي أصل الجان تقول، أن "أمنا حواء" كانت تلد أربعين مولوداً في المرة الواحدة، ولكن بما أنها لم تكن تقدر على العناية بأكثر من عشرين منهم، فقد كانت تحتفظ بأحسن عشرين مولوداً منهم وتلقي بالعشرين الآخرين الرديئي النوعية بعيداً، وسأل آدم امرأته عن عدد المواليد؟ فقالت له: أنها ولدت عشرين، ولأنه لم يصدقها فقد رجا الله أن يجعل المواليد التي ترميهم حواء يقيمون تحت الأرض وينتشرون في الليل عندما ينام الناس، وهؤلاء هم الجان.

 ويعتقد أن الجن مخلوقة من نار السموم وهي نار تنقصها الحرارة كما ينقصها الدخان، ويقال أن الجن تقيم وراء جبل قاف، وهو عبارة عن سلسلة مرتفعات تحيط بالأرض، وربما تكون سلسلة جبال قاف هي سلسلة جبال القوفاز.

 ويذكر واشنطن ايرفبخ، أن هناك اعتقاداً عند المسلمين بأن مجيء يأجوج ومأجوج من علامات قيام الساعة، وسيأتي هذان المحاربان العظيمان وقومهما من الشمال في جموع تغطي وجه الأرض كما تغطيها السحابة، وسوف يهزم يأجوج ومأجوج، وتستغل أسلحتهم لتسليح جيوش المسلمين لسبع سنوات، ويذكر القرآن أن ذا القرنين بنى جداراً يفصل شعبه عن أولئك الغزاة، ومادته من الحديد والنحاس والحجر، وربما كان هذا السور العظيم الذي بناه czar" peter" في حملته على بلاد الفرس بجوار مدينة دربند، وقد كان ذلك السور- الذي كان عبارة عن أطلال وخرائب- يمر عبر جبال القفقاس وكان محصناً في بعض الجهات بالقلاع والحصون، وقد اعتقد العرب والفرس أنه بُني لصد غزوة يأجوج ومأجوج.

والغالبية العظمى من الجان قذرة تقيم في الأنهار والنوافير والينابيع والأبنية المتهدمة والحمامات والمخازن والأفران والكهوف، ويختار بعضهم الإقامة في شقوق الجدران وتحت عتبات البيوت المأهولة، ولذلك، فإن الناس يخشون من الجلوس على العتبات وخاصة عند المساء، وإذا مروا فوقها ذكروا اسم الله.

 ويعتقد الناس أن الجن يمكن أن يسرقوا أشياءنا إذا لم نذكر اسم الله عند استعمالها؛ فالمرأة التي تمد يدها للحبوب أو الطحين أو الزيت دون أن تذكر اسم الله؛ تخسر جزءاً كبيراً من أشيائها هذه ويسرقها الجن.

ويروي هانور، قصة ولد من العيسوية، اختطفه الجان عندما كان ذاهباً للمساهمة في جني المحصول إلى الشمال من جبال الزيتون، وظل عندهم مدة تسع سنوات؛ وساهم في كل غزواتهم وسرقاتهم، وذات يوم، كان يقف بالقرب من نبات الفيجم عندما صرخ به الجن لا تملأ يدك من هذا البنات ولكن رغبة منه في الخلاص من الجن ملأ يده من هذا النبات، وحين ذلك اختفى كل الجن وتمكن من العودة إلى أهله.

ويحب الجان أن يعامل باحترام، فنعدما يدخل شخص ما مستودعاً، أو كهفاً، أو حتى إذا كان يكنس غرفة مضى عليها وقت وهي خالية فيجب عليه أن يقول، "دستوركم يامباركين"، وكذلك الحال إذا كان الشخص يحمل ناراً، أو ماءً، فإن عليه أن بذكر اسم الله حتى لا تسقط النار أو الماء على الجن، وعندما يحتك الأنس بالجن، فإن أول ما يوصيه الجني للإنسي هو ألا يذكر اسم الله؛ لأن الجن ستقضي عليه إذا فعل ذلك.

وفي حكاية "المرة العورة"، يأتي الجن بالمرأة بطلة الحكاية إلى حيث يقيمون تحت الأرض، لتساعد امرأة من الجن في الولادة، ويقول واحد من الجن للمرأة: "إذا غامرت بذكر اسم الله، فإنك ستموتين، ولو جئنا نحن الذين نعيش تحت الأرض إليك، لكان ذكر اسم الله سبيلاً لوقايتك منا، ولكن مثل حالتك وقد جئت إلى حيث نسكن، وأنت مدينة بحقنا، فإن ذكر اسم الله لا ينفعك".

ويضع الإنسي نفسه في حماية الجان صاحب الأرض عندما يحل فيها. نرى مثل حكاية "البدوي"، الذي حلّ ذات يوم في أرض عراء وأراد النوم فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم، توكلت على الله، وأضع نفسي في حماية صاحب هذه الأرض"، وبذلك يصبح الجان صاحب هذه الأرض ملزماً بحماية ذلك البدوي، ويظل ملتزماً بها حتى بعد أن يتلقى دعوة للمشاركة في عرس زميل جني، ولا يذهب للعرس إلا بعد أن يشير عليه الجني زميله بأن يضعه في حضن ابنة السلطان؛ بادئاً بتلك الخطوة الأولى في إقامة علاقة بين البدوي وابنة السلطان حتى تنتهي بالزواج.

وتردد حكاية "الشيخ طنطف"، ذلك الاعتقاد بأن هناك أناساً يسكنون تحت الأرض (أهل الأرض)؛ فعندما تزل قدم البطلة وتنزل تحت الأرض؛ تجد من يسكن فيها، وهو شيخ جليل ذلك الشيخ طنطف، ولكن هذا الشيخ لا يتحرك إلا إذا دفعه الإنسان، وعندما يأتي أبناؤه نراه يتحرك ويتحدث كأي إنسان عادي، وتنتهي الحكاية بأن تتزوج البطلة من أحد أبناء الشيخ طنطف.

وفي حكاية "الإنس والجان"؛ نجد الجان قد تخفى في شكل عنزة سوداء يلتقي بها رجل من الأنس فيحملها، وتأخذ العنزة في التدريج شكلاً أطول، وتطلب من الرجل أن يعيدها إلى جماعتها (الجن)، ولكن الرجل يرفض لأنه في غاية التعب، ولا يجد وسيلة للتخلص من هذه المصيبة إلا بعد أن يقتلها طعناً، وهكذا يصبح هناك ثأر بين حمولة ذلك الرجل وبين الجن. ويشن الجن حملة شعواء على تلك الحمولة، ويأخذون برجمها بالحجارة كل ليلة، ابتداء من ساعات المساء الأولى دون أن تجد هذه الحمولة وسيلة تدافع بها عن نفسها، ويحل المشكلة شيخ يتصدى للجن بعكازتة "ويخبط فيها على رأسه ويقول له: " …خلص بكفيك اللي عملته".

ونجد البطل في حكاية "الشاطر محمد"، وقد حقق ما أراد بجمعه بين الشجاعة والاستفادة من الجهود الخارقة لابنة ملك الجان المتخفية في شكل حية، والشاطر محمد، نموذج للبطل الذي يشق طريق الصعاب بجرأة وقدرة خارقة، وقد بدأ حياته أبناً للمرأة التي هجرها زوجها لأنها لم تنجب غير طفل واحد، وبعد أن يسافر البطل فترة طويلة يقضي فيها على الحية ذات الرؤوس السبعة والغول الذي يحاول افتراس "عليا"، يعود لأهله ومعه العروس وهنا ينصبه أبوه شيخاً ويحتفل به احتفالاً كبيراً، وهنا نلاحظ التجارب التي تمر على البطل والتي يثبت فيها أنه أهل للزواج وللزعامة.

ونرى الشاطر محمد، وقد عاد للمغامرة بصحبة أخوة من أم أخرى، ويغدر أولئك الأخوة بالشاطر محمد فيقطعوا رجليه ويتركوه، ولكنه وبسبب خدمة بسيطة أداها لأفعى يستعيد رجليه ويعود إلى أهله بعروس أخرى حصل عليها بشجاعة.

ويقع الجني في حب البنت الإنسية، ونراه في حكاية (جان يحب بنت)، وقد ظهر بصورة كلب يقف على باب بيت محبوبته يستجديها الخبز، وبهداية من الله اعتادت هذه البنت أن تذكر اسم الله قائلة: "بسم الله الرحمن الرحيم" كلما دخلت وخرجت وبذلك حمت نفسها من شر هذا الجني، وتشاء الصدفة أن يتعقب والد البنت الكلب فيراه يدخل في مغارة وهو يحمل الرغيف الذي أعطته إياه الإنسية، ثم يرقص بين زملائه الجن قائلاً: "ما سلاني إلا بنت المسلماني إن خشت تقول باسم الله وأن طلعت تقول بالرحمن"، وهكذا تنكشف حقيقة الجني الذي لا يمكن أن يصل إلى محبوبته بسبب ذكرها دائماً اسم الله والموعظة من وراء الحكاية واضحة.

وهناك اعتقاد بأن الجن تتخذ صورة حيوان وتسمى باسمه، ولذلك فمن الخطر أن يخاطب أحد حيواناً أو أي مخلوق مهما صغر إلا أشار إليه، لأنه ربما انتهز الجن الفرصة واعتبر نفسه المقصود بالدعوة ومن ذلك ما نسمعه في حكاية الخنفسة والتي تقمصتها غولة.

وتصور الناس في الوسط الشعبي عالم الجن وقد ضم أفراداً وملوكاً وممالك، وتصوروا العلاقات الطبقية القائمة بين بني البشر، قائمة بين الجن، كما تصوَّر الناس حياة الجن وكأنها حياة البشر، وليس هناك ما يختلف بين حياة الناس وحياة الجن سوى قدرة الأخيرة على تحقيق معجزات النقل السريع، وبناء القصور الفوري، والوصول إلى الكنوز بكل سهولة ويسر، حتى العادات التفصيلية المتعلقة بأمور الزواج والعيش فقد وردت بصورة تكاد تكود مطابقة لما هي عليه لدى البشر؛ إذ يقيم الجن أعراساً مثل تلك الأعراس التي يقيمها الفلاحون.

ففي حكاية "زفة الجن"، نراهم وقد خرجوا في موكب من مواكب الزفة وسار الرجال والنساء والجميع يحملون الدفوف والنساء تطلق الزغاريد، وقد أعطت واحدة من النسوة المشتركات في الزفة الإنسي الذي وجد نفسه يسير في الموكب مشعلاً.

ويغرم الجان بموسيقى اليرغول، وتقول حكاية أن خادم بطريرك اللاتين في القدس (في حدود أواخر القرن التاسع عشر)، كان يعزف على اليرغول في الوادي وحيداً عندما جاءه الجان في موكب عرس وطلبوا منه أن يستمر في العزف، وبعد أن أحيا لهم حفل الفرح لليلة أعادوه للبطريرك الذي نهاه عند سماع القصة عن العزف على اليرغول؛ حتى لا يقع في أحابيل الجان وتصف لنا حكاية "المرة العورة"، جانباً من الحياة الخاصة للجن؛ فهم يعيشون تحت الأرض ويتخذون شكل الآدميين أو الحيوانات عندما يخرجون إلى سطح الأرض. وتحبل نساؤهم وتلد ،وتقوم القابلة بتكحيل عيني المولود والوالدة بعد الولادة، وتجتمع النساء في ساعة الولادة حول المرأة التي يجيؤها المخاض تماماً كما يحصل في حياة الفلاحين.

 ونعرف شيئاً عن شكل الجن في حكاية "المرة العورة"، فعين الجن ذات بؤبؤ عمودي وليس أفقياً كما هو الحال عند البشر، وإذا اكتحل المرء بشيء من كحل الجان، فإنه يقدر على رؤية "أهل الأرض". وهذا ما يحصل لبطلة حكاية "المرة العورة"، والتي سرعان ما تخسر هذه الميزة عندما تفقأ عينها امرأة جنية تلتقي بها فوق سطح الأرض، وتفعل الجنية ذلك لأنها لا ترغب في أن تكون هناك إنسية قادرة على رؤية الجن.

 ولا نستطيع أن نرى في هذه القصة غير عجز الإنسان عن الخروج من الطوق الذي فرض عليه، فالبشر يأملون برؤية "أهل الأرض"، ويحققون الأمنية فترة ما ولكنهم يخسرون هذه الميزة أخيراً. ويهدي الجن الأشخاص من الأنس الذين يزورونهم ويسيرون إليهم بهدية من "البصل"، ولكن هذه الهدية سرعان ما تتحول إلى قطع من الذهب بمجرد أن يعود الأنس إلى "بلاد الأنس".

حكايات السحر:

 تصادفنا في ثنايا الحكايات الشعبية أدوات سحرية، وهذه الأدوات توسل بها الوجدان الشعبي ليحقق على صعيد الخيال ما عجز عن تحقيقه على أرض الواقع، ومن هذه الأدوات "عليبة الصبر"، في حكاية "ست اليدب"، فعندما يبلغ الإحساس بالظلم أوجه لدى البطلة، تتوجه هذه إلى علبة الصبر تبثها مظالمها فلا تحتمل علبة الصبر؛ فتنفجر، وبمجرد انفجار علبة الصبر يعود الغول إلى رشده ويعيد أبناء المرأة المظلومة والذين اختطفهم منها بغير وجه حق.

ونجد في حكاية "حبيب رمان"، المطراق الذي إذا ضرب به ابن الغولة الأرض انفجر نهر من ماء ونبت حقل واسع من العشب، وهناك طاقية الإخفاء، هذه الطاقية السحرية إذا لبسها البطل لم يعد باستطاعة أحد أن يراه، ويتحرك ويتصرف على هواه دون رقيب أو حسيب وتتيح له هذه الحالة السحرية أن يحصل على الكنز، أو ينتقم من العدو، أو يصل إلى الأميرة في قصرها والتي يحجبها عنه الحراس والأبواب والأقفال.

ومن الأدوات السحرية التي تصادفها في ثنايا الحكايات الشعبية "خاتم لبيك"، والذي إذا خاطبه البطل أجابه على الفور قائلاً: "سعدك بين أيديك" اطلب تعط"، ويعتقد أن هناك مارداً مكلفاً بتلبية طلبات كل من يملك هذا الخاتم. وللبساط السحري قدرة على نقل الأشخاص مسافات خيالية وبزمن قصير لا يجاريه اليوم أكبر الصواريخ المسيرة بقدرة الذرة. أما المرآة السحرية فتتيح للإنسان أن يرى ما في الأرض وما في السموات السبع وهذا أمر يعجز عنه أكثر الاختراعات العلمية حداثة وقدرة. ولماء الحياة قدرة عجيبة سحرية فهو يشفي العين المريضة والمصابة بالعمى فيحيلها بصيرة، وإذا اغتسل به المريض أو العجوز، أضحى سليماً متمتعاً بالشباب والنضارة.

ومن الممارسات السحرية التي نصادفها في ثنايا الحكايات الشعبية تحويل الإنسان إلى حيوان أو دبوس يغرز في ثوب الجنية أو قطعة من اللبان تضعها تحت سنها، وإذا ما زالت الظروف الطارئة يمكن إعادة الإنسان إلى صورته الآدمية. وقد يسحر العفريت نفسه حيواناً أو إنساناً لينال بغيته. ويمارس الساحر أو الجني عملية رمي الماء أو التراب المسحورين على الناس ليخرجهم من صورتهم الآدمية إلى صورة أخرى، وربما وصل الساحر إلى مبتغاه في تحويل الإنسان إلى جماد بمجرد حركة من إصبعه. وترصد الكنوز، بحيث لا يمكن أن يهتدي إليها إلا شخص محظوظ بعينه.

وهناك الحكايات الشعبية التي تسفه مسألة السحر وتعريها من الحقيقة ومثال ذلك، الحكاية التي تقول أن "الشيخ عصفور"، حقق المعجزات عن طريق الصدفة، بينما كان الناس يظنون أنه ذو قدرة خارقة.

 ويعتقد الناس في الوسط الشعبي أن لعين ابن آدم قدرة سحرية عجيبة. ولدينا الحكاية الشعبية التي تقول: أن رجلاً وضع عين ابن آدم في قعر مكيال ولم يستطع كل تجار البلد أن يملؤوه، وتمكن فلاح ساذج من ملاحظة العين فملأها بالتراب وأمكن وقتها ملء المكيال.

 ومن الأدوات السحرية التي تصادفنا في ثنايا الحكايات الشعبية "المرواد"، ولا بد أن يكون هذا المرواد هو ذلك العود الدقيق المصنوع من الخشب أو المعدن والذي يغمس في وعاء الكحل لتكحيل العين، وإذا ما اكتحل الإنسان بمثل هذا المرواد، فإنه يرى كل شيء في "تخوم الأرض"، بمعنى أنه يمكن أن يرى الأشياء التي يعجز الإنسان العادي عن رؤيتها. \

وهناك مرواد آخر إذا نظف الإنسان به أذنيه أمكنه أن يسمع الأصوات التي لا يسمعها الإنسان العادي. وفي حكاية "يما افتحي باطيتك"، نجد الطنجرة السحرية التي تعطيها صاحبتها للناس ليستخدموها فيضعوا فيها شيئاً ما وبعد ذلك تنغلق هذه الطنجرة ولا تفتح أبداً، وهكذا يخسر الناس الأشياء التي وضعوها فيها وتصبح تلك الأشياء ملكاً لصاحبة الطنجرة؛ فالطنجرة السحرية في هذه الحكاية مجرد رمز لظاهرة الأم التي تسمح لابنتها أن تمد يدها لمال الغير؛ فتسرق كل ما تراه وتحاول الحصول على كل ما يعجبها من أشياء الآخرين. إن لهذه الحكاية نهاية ممجوجة، نرى الطنجرة وقد حصلت على شيء غريب ومخجل، وكأن هذه الرواية أرادت أن تقول أن الأم التي تطلق العنان لرغبات ابنتها سوف تلقى آخر الأمر ما يسيؤها.

ويستخدم السحر في تغيير حال الإنسان من آدمي إلى حيوان أو جماد، ويتم السحر في بعض الحالات بواسطة مقدار من الماء يوضع في وعاء وتتلى على هذا الماء قراءات معينة، ثم يرش منه على الإنسان ليخرج إلى صورة غير صورته، أما البساط السحري الذي نراه في عدد من الحكايات الشعبية والذي لديه القدرة على أن يسير فوق الريح، وأن يحمل البشر مسافات بعيدة وفي فترة زمنية غاية في الضآلة قد تعادل مجرد الوقت الذي يحتاجه جفن العين لأن يرتد في غمضة، هذا البساط لا أخاله إلا وقد انحدر إلى الذاكرة الشعبية من بساط سليمان، والشيء نفسه يمكن أن يقال عن خاتم لبيك، الذي إذا فركه الشخص المحظوظ -والذي يعثر عليه- انطلق أمامه مارد ضخم وقال: "سعدك بين يديك، أطلب تعط"، وفي حمى الغيلان يمكن أن تنطق الأدوات الموجودة في بيت الغول وتخبر الغول بهرب البطلة، ففي حكاية بسيمة، وعندما تود البطلة أن تهرب من بيت الغول مع شقيقها تعمد هذه إلى دهن كل أداة في البيت بالحناء كوسيلة لاسترضائها لكي لا تخبر الغول بهربها، ولسوء حظ البطلة تنسى أن تدهن الهاون ويشي الهاون بالبطلة لدى الغول مما يسبب لها مصاعب جمة.

وقد يسحر العفريت أو الغول أو الجن نفسه إلى صورة آدمي أو حيوان أو جماد ليتسنى له الاقتراب أو الوصول من مكان ضروري لتحقيق أغراضه. 

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

محتويات المقال