القائمة الرئيسية

الصفحات

قصيدة ونحن سواء للمتوكل طه - كاملة مع شرح وتحليل

تُعَدُّ قصيدة “ونحن سواء” من أبرز نماذج أدب السجون في الشعر الفلسطيني المعاصر، وقد كتبها الشاعر الفلسطيني المتوكل طه أثناء اعتقاله في سجن النقب. أهدى الشاعر هذه القصيدة إلى الأسيرات الفلسطينيات في سجن نفي ترتسا، وهو جزء من سجن الرملة المركزي، تعبيرًا عن التضامن العميق ووحدة المعاناة والمصير بين الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال.

في هذه القصيدة يرسم الشاعر صورة وجدانية تمزج بين الألم والأمل، حيث يخاطب شقيقته الأسيرة بلغة مليئة بالحب والوفاء، مؤكدًا أن ما يجمع الأسرى والأسيرات هو الصمود والمقاومة والقدرة على تحويل الزنازين إلى قلاع للكرامة والإباء. كما تحمل الأبيات بعدًا وطنيًا وإنسانيًا، يبرز قوة الإرادة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، ويجعل من القصيدة شهادة حيّة على نضال الأسرى والأسيرات.


ونحن سواء للمتوكل طه - القصيدة كامله مع الشرح والتحليل

 

قصيدة ونحن سواء مكتوبة كاملة

اليكم قصيدة ونحن سواء كاملة من كتاب رمل الأفعى (سيرة كتسيعوت، معتقل أنصار 3) كما وردت بنصها الاصلي


لَعَلَّكِ يا أُخْتَ رُوحي، بِخَيْرٍ 
لَعَلَّ جَميعَ اللَّواتي عَشِقْنَ الحَياةَ بِخَيْرٍ 
لَعَلَّ الجَميعَ بِخَيْرٍ

أَكْتُبُ مِنْ نَرْجِسِ القَلْبِ 
آيَةَ حُبّي الكَبيرِ إِلَيْكِ 
وأُهْدِي إِلَيْكِ السَّلامَ

وَأَسْأَلُ عَنْ مُهْرَةٍ قَيَّدُوها، 
وَعَنْ غَيْمِ عَيْنَيْكِ أَسْأَلُ، 
عَنْ دَمْعَةٍ في المَساءْ. 
وَمِنْ عِنْدِنا في لَهيبِ الصَّحارى، 
سَبْعَةُ آلافِ واحَةِ عِشْقٍ 
تُقَدُّ إِلَيْكِ نَشيدَ النَّخيلْ، 
وَتُهْدِي إِلَيْكِ رَحيقَ الحُداءْ، 
وَتُرْسِلُ عَبْرَ رِداءِ الطُّيورِ 
جِراحاتِ نايِ المُحِبّينَ، 
عِطْرَ الصَّهِيلِ وَوَجْهَ السَّماءْ. 
وَأَسْأَلُ: كَيْفَ تَنامُ عَصافيرُ حُزْنِكِ في اللَّيْلِ؟ 
كَيْفَ يُغَرِّدُ فيكِ الهَزارُ نَهارًا؟ 
وَكَيْفَ تَشُقّينَ ثَوْبَ “العَتابا” عَلى كَرْبَلاءْ؟! 
– وَقَلْبِي أَحَقُّ بِهَذا السُّؤالْ –

فَنَحْنُ نُواجِهُ رَمْلَ المُعَسْكَرِ (بِالأَوْفِ)، 
نَكْسِرُ وَحْشَ الصَّحارى 
بِعُرْسِ انْتِفاضَتِنا. 
لا نَكُفُّ عَنِ الدَّبَكاتِ، 
وَنُغْمِرُ هَذا المَدى بِالغِناءْ…

يا أُخْتَ رُوحي الَّتي ما نَسِيتُ، 
أَراكِ بِسِجْنِكِ أَحْلى وَأَبْهى، 
فَلا تَسْتَثيري حَنانَ اليَمامِ وَراءَ الشَّبابيكِ 
حَتّى يَظَلَّ هَديلَ الشِّتاءِ. 
فَقَدْ حَرَّقَتْني دَمْعَةُ عَيْنِكِ لَمّا تَنَزَّتْ، 
قَبيْلَ الدُّخولِ لِمَعْنى القُيودْ، 
وَكُنْتُ أَراكِ ابْتِسامًا 
لِيُورِقَ “أَنْصارُ” عُشْبًا وَماءً.

وَنَحْنُ بِدونِ العَوالِمْ: 
نَدْفِنُ مَنْ ماتَ مِنّا، 
نُشَيِّعُ مَنْ راحَ لِلسِّجْنِ 
أَوْ لِلْوُقوفِ شُموخًا عَلى النَّطْعِ، 
أَوْ مَنْ تَدَلّى بِأَنْشوطةِ الرُّعْبِ 
بِزَغْرُودَةِ الانْتِماءِ.

يا أُخْتَ رُوحي… 
أَأَسْأَلُ جُوعَكِ كَيْفَ يَشُقُّ فيكِ الجِبالَ؟ 
وَكَيْفَ البَلابلُ في شَفَتَيْكِ تُنادِي البِحارَ؟ 
وَكَيْفَ الزَّنازينُ تَصْحو عَلى الصَّرَخاتِ؟ 
وَنَحْنُ سَواءْ؟؟ 
أَأَسْأَلُ، وَالسِّجْنُ غازٌ يُفَجِّرُ قَلْبَ الهَواءِ، 
وَنَحْنُ سَواءْ؟؟

أَأَسْأَلُ، وَالقَيْدُ يَبْدَأُ 
مِنْ رُسْغِ كَفَّيَّ في “كِتْسِيعوتْ”، 
وَيَمْتَدُّ حَتّى يُعانِقَ كَفَّيْكِ 
في عَتَماتِ سُجونِ النِّساءِ؟؟

لا بَأْس!! 
فَالسِّجْنُ سَهْمٌ يُصيبُ المَخابِئَ في القَلْبِ، 
يَكْشِفُ سِرَّ الزَّمانِ الثَّقيلِ، 
وَيَجْعَلُ ذِكْرَى الطُّفولَةِ وَالعِشْقِ 
أَشْهى العَذابِ، 
وَيَكْتُبُنا سُورَةً لِلإِباءْ! 
وَالسِّجْنُ قَبْرٌ بِكُلِّ العُصورِ، 
وَفي عَصْرِنا رَوْضَةٌ لِلصِّغارِ الَّذينَ أَتَوْا 
في زَوايا الإِناءْ. 
فَنَحْنُ – بِدونِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ – 
نَكْبَرُ بِالمَوْتِ، 
نُولَدُ في كُلِّ حَرْبٍ وَسِجْنٍ، 
وَنُطْلِقُ أَطْفالَنا في بَرارِي النِّداءْ.

وَالسِّجْنُ مِنْ عَهْدِ جانْ سُلَيْمانَ، 
حَتّى النَّبِيِّ الَّذي راوَدَتْهُ زُلَيْخا، 
حَتّى “نَفْي تَرْتْسِيا” أَوْجَدُوهُ، 
لِحَرْقِ البَساتينِ في الصَّدْرِ، 
أَوْ لاحْتِواءِ العَواصِفِ وَالأَنْبِياءْ. 
وَلَكِنَّنا قَدْ جَعَلْنا السُّجونَ قِلاعًا 
تَضُجُّ شُموسًا، 
وَسُرُجًا نُطَرِّزُهُ لِلْعَراءْ. 

شَقيقَةَ رُوحي، 
إِذا ما سَأَلْتِ، فَإِنّي ما زِلْتُ حَيًّا، 
وَكُلِّي شَوْقٌ لِعَيْنَيْ هَزارٍ، 
وَكُلِّي وَفاءْ.

 

معاني المفردات في قصيدة ونحن سواء


كتب الشاعر الفلسطيني المتوكل طه قصيدته "ونحن سواء" للتعبير عن مشاعره تجاه الاحتلال الصهيوني، فكانت مناسبة القصيدة هي مشاعر العصيان والرفض والمقاومة، وكانت القصيدة بمثابة دعم من سجن "أنصار 3" إلى المناضلات في السجن النسائي في معتقل "نفي ترتسا"، وانطلقت القصيدة بأفكار رئيسة تدعو إلى بث الأمل في أرواح المناضلات، والتأكيد على رفعتهن وسموهن والمحاولة في بث الصبر في نفوسهن من خلال أبيات القصيدة التي تفيض معاني ومدلولات ثورية، فحملت الكثير من المفردات والعبارات التي تدعو إلى الأمل، وفيما يأتي سيتم توضيح معاني المفردات في قصيدة "ونحن سواء"، والتي منها: 

  1. أخت روحي: يقصد بهن الأسيرات في سجون الاحتلال.
  2. نرجس: ورد من الفصيلة النرجسية، وهو نبات من الرياحين طيب الرائحة.
  3. آية: العلامة والأمّارة.
  4. مهرة: وهي أنثى الخيل، ويقال مهرة لأول ما يُنتج من الخيل.
  5. قيدوها: عقلوها وربطوها برباط.
  6. أحق: أغلب وأثبت وأولى.
  7. يورق: يزهر، فيقال ورّق الشجر، أي أخرج ورقه وجاء الربيع.
  8. رسغ: المفصل ما بين الساعد والكف.
  9. قلاع: جمع قلعة، وهي الحصن الممتنع بالجبل.
  10. تضج: من الفعل ضجَّ وهي بمعنى إحداث الجلبة والصياح بسبب الجزع والمشقة.
  11. سرج: رَحْل الدابة.
  12. نطرزه: نحيكه ونزخرفه.
  13. العراء: الفضاء وهو مكان مكشوف وخال لا يُستتر فيه بشيء.
  14. شوق: نزوع النفس إلى الشيء وتعلقها وحنينها إليه.
  15. هزار: هو طائر صغير يوصف بأنه حسن الصوت وسريع الحركة وجميل اللون.


شرح قصيدة ونحن سواء للمتوكل طه

تفيض قصيدة ونحن سواء للشاعر المتوكل طه الكثير من المشاعر التي تستنهض الهمم والعزائم، والتي بالوقت ذاته تشرح معاناة الأسرى وحال الأسيرات في سجون الاحتلال فكانت القصيدة تنقسم إلى العديد من المقاطع، حمل كل مقطع مجموعة من السمات الفنية في الأسلوب الأدبي واللغة، فكانت اللغة معبرة وقوية تستخدم الأساليب البلاغية المختلفة، مما زاد من قوة بلاغة القصيدة وتأثيرها في المتلقي، ومن هذه الأساليب التي تعد بمثابة السمات البلاغية والفنية هي: النداء والشرط والتوكيد والترجي والنفي والاستدراك والاستفهام، إضافة إلى التشبيه والصور الجمالية والمحسنات اللفظية والتي سيتم توضيحها في الشرح الآتي للقصيدة والتي مطلعها:

لعلك يا أخت روحي بخير 
لعل جميع اللواتي عشقن الحياة بخير 
أكتب من نرجس القلب 
آية حبي الكبير لكِ 
وأهدي إليك السلام

يبدأ الشاعر قصيدته بالفعل "لعل" الذي يفيد الترجي فهو يستخدم أسلوب التمني والرجاء من الله تعالى أن تكون جميع الأسيرات بخير، ويصفهن بحبهن للحياة والعيش بحرية، ومن الصور الفنية في المقطع الأول أنه شبه الحياة بمحبوب يعشق في قوله "عشقن الحياة"، كما شبه قلبه بالنرجس وشبه النرجس بقلم يكتب به كل معاني الحب والسلام، في قوله "أكتب من نرجس القلب".

وأسأل عن مهرة قيدوها 
وعن غيم عينيكِ أسأل 
عن دمعة المساء 
ومن عندنا في لهيب الصحارى 
سبعة آلاف واحة عشق 
تقدُّ إليك نشيد النخيل 
وتهدي إليك رحيق الحُداء 
وترسل عبر رداء الطيور 
جراحات ناي المحبين 
عطر الصهيل ووجه السماء

يتساءل الشاعر هنا عن المهرة التي قيدوها والمقصود بها أخته وباقي الأسيرات ويقول "وعن غيم عينيك أسأل" وهو هنا يشبّه عيني الأسيرة بالغيوم التي تهطل بالدموع في السماء، وهو بذلك يظهر ملامح الألم والمعاناة التي يواجهها كل أسير، وأنه هو وزملائه في السجن يهدونها رحيق الحداء، والحداء هو الغناء للإبل فشبهه بالرحيق الذي يهدى ويرسل عبر رداء الطيور، واستعان الشاعر هنا بالطير لنقل الرسالة كما فعل الكثير من الشعراء القدماء، كما استعان الشاعر بأشياء طبيعية من أجل وصول الرسالة إلى آية محبوبة قلبه.

وأسأل: كيف تنام عصافير حزنك؟ في الليل 
كيف يغرد فيك الهزار، نهارًا 
وكيف تشقين ثوب العتابا على كربلاء 
وقلبي أحق بهذا السؤال 
فنحن نواجه رمل العسكر "بالآوف" 
نكسر وحش الصحارى 
بعرس انتفاضتنا 
لا نكف عن الدبكات 
ونغمر هذا المدى بالغناء

يستمر الشاعر بالتساؤل عن حال الأسيرات في الليل والنهار ويعبر عن الإرادة القوية فيشرح عن حالهم وكيف يواجهون رمل العسكر فشبه الرمل هنا بجيش يواجه فيقول أنهم يتصدون للاحتلال بالأغاني والأناشيد والألحان ويشبه الشاعر الاحتلال بوحش الصحراء الذي يغتصب حقوق أصحاب الأرض بلا شفقة فهو يشبه الانتفاضة بالعرس ويقول "نغمر هذا المدى بالغناء" فشبه المدى بالكأس وشبه الغناء بالماء وهنا إشارة إلى التمسك بالتراث الفلسطيني وإحيائه.

يا أخت روحي التي ما نسيت 
أراك بسجنك أحلى وأبهى 
وكنت أراك ابتسامًا 
ليورق "أنصار" عشقًا وماء 
ونحن بدون العوالم ندفن من مات منا 
نُشيّع من راح للسجن 
أو للوقوف شموخًا على النطع 
أو من تدلى بأنشوطة الرعب 
بزغرودة الانتماء

يتحدث الشاعر هنا عن الأمل الذي يتمتع به الأسرى في سجونهم، وعن التحدي في مواجهة الأساليب القمعية جميعها، فيقول أننا دون العوالم نختلف عنهم بأن الأسرى يموتون بشموخ حين يقفون للنطع أي للقتل، ويستشهدون ومن خلفهم زغاريت انتماء وفرح، وذلك يشير إلى عدم استسلام الأسرى واستسلام أهاليهم أيضًا، وإلى صمودهم في وجه الاحتلال الغاصب بمختلف أساليب الفرح بالشهادة والسعادة بالسجن وذلك لأن إيمانهم بما هو عند الله خير وأبقى فيجسد الشاعر اختلاف السجن بنظر الفلسطيني فهو يستقبل الموت بفرح وشرف بل هو يطمح لنيل الشهادة.

يا أخت روحي 
أأسأل جوعك كيف يشقق فيك الجبال 
وكيف البلابل في شفتيك تنادي البحار 
وكيف الزنازين تصحو على الصرخات 
ونحن سواء 
أأسأل والسجن غاز يفجر قلب الهواء 
ونحن سواء 
أأسأل والقيد يبدأ من رسغ كفي في كتسعيوت 
ويمتد حتى يعانق كفيك في سجن النساء

يكشف الشاعر في هذه الأبيات عن وجه السجن البشع، والمليئ بالجوع والصراخ والتعذيب، وكيف أن الزنازين تضج بصوت الصراخ بسبب التعذيب والألم، فيبوح الشاعر بما يعانيه الأسرى، ويشبّه الشاعر السجن بغاز يسيطر على قلبه فيكاد يفجره، ويكرر جملة "ونحن سواء" فتكرار هذه الجملة يدل على التشابه بين الأسرى في الشعور والألم والتعذيب وبعد ذلك يصف قساوة القيود التي تمتد من سجن "كتسيعوت" إلى سجن النساء، وبذلك القيد شكًل الشاعر حلقة وصل بينهم، تزيدهم جلدًا وعزيمة، ويحاول أن يهوّن من هذا القيد فيقول "يعانق كفيك" إذ شبه القيد هنا بإنسان يُعانِق، وشبه الكفين بإنسان يُعانَق.

لا بأس 
فالسجن سهم يصيب المخابئ في القلب 
يكشف سر الزمان الثقيل 
ويجعل ذكرى الطفولة والعشق أشهى العذاب 
ويكتبنا صورة للإباء 
والسجن قبر بكل العصور 
وفي عصرنا روضة للصغار الذين 
أتوا في زوايا الإناء...

إن الشاعر في هذه الأبيات يحاول أن يُهون مشهد السجن للأسرى، فيفصح عن السجن ودلالاته، ويشبّه السجن بالسهم الذي يصيب أعمق نقطة في القلب فالسجن يُعيد الحياة في الذكريات التي تصبح في الزنازين هي الملاذ الوحيد الذي يستلذ به الأسرى، وهو الشيء الذي يُهون عليهم السجن ويجعلهم صامدون في صورة للإباء أي في صورة تشير إليهم على المدى البعيد وتشرح عن كرامتهم وعزة أنفسهم ورفضهم للذل والهوان، ويقول الشاعر أن السجن كان بمثابة القبر عبر العصور بيد أنه هنا بمثابة الروضة، وهو بذلك يقلل من شأن السجن، وهي إشارة تدل على مدى صبر وشجاعة الأسرى، وتعد القصيدة مشابهة لمؤلفات أدب السجون، والتي تتحدث عن معاناة السجن.

فنحن بدون السماوات والأرض نكبر بالموت 
نولد في كل حرب وسجن 
ونُطلق أطفالنا في براري النداء 
والسجن من عهد جان سليمان 
حتى النبي الذي راودته زليخة 
حتى "نفى ترتسيا" أوجدوه 
لحرق البساتين في الصدر 
أو لاحتواء العواصف والأنبياء

يستمر الشاعر بالتأكيد أنه ثمة اختلاف بين الأسرى في شدة تحملهم، فالفلسطينيون وحدهم دون غيرهم لا يغلبهم الموت بل هم يطمحون إليه لأنهم يكبرون به، والمقصود هنا هو نيل أعلى مرتبة وهي الشهادة، ويؤكد الشاعر أن السجن وُجد من عهد سليمان وباقي الأنبياء ولكنه كان دائمًا يرمز إلى أنه السبيل لإعلاء كلمة الحق، ويتأكد المعنى بأن السجن يحرق الصدر بالضيق والمعاناة ولكنه منذ أول العصور احتوى الأنبياء فيستحضر الشاعر النبي يوسف عليه السلام حين دافع عن أخلاقه ومبادئه فرفض الخضوع لزليخة وإغرائها له، فشبه الشاعر حال الشعب الفلسطيني بحال يوسف عليه السلام وهو أن السجن أحب لكلاهما من الوقوع في الخطيئة والظلم.

ولكننا قد جلعنا السجون قلاعًا 
تضج شموسًا 
وسرجًا نطرزه للعراء 
شقيقة روحي 
إذا ما سألت فإني ما زلت حيًا 
وكلي شوق لعيني هزار 
وكلي وفاء

وفي ختام القصيدة يشير الشاعر إلى الأمل الذي نُشر في السجون بفضل عزيمة الأسرى، فشبه السجون بالقلاع كما شبه السجن بالسرج الذي يطرز فالأسرى والأسيرات جعلن من السجن قلاعًا تنتشر شمس الحرية في فضائها، أما الشاعر فما يزال حيًا يملاؤه الحنين والشوق لكي ينال حريته، وسيظل وفيًا ومخلصًا لبلاده وأرضه.


ثيمة المقاومة في قصيدة (ونحن سواء)

تجيشُ قصيدةُ (ونحنُ سواء) للمتوكل طه بدلالات رمزية تعبّرُ عن مشاعر العصيان والمقاومة تجاه الاحتلال الصهيوني الغاشم؛ حيث وجَّه الشاعرُ قصيدته على هيئة رسالة دعم وتأييد من سجن (أنصار- 3) إلى المناضِلات في معتقل (نفي ترتسيا) النسائي، بهدف إحياء الأمل في أرواحهنَّ وبعث الصبر في نفوسهنَّ، والتأكيد على رفعة وسمو ما يقمْنَ به من ممارسات المقاومة والصمود والتحدي. وفي هذا المقال، سنلقي الضوء على الإشارات السيميائية التي تحملُ تيمة المقاومة، ثم نبيِّن معانيها ومدلولاتها للتعرف إلى جانب من جوانب الشعرية الثورية في الأدب الفلسطيني الحديث.


يبدأ الشاعرُ قصيدتَه بالترجي (لعلَّ)، وهو ترقُّب حصول شيء مع بذل الجهد في تحقيقه؛ واستهلال الشاعر برغبته في بذل الجهد يحيلنا إلى أولى بصمات المقاومة في النص الذي بين أيدينا؛ حيث يرجو الشاعر الأسير من الله أن تكون الأسيرات الفلسطينيات بخير، مؤكدا أن الأسرى والأسيرات سواء في المعاناة والتضحيات: (يا أختَ روحي). كما وصَفَ هؤلاء الأسيرات بحبهنَّ للحياة والعيش بحرية، ولم يتباكَ على حالهنَّ المؤسف في سجون الاحتلال: (لعل جميعَ اللواتي عشقنَ الحياةَ بخير، لعلَّ الجميعَ بخير)، وهاته إشارة مقاومة أخرى.

يُتابعُ الشاعرُ رسالتَه/ قصيدته بالأمل والتفاؤل؛ فهو يكتبُ بالعطر والشذى من قلبه الذي شبّهه بحديقة نرجس تضوع حبًّا وأملا: (أكتبُ من نرجس القلب). ثم يتساءل قلِقًا عن حال الأسيرات مشبّها الأسيرة بالمهرة، في إشارة إلى عنفوانها وشبابها ووفائها وأصالتها: (وأسألُ عن مُهرةٍ قيّدوها)؛ فهوَ يصرُّ على أن تمتلئ سطور رسالته/ قصيدته بنفحات المقاومة على الرغم مما يعتري قلبه من شجون وأسى على حال الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال.

يُظهِرُ الشاعرُ بعضَ ملامح الألم والمعاناة التي يجابهها الأسرى والأسيرات، مُشبّها عيني الأسيرة بالغيوم التي تهطل بالدموع الغزيرة في المساء، فتحجب عنها رؤية الحرية كما تحجب الغيوم رؤية الشمس: (وعن غيم عينيك أسأل، عن دمعة في المساء)؛ ولأن الشاعر يكتب بمداد الأمل والصمود، فهو يرسم صورة تلك الأسيرة المكلومة وهي تمسحُ حزنها ودمعوعها، وتغني للفجر والفرج على الرغم من جراحات الأسر ولهيب القيد وعصافير الحزن: (وأسأل كيف السجين يغنّي؟).

يعبِّر الشاعرُ عن الإرادة القوية التي يتمتع بها الأسرى في سجونهم، ويجسّد كيفية مواجهتهم لظلم الاحتلال وقهره دون أن تنحني جباههم أمام غطرسته وعنجهيته؛ فهم يتصدون لممارسات الاحتلال القمعية بالأغاني والألحان والأناشيد والرقصات الشعبية الفلسطينية، وهاته إشارة سيميائية يؤكد الشاعر من خلالها على تمسك الفلسطيني بتراثه الذي يحاول الاحتلال طمسه عبر التاريخ؛ ذلك الاحتلال الذي يشبهه الشاعر بوحش الصحراء الذي يكتم على أنفاس أصحاب الأرض ويغتصب حقوقهم بلا شفقة: (فنحن (نواجه رملَ المعسكرِ بالأوفِ، نكسرُ وحشَ الصحارى بُعرس انتفاضتنا، لا نكفّ عن الدَبكاتِ، ونغمرُ هذا المدى بالغناءْ).

تستمر معاني التحدي التي يعبر الشاعر من خلالها عن إباء الشعب الفلسطيني، ويرسم بها لوحته النابضة بالأمل والمقاومة والثبات؛ فعلى الرغم من الأساليب القمعية جميعها التي يبتدعها الاحتلال في تعذيب الأسرى، فإن الشاعر يرى في المرأة الفلسطينية الأسيرة ابتسامة جميلة تورق عشبا أخضر وعطاء وماءً: (أحبُّ أراك ابتسامًا، ليورق "أنصارُ" عُشباً وماءْ). وهذا يشير إلى استمرار الحياة والفرح، وعدم استسلام الأسرى الفلسطينيين لغياهب القيد والسجن والعذاب.

يعود المتوكل طه مجدَّدا إلى إبراز شدة الألم الذي يكابده الأسرى في السجون، لكنه لا يكشف عن جراح الأسر إلا ليؤكد صمود الفلسطينيين وصبرهم في وجه الاحتلال الغاصب، ويظهَرُ ذلك من خلال صور فنية ذات أبعاد رمزية يعرضُ فيها الشاعر جانبَ الألم والقهر من جهة، وتعامل الفلسطيني مع ذاك الحزن من جهة أخرى، لتبرز صورة الأسير/ة الصامد/ة الصابر/ة المتحدي/ة.

فعلى سبيل الألم، يكشف الشاعرُ الستارَ عن وجه السجن البشع، ويبوح بما يعانيه الأسرى والأسيرات من تجويع وترهيب وتعذيب يندى له جبين الإنسانية؛ حيث تحوّلت السجون إلى ساحات للقمع والاعتداءات والقتل البطيء، ومجمّعات للإهانة والإذلال والتعذيب الممنهج وزرع الأمراض: (يا أختَ روحي، أأسأل جوعَكِ كيف يُشقِقُ فيك الجبال، وكيف البلابلُ في شفتيكِ تنادي البحار، وكيف الزنازينُ تصحو على الصرخات، ونحن سواء؟). وفي صورة أخرى، يشبه الشاعرُ السجنَ بغاز يتسلل إلى قلبه فيكاد يفجّره: (أأسأل، والسجنُ غازٌ يفجّر قلبَ الهواء؟)، ثم يصف قساوة القيود التي تمتد من سجن النقب الصحراوي حتى تصل لأكف الأسيرات في سجونهن المظلمة، وهنا يسلط الشاعر الضوء على الانتهاكات الإنسانية بحق الأسرى والأسيرات الفلسطينيين، والمعاملة البشعة التي يتعرضون لها في السجون، إلا أن ذلك القيد يشكّل حلقة وصل بينهم لا تنفصل أبدا، تزيدهم جَلَدًا وعزيمة وقوة: (أأسأل، والقيدُ يبدأ من رسغِ كفيَّ، في "كتسيعوت"، ويمتدّ حتى يعانقَ كفيكِ في عتمات سجونِ النساءْ؟).

وعلى سبيل الأمل، يُجسّدُ الشاعرُ اختلاف السجن في نظر الفلسطيني المقاوِم عن غيره من الأسرى في بقاع العالم المختلفة؛ فهو يستقبل الموت بعزة وشرف، ويقف على بساط الإعدام ومقصلة الظلم بشموخ وأنفة، ولا يخشى الموت فداء الحق والوطن والكرامة، بل إنه يتلقى مصيرَه بزغاريد الانتماء الوطني: (ونحن بدون العوالم، ندفنُ مَنْ مات منّا، نشيّع مَنْ راح للسجنِ، أو للوقوف شموخا على النطعِ، أو مَنْ تدلى بأنشوطة الرعبِ بزغرودة الانتماءْ).

وفي صورة أخرى، يفصح الشاعر عن كون السجن قبرا في العصور كلها، بينما هو روضة في أعين الفلسطينيين؛ وفي هذا إشارة سيميائية تدل على صبر الفلسطيني على الصعاب والمظالم، وعدم استسلامه للذل والهوان، ولا انصياعه لقوى البطش والعدوان: (والسجنُ قبرٌ بكلِ العصورِ، وفي عصرنا روضةٌ للصغار الذين أتوا في زوايا الإناء).

وفي صورة ثالثة، يؤكد الشاعر على تفرّد الشعب الفلسطيني وتميزه عن غيره؛ فهو شعب لا يغلبه الموت، ولا تهلكه الصراعات والحروب، شعب لا يعرف الاستسلام أو الخنوع، يطلق أطفالَه لنداء الأرض متحديا غطرسة السجّان وجبروته، وكأنما يقول للمحتل إنا ها هنا مرابطون صامدون لا نخشى الموت أو التعرض للأسر أو الإصابة في ساحات النضال والمقاومة، فموتُنا شهادة وأسْرنا انتصارٌ وجراحُنا ثمنٌ بخسٌ أمام وطننا الذي لا غنى عنه أو بديل: (فنحن -دون السماوات والأرض- نكبر بالموت، نولد في كل حربٍ وسجنٍ، ونُطلق أطفالنا في براري النداء).

ويؤكد الشاعر أنّ التعرض للأسر في سبيل الحق ليس انتقاصا ولا إساءة، ويستحضرُ في ذلك النبيَّ يوسف عليه السلام الذي سُجن ظلما وبهتانا وزورا، في سبيل دفاعه عن مبادئه وأخلاقه بعدم انصياعه لإغراء زليخة ومراودتها له، وكان السجن أحبُّ إليه من الوقوع في الخطيئة؛ وبهذا الاستحضار يفصح الشاعر عن رضا الأسيرات في (نفي ترتسيا) بقضاء أسرهِنَّ دفاعًا عن وطنهِنَّ فلسطين، وتضحيةً لأجل تحريرها من قبضة الاحتلال الصهيوني وممارساته البشعة؛ فالشاعر يرى في أمرِ السجن نجاة من الرضوخ للذل، وسبيلا لإعلاء كلمة الحق ومحاولة لإزهاق الباطل: (والسجنُ...، حتى النبيّ الذي راودتهُ زليخةُ، حتى "نفي ترتسيا" أوجدوه، لحرق البساتين في الصدرِ، أو لاحتواء العواصف والأنبياءْ). ويتأكد المعنى في قول الشاعر: (لا بأس! فالسجنُ... يكتبنا سورةً للإباء)؛ أي على الرغم من كل ما في السجن من مكابدَة وضيق ومعاناة، فالأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوني متمسكون بمواقفهم ومبادئهم التي أُسروا من أجلها، تملأهم العزة والأنفة والكبرياء.

وختاما، يظهر لنا كيف اعتصم الشاعر بحبل الأمل والصمود على الرغم من المعاناة والضنك المفروض على الأسرى في سجون الاحتلال، كما تعكس لنا القصيدة كيف يتساوى الأسرى والأسيرات في تقديم الغالي والنفيس فداء الأرض والكرامة؛ فالفلسطينيون رجالا ونساء مصممون على تحقيق حلم الحرية، ويملكون العزيمة ذاتها في الصبر على انتهاكات الاحتلال، تلك الوحدة بين الأسرى والأسيرات حوّلت السجون إلى قلاع تنتشر في فضائها شمس الحرية، لتملأ السجن أملا يجعل من صحراء السجن أرضا خضراء تكسوها الحرية وتضج بالنور والمجد والعزة والإباء: (ولكننا قد جعلنا السجونَ قلاعا تضّجُّ شموسا). هذا كله ليقول الشاعر إنه ما زال حيا، وكله شوق وحنين لكي ينال حريته وينعم بسماع صوت طائر الهزار الجميل، وإنه سيظل وفيا لبلاده وأرضه قابضا على العهد ما دام على قيد الحياة: (وكلي شوقٌ لعيني هَزار، وكلي وفاءْ).


شرح قصيدة (ونحن سواء) وتحليلها للصف السابع

المقطع الأول:

يخاطب الشاعر المرأة الفلسطينية الأسيرة، فهي له كالأخت تعيش في روحه، ويتمنى لها ولكل الأسيرات الفلسطينيات أن يكنّ بخير وأمان، ويعبّر أيضاً عن حبه الكبير وتقديره العظيم لدور المرأة الفلسطينية؛ لذا فهو يكتب عن حبه لها على نرجس قلبه؛ ليبقى شذاها يفوح في أعماقه، كما ويهدي إليها السلام والتحية العارمة ؛ لما تتحمله من أذى المحتل وممارساته البشعة، فهو يسأل عن قيّدها بالأغلال، ويسأل عن حزنها العميق الذي يعتصر قلبها، والذي يراه في عينيها اللامعتين، اللتين هما أشبه بسماء ملبّدة بالغيوم(الدموع) ولا سيما في وقت المساء الذي تتراكم فيه الأحزان والمآسي، ويرى أن قلبه أحق بهذا السؤال.

المقطع الثاني:

يعبّر أيضاً عن كيفية مواجهة الأسرى لظلم الاحتلال وقهره، حيث يواجهون رمال المعسكر بالأغاني والألحان والدبكات الشعبية الفلسطينية؛ تأكيداً على تراثنا الفلسطيني الذي يحاولون طمسه في التاريخ، كما ويرمز الشاعر إلى الاحتلال بوحش الصحراء الذي يواجهونه بانتفاضتهم وثورتهم العارمة، ومع كل هذه الأساليب القمعية من قبل الاحتلال إلا أن الشاعر يرى في المرأة الفلسطينية الأسيرة ابتسامة جميلة في سجن الأنصار والتي تورق عشباً أخضر وعطاء وماءً، ويصور الشاعر معاناتها في السجن وبشاعة السجن بالغاز الذي يفجّر قلب الهواء، وهو وهي سواء في المعاناة التي يواجهونها في سجون الاحتلال.

المقطع الثالث:

ويرى الشاعر أن هناك توافقاً بين سجون النساء الأسيرات وسجون الأسرى والمعاناة مشتركة في سجون الاحتلال الصهيوني بدءاً من رسغ كفها في كتسيعوت وامتداداً ليعانق كفيها، ومن هنا فقد جعل الأسرى السجون قلاعاً شامخة تمتلئ بالشموس وهم الأسرى الذين ينيرون لنا دروبنا، والسجن سرج يطرز للعراء، ويظهر الشاعر حبه للمرأة فيجعلها كشقيقة روحه، فيقول: إن سألتِ عني فأنا ما زلت حياً معك بروحك وثورتك، وأنا مشتاق للحرية كحرية الطائر المقيد هزار، وأنا أشدّ وفاءً لكِ.

الأساليب اللغوية:

  • التوكيد: قد جعلنا السجون قلاعاً.
  • الترجي: لعلك يا أخت روحي+ لعل الجميع بخير.
  • النفي: لا نكفّ عن الدبكات+ ما زلت حياً.
  • الاستدراك: ولكننا قد جعلنا السجون قلاعاً.
  • الاستفهام: أأسأل والسجن غاز يفجر قلب الهواء؟ غرضه: النفي والاستنكار+ أأسأل ولاقيد يبدأ من رسغ كفي؟: غرضه: النفي والاستنكار.
  • النداء: يا أخت روحي: وغرضه التقرب والتحبب.
  • الشرط: إذا ما سألت فإني ما زلت حياً، والفاء واقعة في جواب الشرط.

الصور الجمالية ودلالات الألفاظ:

  1. -عشقن الحياة: شبه الحياة بمحبوب يُعشق.
  2. -أكتب من نرجس القلب: شبه النرجس بقلم يُكتب به، وشبه القلب بالنرجس، وتوحي بعكر المرأة الفلسطينية الأسيرة الذي يسري في روحه.
  3. -أهدي إليك السلام: شبه السلام بشيء مادي يُهدّى.
  4. -غيم عينيك: شبه عيني الأسيرة الفلسطينية بالسماء الملبدة بالغيوم.
  5. -أسأل عن دمعة في المساء: شبه الدمعة بإنسان يسأل عنه، وشبه دموعها بالنجوم في المساء، وتوحي بعظم المعاناة التي تعيشها المرأة الأسيرة في سجون الاحتلال.
  6. -نواجه رمل المعسكر: شبه الرمل بجيش يواجه.
  7. -نكسر وحش الصحاري: شبه الوحش بزجاج يكسر، وشبه الاحتلال بالوحش.
  8. -بعرس انتفاضتنا: شبه الانتفاضة بالعرس.
محتويات المقال