القائمة الرئيسية

الصفحات

محمود درويش - سيرة حياته الذاتية وشعره وأقواله

 محمود درويش - السيرة الذاتية وشعره

من أبرز الشعراء الفلسطينيين والعرب، عرف كأحد أدباء المقاومة والتحمت قصائده بالقضية الفلسطينية حتى سماه البعض بشاعر الجرح الفلسطيني, له ما يزيد على 30 ديوانا من الشعر والنثر بالإضافة إلى ثمانية كتب، ترجم شعره إلى عدة لغات. توفي بالولايات المتحدة إثر خضوعه لعملية القلب المفتوح ودفن بمدينة رام الله في الضفة الغربية.

من هو محمود درويش

محمود درويش هو شاعر فلسطيني بارز ولد عام 1941 في قرية “البروة” وهي قرية فلسطينية تقع في الخليل، قرب عكا، هاجرت أسرته في عام 1948 إلى لبنان، ثم عاد إلى قريته في عام 1949 بعد اتفاقيات الهدنة ليجدها متهدمة، وأقيم فوقها قرية زراعية إسرائيلية تدعى “أحيهود”، فعاش مع أسرته في القرية الجديدة، أكمل تعليمه الابتدائي بعد عودته من لبنان في مدرسة “دير الاسد”، وبعد إنهائه تعليمه الثانوي في “كفرياسيف” انتسب إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وعمل في صحافة الحزب، وبعد تخرّجه اشترك في تحرير جريدة الفجر التي كان يصدرها “مبام”.

وفي عام 1973 عمل في بيروت رئيساً لتحرير مجلة “شؤون فلسطينية”، ثم أسس مجلة “الكرمل” عام 1981، وبيع من دواوينه العربية أكثر من مليون نسخة، حيث ارتبط اسمه بشعر الثورة والوطن، وتوفي الشاعر عام 2008 في الولايات المتحدة الأمريكية

 

محمود درويش - السيرة الذاتية وشعره

 

 المولد والنشأة

ولد محمود درويش في 13/3/1941 في قرية البروة الفلسطينية التي تقع في الجليل شرق ساحل عكا، طرد من البروة مع أسرته في السادسة من عمره تحت دوي القنابل عام 1947، ووجد نفسه أخيراً مع عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، بعد أن تعرض الشعب الفلسطيني للاقتلاع وتدمير مدنه وقراه.
 

"أول قرية لبنانية أتذكرها حينذاك هي رميش. ثم سكنا في "جزين" إلى أن هبط الثلج في الشتاء. وفي جزين شاهدت للمرة الأولى في حياتي شلالاً عظيماً.. ثم انتقلنا إلى الناعمة قرب الدامور. وأتذكر الدامور في تلك الفترة جيداً: البحر وحقول الموز.. كنت في السادسة من عمري، لكن ذاكرتي قوية، وعيناي ما زالتا تسترجعان تلك المشاهد.. كنا ننتظر انتهاء الحرب لنعود إلى قرانا. لكن جدي وأبي عرفا أن المسألة انتهت، فعدنا متسللين مع دليل فلسطيني يعرف الطرق السرية إلى شمال الجليل. وقد بقينا لدى أصدقاء إلى أن اكتشفنا أن قريتنا البروة لم تعد موجودة. -وجدت عائلة درويش قريتها مهدومة وقد أقيمت على أراضيها موشاف (قرية زراعية إسرائيلية) "أحيهود"، وكيبوتس يسعور-. فالعودة إلى مكان الولادة لم تتحقق. عشنا لاجئين في قرية أخرى اسمها دير الأسد في الشمال. كنا نسمى لاجئين ووجدنا صعوبة بالغة في الحصول على بطاقات إقامة، لأننا دخلنا بطريقة "غير شرعية"، فعندما أجري تسجيل السكان كنا غائبين. وكانت صفتنا في القانون الإسرائيلي: "الحاضرون- الغائبون"، أي أننا حاضرون جسدياً ولكن بلا أوراق. صودرت أراضينا وعشنا لاجئين".


عاش محمود في حيفا بعدما انتقلت العائلة إلى قرية أخرى اسمها الجديدة وامتلكت فيها بيتاً. "وفي حيفا عشت عشر سنين وأنهيت فيها دراستي الثانوية، ثم عملت محرراً في جريدة "الاتحاد" وكنت ممنوعاً من مغادرة حيفا مدة عشر سنوات. كانت إقامتي في حيفا إقامة جبرية. ثم استرجعنا هويتنا، هوية حمراء في البداية ثم زرقاء لاحقاً وكانت أشبه ببطاقة إقامة. كان ممنوعاً عليّ طوال السنوات العشر أن أغادر مدينة حيفا. ومن العام 1967 لغاية العام 1970 كنت ممنوعاً من مغادرة منزلي، وكان من حق الشرطة أن تأتي ليلاً لتتحقق من وجودي. وكنت أعتقل في كل سنة وأدخل السجن من دون محاكمة. ثم اضطررت إلى الخروج.
انتسب إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي وعمل في صحافة الحزب مثل الاتحاد، والجديد التي أصبح فيما بعد رئيس تحريرها. اتهم بالقيام بنشاط معاد لدولة إسرائيل؛ فطورد واعتقل خمس مرات 1961م، و1965، و1966، و1967، و1969، وفرضت عليه الإقامات الجبرية حتى العام 1970.
 

لمحمود درويش رأي غير تقليدي في سيرته الذاتية حين قال: أولاً ما يعني القارئ في سيرتي مكتوب في القصائد. وهناك قول مفاده أن كل قصيدة غنائية هي قصيدة أوتو- بيوغرافية أو سير- ذاتية، علماً بأن هناك نظرية تقول إن القارئ لا يحتاج إلى معرفة سيرة الشاعر كي يفهم شعره ويتواصل معه. ثانياً يجب أن أشعر بأن في سيرتي الذاتية ما يفيد، أو ما يقدم فائدة. ولا أخفيك أن سيرتي الذاتية عادية جداً. ولم أفكر حتى الآن في كتابة سيرتي. ولا أحب الإفراط في الشكوى من الحياة الشخصية ومشكلاتها. ولا أريد بالتالي أن أتبجّح بنفسي، فالسيرة الذاتية تدفع أحياناً إلى التبجح بالنفس، فيصوّر الكاتب نفسه وكأنه شخص مختلف. وقد كتبت ملامح من سيرتي في كتب نثرية مثل "يوميات الحزن العادي" أو "ذاكرة للنسيان" ولا سيما الطفولة والنكبة. 

محمود درويش وريتا

 

محمود درويش وريتا

كثيرا ما كان الحب مصدر إلهام ليس للشعراء فحسب، بل للعديد من الناس، واليوم نتحدث عن قصة حب غريبة بعض الشيء أثرت بشكل كبير للغاية في حياة الشاعر العربي الفلسطيني محمود درويش.
ألف محمود قصائد شعرية عن ريتا وظل هذا الأمر غامض لسنوات طويلة حيث لم يكن يعلم أي أحد بشأن هذه الفتاة اليهودية التي عشقها من قلبه، ثم كشف عن هذا السر بعد ذلك من خلال حوار صحفي مع مذيعة فرنسية ألحت كثيرا عليه لكي تعلم حقيقة ريتا.

كان هناك قصة حب عميقة للغاية ما بين الشاعر محمود درويش وفتاة يهودية تدعى ريتا، وقد كلفته هذه القصة ألم كبير ومعاناة ليست بسيطة وذلك بسبب الفرقة بينهما من خلال قرار جاء من ريتا بالتحاقها بالجيش الإسرائيلي في سلاح الطيران.

جاء هذا القرار صعبا بشكل كبير على محمود درويش الذي عاني لسنوات طويلة من طيف هذه الفتاة وذكرها في العديد من الأبيات الشعرية فقد كتب قصيدة ريتا والبندقية وكذلك قصيدة شتاء ريتا الطويل وقد كانت هذه القصائد مؤثرة بشكل كبير وتنم عن ألم بالغ قد شعر به درويش بعد اختيارها لسلاح الطيران والتجنيد في الجيش الإسرائيلي.
ظلت الصحافة لسنوات طويلة تبحث عن الهوية الحقيقية لاسم ريتا الذي كان يردده كثيرا في قصائده، ولم يستطيعوا التعرف على هذا السر إلا بعد سنوات طويلة ومن خلال إفصاح الشاعر نفسه مع المذيعة الفرنسية التي أصرت وألحت عليه لكي تعرف الهوية الحقيقية لشخصية ريتا.
تم كشف هوية ريتا بفيلم وثائقي للمخرجة ابتسام فراعنة التي عرضت فيلم مميز جدا يحمل اسم سجل أنا عربي، وقد تم عرض هذا الفيلم في مهرجان تل أبيب.
المخرجة ابتسام فراعنة قد التقت بريتا في مدينة برلين في ألمانيا وقد كشفت عن اسمها الحقيقي وهو تامار، وقد كانت هذه الفتاة تعمل راقصة وأدت رقص في الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي كان محمود درويش عضوا فيه.
أثرت هذه التجربة بشكل كبير في الشاعر محمود درويش، والذي دخل في علاقات نسائية بعد ذلك وتزوج مرتين، ولكن للأسف كانت كل هذه المحاولات فاشلة بسبب تأثره بحبه الأول الذي لم يستطع نسيانه بمرور الأيام والسنوات.

محمود درويش - محطة موسكو

توجه إلى الاتحاد السوفييتي للدراسة عام 1970. يقول محمود:
"أول رحلة لي خارج فلسطين كانت إلى موسكو. وكنت طالباً في معهد العلوم الاجتماعية، ولكن لم يكن لي هناك بيت بالمعنى الحقيقي. كان غرفة في مبنى جامعي.
أقمت في موسكو سنة. وكانت موسكو أول لقاء لي بالعالم الخارجي. حاولت السفر قبلاً إلى باريس لكن السلطات الفرنسية رفضت دخولي إلى أرضها في العام 1968. كانت لدي وثيقة إسرائيلية لكنّ الجنسية غير محددة فيها. الأمن الفرنسي لم يكن مطلوباً منه أن يفهم تعقيدات القضية الفلسطينية. كيف أحمل وثيقة إسرائيلية وجنسيتي غير محددة فيها وأقول له بإصرار إنني فلسطيني. أبقوني ساعات في المطار ثم سفّروني إلى الوطن المحتل.
كانت موسكو أول مدينة أوروبية وأول مدينة كبيرة أعيش فيها. طبعاً اكتشفت معالمها الضخمة ونهرها ومتاحفها ومسارحها.. تصور ما يكون رد فعل طالب فتيّ ينتقل من إقامة محاصرة إلى عاصمة ضخمة! تعلمت الروسية قليلاً لأتدبر أموري الشخصية. لكن اصطدامي بمشكلات الروس يومياً جعل فكرة "فردوس" الفقراء التي هي موسكو، تتبخر من ذهني وتتضاءل. لم أجدها أبداً جنة الفقراء، كما كانوا يعلّموننا.
فقدت الفكرة المثالية عن الشيوعية لكنني لم أفقد ثقتي بالماركسية. كان هناك تناقض كبير بين تصوّرنا أو ما يقوله الإعلام السوفييتي عن موسكو والواقع الذي يعيشه الناس، وهو مملوء بالحرمان والفقر والخوف. وأكثر ما هزّني لدى الناس هو الخوف. عندما كنت أتكلم معهم أشعر أنهم يتكلمون بسرية تامة. وإضافة إلى هذا الخوف كنت أشعر أن الدولة موجودة في كل مكان بكثافة. وهذا ما حوّل مدينة موسكو من مثال إلى مدينة عادية.

محمود درويش - محطة القاهرة 1970 -1972

يتحدث درويش عن القاهرة، محطته الثانية بعد الخروج من الوطن فيقول:
"الدخول إلى القاهرة كان من أهم الأحداث في حياتي الشخصية. في القاهرة ترسخ قرار خروجي من فلسطين وعدم عودتي إليها. ولم يكن هذا القرار سهلاً. كنت أصحو من النوم وكأنني غير متأكد من مكان وجودي. أفتح الشباك وعندما أرى النيل أتأكد من أنني في القاهرة. خامرتني هواجس ووساوس كثيرة، لكنني فتنت بكوني في مدينة عربية، أسماء شوارعها عربية والناس فيها يتكلمون بالعربية. وأكثر من ذلك، وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرأها وأعجب بها. فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريباً والأدب المصري. التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدّهم من آبائي الروحيين.
التقيت محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وسواهما، والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم. ولم ألتق بأم كلثوم وطه حسين، وكنت أحب اللقاء بهما".


يضيف: "عيّنني محمد حسنين هيكل مشكوراً في نادي كتّاب "الأهرام"، وكان مكتبي في الطابق السادس، وهناك كان مكتب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وبنت الشاطئ. وكان توفيق الحكيم في مكتب فردي ونحن البقية في مكتب واحد. وعقدت صداقة عميقة مع محفوظ وإدريس، الشخصيتين المتناقضتين: محفوظ شخص دقيق في مواعيده، ومنضبط، يأتي في ساعة محددة ويذهب في ساعة محددة. وكنت عندما أسأله: هل تريد فنجان قهوة أستاذ نجيب؟ كان ينظر إلى ساعته قبل أن يجيب، ليعرف إن كان حان وقت القهوة أم لا. أما يوسف إدريس، فكان يعيش حياة فوضوية، وكان رجلاً مشرقاً. وفي القاهرة صادقت أيضاً الشعراء الذين كنت أحبهم: صلاح عبد الصبور وأحمد حجازي وأمل دنقل. كان هؤلاء من الأصدقاء القريبين جداً. وكذلك الأبنودي. كل الشعراء والكتاب الذين أحببتهم توطدت علاقتي بهم. والقاهرة كانت من أهم المحطات في حياتي.
في القاهرة تمّت ملامح تحوّل في تجربتي الشعرية وكأن منعطفاً جديداً يبدأ.
 

محمود درويش - محطة القاهرة 1970 -1972

كان يُنظر إليّ عندما كنت في الأرض المحتلة كوني شاعر المقاومة. وبعد هزيمة 1967 كان العالم العربي يصفق لكل الشعر أو الأدب الذي يخرج من فلسطين، سواء كان رديئاً أم جيداً. اكتشف العرب أنّ في فلسطين المحتلة عرباً صامدين ويدافعون عن حقهم وعن هويتهم. اكتسبت إذاً النظرة إلى هؤلاء طابع التقديس، وخلت من أي ذائقة أدبية عامة. هكذا أُسقطت المعايير الأدبية عن نظرة العرب إلى هذه الأصوات المقاومة بالشعر والأدب في الداخل. ومن القصائد المهمة التي كتبتها في القاهرة قصيدة "سرحان يشرب القهوة في الكفاتيريا" ونشرت في صحيفة "الأهرام" وصدرت في كتاب "أحبك أو لا أحبك".

محمود درويش - محطة بيروت

"بعد القاهرة انتقلت إلى بيروت مباشرة.. عشت فيها من العام 1973 إلى العام 1982. حنيني إلى بيروت ما زلت أحمله حتى الآن. وعندي مرض جميل اسمه الحنين الدائم إلى بيروت. ولا أعرف ما هي أسبابه. وأعرف أن اللبنانيين لا يحبون مديح مدينتهم في هذا الشكل. ولكن لبيروت في قلبي مكانة خاصة جداً. ولسوء حظي، أنني بعد سنوات قليلة من سكني في بيروت، وهي كانت ورشة أفكار ومختبراً لتيارات أدبية وفكرية وسياسية، متصارعة ومتعايشة في وقت واحد، لسوء حظي، أن الحرب اندلعت. وأعتقد أن عملي الشعري تعثر حينذاك.
أعتقد أن أجمل ما كتبت ديوان "تلك صورتها وهذا انتحار العاشق". ولكن بعد اندلاع الحرب صار الدم والقصف والموت والكراهية والقتل.. كل هذه صارت تهيمن على أفق بيروت وتعكره. وبعض أصدقائي هناك ماتوا وكان عليّ أن أرثيهم. وأول من فقدت هناك غسان كنفاني. وأعتقد أن الحرب الأهلية في لبنان عطلت الكثير من المشاريع الثقافية والفكرية التي كانت تجتاح بيروت. وانتقل الناس إلى جبهات مختلفة ومتناقضة ومتحاربة.
منذ بداية الحرب، كنت أعبّر لأصدقائي ومعارفي عن تشاؤمي من نتائج هذه الحرب. وكنت أطرح السؤال الآتي: هل كان في وسعنا ألا نُستدرج كفلسطينيين إلى هذه الحرب؟ كانت هناك أجوبة رسمية تقول إن دور الفلسطينيين في الحرب هو الدفاع عن النفس ومواجهة محاولة إقصائنا. ولكننا أخطأنا في بيروت عندما أنشأنا ما يشبه الدولة داخل الدولة.
كنت أخجل من اللبنانيين إزاء الحواجز التي كان يقيمها الفلسطينيون في الأرض اللبنانية ويسألون اللبناني عن هويته. طبعاً لكل هذه الأمور تفسيرات وتبريرات. ولكن كنت أشعر دوماً بالخجل. وكنت أطرح على نفسي أسئلة عدة حول هذه الأمور، حتى أمام أصدقائي المتحمسين للقضية الفلسطينية والحركة الوطنية. ومن هذه الأسئلة: ماذا يعني أن ننتصر في لبنان؟ هذا سؤال كان يلح عليّ دوماً. ولنفترض أننا أنهينا الحرب وانتصرنا، فماذا يعني الانتصار هنا؟ أن نحتل لبنان ونتسلّم الحكم في لبنان؟ كنت متشائماً جداً. ولم أكتب عن الحرب اللبنانية إلا كتابة شبه نقدية.


بعد أن وضعت الحروب أوزارها، الحروب الفلسطينية- اللبنانية أو الحروب الأهلية... تستطيع من خلال رؤية محايدة أن تنظر إلى الآثار الايجابية للتفاعل الفلسطيني مع الحياة الثقافية اللبنانية أو التفاعل اللبناني مع القضية الفلسطينية. هناك جوانب إيجابية فعلاً. هناك مركز الأبحاث الفلسطينية، مجلة "شؤون فلسطينية" ومجلة "الكرمل"، وسواها.. كنت أشعر أن وجودي في بيروت سيطول، ولم أكن أشعر بالحرج وكأنني مقيم في شكل شرعي. ولكن أن أكون مقيماً في شكل إجباري ومضاد لرغبة اللبنانيين عبر تعايشهم القسري معنا، فهذا كان يزعجني. وعندما خرجت القيادة الفلسطينية والمقاتلون الفلسطينيون من بيروت لم أخرج. بقيت في بيروت أشهراً عدة. لم أتوقع أن الإسرائيليين سيحتلون بيروت. ولم أجد معنى لخروجي في السفن مع المقاتلين. ولكن في صباح ذات يوم وكنت أسكن في منطقة الحمراء، خرجت لأشتري خبزاً وإذا بي أشاهد دبابة إسرائيلية ضخمة. دخلت إسرائيل قبل الإعلان عن الدخول. حينذاك وجدت نفسي وحيداً أتجوّل في الشوارع ولا أرى سوى الدبابات والجنود الإسرائيليين ورجالاً ملثمين. قضيت فعلاً أياماً صعبة جداً، ولم أكن أعرف أين أنام.
 

كنت أنام خارج البيت في مطعم، وأتصل بجيراني لأسألهم إن كان الإسرائيليون سألوا عني. إذا قالوا: نعم جاؤوا، فكنت أدرك أنهم لن يأتوا مرة أخرى، فأذهب إلى بيتي، أتحمّم وأرتاح ثم أعود إلى المطعم. إلى أن حصلت الكارثة الكبرى وهي مجزرة صبرا وشاتيلا. عندذاك تيقنت أن بقائي هناك ضرب من العبث والطيش.
 

رتّبت الأمر مع السفير الليبي في بيروت حينذاك، فهو كان في مقدوره أن يأخذني من منطقة الأشرفية التي كانت "الكتائب" تسيطر عليها، إلى سورية. ولكن كان عليه أن يجد طريقاً ليأخذني من بيتي إلى مدخل الأشرفية. اتفقنا مع ضابط لبناني أوجد لنا شارعاً كان سيمر به الرئيس الراحل شفيق الوزان، وكان هناك اتفاق بين الإسرائيليين والحكومة على ألا يتعرضوا لهذا الشارع. وفعلاً سلكنا هذا الطريق وخرجنا من بيروت. وعندما وصلنا إلى طرابلس، ذهبنا إلى مطعم لنأكل السمك بعدما مللنا أكل المعلبات. وبعدما دخلت الحمام لأغسل يديّ، نظرت إلى المرآة فرأيت أنفاً عليه نظارتان. لم أعرف صاحب هذا الوجه لثوانٍ. كأنني كنت أنظر إلى وجه آخر. وعندما وصلت إلى دمشق أقمت هناك أسبوعاً. وكان حصل حادث طريف جداً على الحدود السورية- اللبنانية. فالضابط اللبناني على الحدود الذي طلب أوراقي، وكنت أحمل جواز سفر تونسياً دبلوماسياً، وجد أن إقامتي قد انتهت وهذه مخالفة قانونية. قلت له: صحيح، ولكن ألا تسمع الأخبار؟ ألا تعرف أنه ما من سفارات أو دوائر تعمل؟".
جاء إلى دمشق أواخر 1982 ليحيي أمسية كانت مقررة على مدرج جامعة دمشق التي لم يتسع مدرجها للجماهير، فاضطرت الجهة المنظمــة إلى نقل الحــضور إلى مـــدرج الأسد في باصات النقل العام والعسكري، فوجئ الشاعر بأن المدرج والملعــــب مليئان فقال أحد الشعراء "الجندي" عبـــارته التي بقي محمود يرددها "والله لو قتلناه ـ نحــن الشــعراء ـ وشرحنا أسبابنا للقاضي سنأخذ براءة!!".

 

محمود درويش - محطة تونس/ باريس

محمود درويش - محطة تونس/ باريس

 

"غادرت دمشق إلى تونس ورأيت خلالها الرئيس عرفات والاخوان في مشهد تراجيدي. رأيت الثورة الفلسطينية تقيم في فندق على شاطئ بحر. كان المشهد مؤلماً جداً ويستدعي كتابة رواية عن هذا المصير. لكن عرفات سرعان ما أعاد بناء مؤسسته. وقال لي: واصل إصدار "الكرمل". كان مهتماً حتى بالجانب الثقافي. فقلت له أين أصدرها؟ قال لي: حيث تشاء، في لندن، في باريس، في قبرص.. ذهبت من ثم إلى قبرص كي أرتب شؤون الرخصة. وصدرت "الكرمل" من قبرص فيما كنت أنا أحررها في باريس وأطبعها في نيقوسيا وكان معاوني الكبير هو الشاعر سليم بركات".
عاش في باريس نحو عشر سنوات ولكن في شكل متقطع، إذ كان يسافر باستمرار. وبقي قريباً من منظمة التحرير في تونس.
يصف درويش إقامته في باريس بالقول:
"كانت باريس عبارة عن محطة أكثر منها إقامة أو سكناً. لا أعرف. لكنني أعرف أنه في باريس تمت ولادتي الشعرية الحقيقية. وإذا أردت أن أميّز شعري، فأنا أتمسك كثيراً بشعري الذي كتبته في باريس في مرحلة الثمانينيات وما بعدها. هناك أتيحت لي فرصة التأمل والنظر إلى الوطن والعالم والأشياء من خلال مسافة، هي مسافة ضوء. فأنت عندما ترى من بُعد، ترى أفضل، وترى المشهد في شموليته. علاوة على أن باريس جمالياً تحرّضك على الشعر والإبداع. كل ما فيها جميل. حتى مناخها جميل. في باريس كتب في وصف يوم خريفي: "أفي مثل هذا اليوم يموت أحد؟". ومدينة باريس أيضاً هي مدينة الكتّاب المنفيين الآتين من كل أنحاء العالم. تجد العالم كله ملخصاً في هذه المدينة. وكانت لي صداقات مع كتّاب أجانب كثيرين. وأتاحت باريس لي فرصة التفرّغ أكثر للقراءة والكتابة. ولا أعرف فعلاً إن كانت باريس هي التي أصابتني أم أن مرحلة نضج ما تمت في باريس، أم أنه تطابق العنصرين بعضهما مع بعض؟ في باريس كتبت ديوان "ورد أقل" وديوان "هي أغنية" و"أحد عشر كوكباً" و"أرى ما أريد" وكذلك ديوان "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" ونصف قصائد "سرير الغريبة". وكتبت نصوص "ذاكرة للنسيان" وغاية هذا الكتاب النثري التحرر من أثر بيروت، وفيه وصفت يوماً من أيام الحصار. معظم أعمالي الجديدة كتبتها في باريس. كنت هناك متفرّغاً للكتابة على رغم انتخابي عضواً في اللجنة التنفيذية. وفي باريس كتبت نص إعلان الدولة الفلسطينية. مثلما كتبت نصوصاً كثيرة ومقالاً أسبوعيا في مجلة "اليوم السابع". كأنني أردت أن أعوّض عن الصخب الذي كان يلاحقني في مدن أخرى".

محمود درويش - عمان- رام الله

"بعدما أصبح في إمكاني أن أعود إلى "جزء" من فلسطين وليس إلى "جزء" شخصي بل إلى "جزء" من وطن عام، وقفت طويلاً أمام خيار العودة. وشعرت بأن من واجبي الوطني والأخلاقي ألا أبقى في المنفى. فأنا أولاً لن أكون مرتاحاً، ثم سأتعرض إلى سهام من التجريح لا نهاية لها، ثم سيقال إنني أفضل باريس على رام الله أو على غزة. وبالتالي اتخذت الخطوة الشجاعة الثانية بعد الخروج وهي خطوة العودة. وهاتان الخطوتان من أصعب الأمور التي واجهتها في حياتي: الخروج والعودة. اخترت عمان لأنها قريبة من فلسطين ثم لأنها مدينة هادئة وشعبها طيب. وفيها أستطيع أن أعيش حياتي. وعندما أريد أن أكتب أخرج من رام الله لأستفيد من عزلتي في عمان.

التوتر عالٍ جداً في رام الله. ومشاغل الحياة الوطنية واليومية تسرق وقت الكتابة. إنني أمضي نصف وقتي في رام الله والنصف الآخر في عمان وفي بعض الأسفار. في رام الله أشرف على إصدار مجلة "الكرمل".
ويكشف غانم زريقات صديق درويش عن بعض التفاصيل في حياته بالقول: "جاء محمود إلى عمان نهاية العام 1995، لأنها المدينة الأقرب إلى فلسطين أول الأمر، فعندما دخلت القيادة الفلسطينية إلى فلسطين بدأ محمود يفكر جديا في ترك باريس، وكان الخيار أمامه القاهرة أو عمان. بعض الأصدقاء، بينهم الدكتور خالد الكركي، الذي كان وزيرا للإعلام شجعوه ورحبوا به للإقامة في عمان، وقوبلت الفكرة بالترحاب الشديد وعلى أعلى المستويات في الدولة الأردنية، وعندما وصل محمود إلى عمان، بدأ يفكر في استئجار شقة متواضعة، كما كان الحال في تونس، الرجل الطيب المقاول الأردني مروان العبداللات رفض أن يؤجر محمود درويش، وحلف أيمانا كثيرة أن الشقة هدية ورفض أخذ ثمنها. ولكن محمود رفض بشكل قاطع هذا العرض، وأخيرا اشترى المنزل بسعر التكلفة. اختار عمان لأنها برأيه أفضل مدينة يمكن أن يختلي فيها بكل هدوء ويكتب، وهذه المدينة وفرت له حقا هذه الميزة، كما أن أصدقاءه قليلون جدا فيها. راق له هدوؤها وسهولة التنقل فيها، وارتبط بمجموعة علاقات منتقاة مع العديد من العمّانيين، الذين أحاطوه بكم هائل من الحب غير القاسي".
لم تختلف حياته في بيروت وباريس والقاهرة عن حياته في عمان وإن كان أبرز ما يميزها أن معظم وقت درويش في عمان كان للعمل الجاد، خير دليل على ذلك أعماله الشعرية جميعها التي صدرت عن دار رياض الريس في بيروت مثل: الجدارية 2000، حالة حصار 2002، لا تعتذر عما فعلت 2004، كزهر اللوز أو أبعد 2005، في حضرة الغياب 2006، أثر الفراشة 2008، معظم هذه الدواوين كتبت بين عمان ورام الله.

محمود درويش - البيت

البيت بالنسبة لمحمود درويش له فلسفة خاصة فكما يقول:
"البيت يعني لي الجلوس مع النفس ومع الكتب ومع الموسيقى ومع الورق الأبيض. البيت هو أشبه بغرفة إصغاء إلى الداخل ومحاولة لتوظيف الوقت في شكل أفضل. ففي الستين يشعر المرء بأنه لم يبق لديه وقت طويل. وشخصياً أعترف بأنني أهدرت وقتاً طويلاً فيما لا يجدي، في السفر، في العلاقات وغير ذلك. إنني حريص الآن على أن أوظف وقتي لمصلحة ما أعتقد أنه أفضل وهو الكتابة والقراءة. يشكو كثير من الناس من العزلة، أما أنا، فإنني أدمنت العزلة، ربيتها وعقدت صداقة حميمة معها. العزلة هي أحد الاختبارات الكبرى لقدرة المرء على التماسك. وطرد الضجر هو أيضاً قوة روحية عالية جداً. وأشعر أنني إذا فقدت العزلة فقدت نفسي. أنا حريص على البقاء في هذه العزلة، وهذا لا يعني أنه انقطاع عن الحياة والواقع والناس.. إنني أنظم وقتي في شكل لا يسمح لي بأن أنغمر في علاقات اجتماعية قد لا تكون كلها مفيدة.
عندما كنت خارج الوطن، كنت أعتقد أن الطريق سيؤدي إلى البيت، وأن البيت أجمل من الطريق إلى البيت. ولكن عندما عدت إلى ما يُسمى البيت، وهو ليس بيتاً حقيقياً، غيّرت هذا القول وقلت: ما زال الطريق إلى البيت أجمل من البيت لأن الحلم ما زال أكثر جمالاً وصفاء من الواقع الذي أسفر عنه هذا الحلم. الحلم يتيم الآن. لقد عدت إلى القول بأولية الطريق على البيت.
علاقتي القوية بالبيت نمت في المنفى أو في الشتات. عندما تكون في بيتك لا تمجد البيت ولا تشعر بأهميته وحميميته، ولكن عندما تحرم من البيت يتحوّل إلى صبابة وإلى مشتهى، وكأنه هو الغاية القصوى من الرحلة كلها. المنفى هو الذي عمّق مفهوم البيت والوطن، كون المنفى نقيضاً لهما. أما الآن فلا أستطيع أن أعرّف المنفى بنقيضه ولا الوطن بنقيضه، الآن اختلف الأمر وأصبح الوطن والمنفى أمرين ملتبسين".

محمود درويش - طقوسه اليومية في الكتابة

كانت لدرويش طقوس وعادات يومية لا يرغب في أن يخترقها أحد، ولا سيما ساعات قراءته وكتابته. وكان يعيش وحيدا في شقته إذ سبق أن تزوج مرتين وانفصل بالتراضي. لم يكن ينام عند أحد، ولا يرغب في أن ينام عنده أحد غالبا إلا بعض الأصدقاء الذين يأتون إليه أحيانا من فلسطين وبشكل استثنائي. وكان ينام عادة مبكرا ولا يتجاوز الثانية عشرة ليلا ويستيقظ حوالي الثامنة، ويبدأ بحلاقة ذقنه والحمام وتناول القهوة، ثم يلبس أجمل ثيابه وحذاءه، كما لو أنه سيذهب إلى موعد رسمي، ويجلس خلف الطاولة ينتظر الإلهام بالكتابة، أو ليقتنص الوحي كما كان يعبر عن ذلك. وأحيانا يكتب صفحة أو صفحات وأحيانا لا يكتب شيئا، المهم أن هذا الطقس كان مقدسا. كانت لشقة محمود ثلاثة مفاتيح، فقد كان خائفا من الموت وحيدا دون أن يشعر به أحد قال "الستون رقم مرعب جدا، ترى ماذا سيحدث بعد ذلك؟".. قال درويش! وكان يخاف من الموت وحيدا كما حدث للشاعر معين بسيسو.

 

 محمود درويش - لاعب النرد وهواياته

محمود درويش - لاعب النرد وهواياته


كان درويش منشغلا بالقراءة والكتابة جلّ وقته. يتحدث العبرية والإنجليزية والفرنسية. يحب سماع الموسيقى الكلاسيكية لكبار الموسيقيين مثل بيتهوفن وتشايكوفسكي، وغالبا ما يسمع الموسيقى أثناء الكتابة، ولديه مجموعة كبيرة من الأشرطة والأقراص الموسيقية. كان يحب سماع عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ويتابع المسلسلات التاريخية. أما تسليته فكانت في لعب النرد "طاولة الزهر" التي ينهمك في أجوائها، يصرخ أحيانا، ويغتاظ أحيانا أخرى مثل أي طفل، أما مشاهدته للتلفزيون، فقد كان مغرما بالدراما، وخاصة في رمضان.

 

محمود درويش - عالم القهوة

محمود درويش - عالم القهوة

 

يعترف أصدقاء درويش المقربون بأنه كان يصنع لهم القهوة بنفسه، ويتفنن في ذلك، ولا يحب أن يصنعها أو يقدمها لهم أحد غيره. كان يصر على أن يصنع القهوة بيديه، ويخدم زواره. أثناء الحرب في بيروت عاش في شقة تفصل واجهة زجاجية فيها بين غرفة النوم والمطبخ وهي معرضة للقناصة، وعندما يريد أن يذهب ليصنع فنجان قهوة كان يتردد في المغامرة بروحه من أجل المرور إلى المطبخ وصنعها، يقول كل ذلك في كتابه (ذاكرة للنسيان):
"أريد رائحة القهوة. لأتماسك، لأقف على قدميّ. كيف أذيع رائحة القهوة في خلاياي، وقذائف البحر تنقض على واجهة المطبخ المطل على البحر لنشر رائحة البارود ومذاق العدم! صرت أقيس المسافة الزمنية بين قذيفتين. ثانية واحدة.. ثانية واحدة لا تكفي لأن أقف أمام البوتاغاز الملاصق لواجهة الزجاج المطلة على البحر.
أريد رائحة القهوة. أريد خمس دقائق.. أريد هدنة لمدة خمس دقائق من أجل القهوة. لم يعد لي من مطلب شخصي غير إعداد فنجان القهوة، فالقهوة لمن أدمنها مثلي، هي مفتاح النهار، والقهوة، لمن يعرفها مثلي، هي أن تصنعها بيديك، لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل الطبق هو حامل الكلام، والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت.
في وسع الغزاة أن يسلطوا البحر والجو والبر عليّ، ولكنهم لا يستطيعون أن يقتلعوا مني رائحة القهوة. سأصنع قهوتي الآن. سأشرب القهوة الآن. سأمتلئ برائحة القهوة الآن، لأعيش يوما آخر، أو أموت محاطا برائحة القهوة.
ملعقة واحدة من البن المكهرب بالهال تُرسى، ببطء، على تجاعيد الماء الساخن، تحركها تحريكا بطيئا بالملعقة، بشكل دائري في البداية، ثم من فوق إلى تحت. تضيف إليها الملعقة الثانية، تحركها من فوق إلى تحت، ثم تحركها تحريكا دائريا من الشمال إلى اليمين، ثم تسكب عليها الملعقة الثالثة. بين الملعقة والأخرى أبعد الإناء عن النار ثم أعده إلى النار. بعد ذلك "لَقِّم" القهوة، أي املأ الملعقة بالبن الذائب وارفعها إلى أعلى، ثم أعدها عدة مرات إلى أسفل، إلى أن يعيد الماء غليانه وتبقى كتلة من البن ذي اللون الأشقر على سطح الماء، تتموج وتتأهب للغرق. لا تدعها تغرق. أطفئ النار ولا تكترث بالصواريخ. خذ القهوة إلى الممر الضيق. صبها بحنان وافتنان في فنجان أبيض، فالفناجين داكنة اللون تفسد حرية القهوة. راقب خطوط البخار وخيمة الرائحة المتصاعدة. أشعل سيجارتك الآن، السيجارة الأولى المصنوعة من أجل هذا الفنجان.
ها أنذا أولد. امتلأت عروقي بمخدرها المنبه. أتساءل: كيف تكتب يدٌ لا تبدع القهوة؟ كم قال لي أطباء القلب وهم يدخنون: لا تدخن ولا تشرب القهوة. وكم مازحتهم: الحمار لا يدخن ولا يشرب القهوة ولا يكتب.
أعرف قهوتي، وقهوة أمي، وقهوة أصدقائي. أعرفها من بعيد وأعرف الفوارق بينها. لا قهوة تشبه قهوة أخرى. ودفاعي عن القهوة هو دفاع عن خصوصية الفارق. ليس هنالك مذاق اسمه مذاق القهوة. لكل شخص قهوته الخاصة، الخاصة إلى حد أقيس معه درجة ذوق الشخص وأناقته النفسية بمذاق قهوته. ثمة قهوة لها مذاق الكزبرة. ذلك يعني أن مطبخ السيدة ليس مرتبا. وثمة قهوة لها مذاق عصير الخروب. ذلك يعني أن صاحب البيت بخيل. وثمة قهوة لها رائحة العطر. ذلك يعني أن السيدة شديدة الاهتمام بظاهر الأشياء. وثمة قهوة لها ملمس الطحلب في الفم. ذلك يعني أن صاحبها يساري طفولي. وثمة قهوة لها مذاق القِدم من فرط ما تألب البن في الماء الساخن. ذلك يعني أن صاحبها يميني متطرف. وثمة قهوة لها مذاق الهال الطاغي. ذلك يعني أن السيدة محدثة النعمة.
لا قهوة تشبه قهوة أخرى. لكل بيت قهوته، ولكل يد قهوتها، لأنه لا نفس تشبه نفسا أخرى. وأنا أعرف القهوة من بعيد: تسير في خط مستقيم، في البداية، ثم تتعرج وتتلوى وتتأوّد وتتأوه وتلتف على سفوح ومنحدرات. رائحة القهوة تتحدر من سلالة المكان الأول. هي رحلة بدأت من آلاف السنين وما زالت تعود. القهوة مكان. القهوة مسام تسرب الداخل إلى الخارج، وانفصال يوحد ما لا يتوحد إلا فيها هي رائحة القهوة. هي ضد الفطام.. القهوة جغرافيا.
في السجن لم أتكيف أبدا مع غياب القهوة الصباحية. ما أشد أنانيتي! لقد حرمت زميلا في السجن من نصف فنجان من القهوة، ما دفع الأقدار إلى معاقبتي، بعد أسبوع، يوم جاءت أمي لزيارتي ومعها إبريق من القهوة، دلقه الحارس على العشب".
كان محمود طباخا ماهرا، يتقن ثلاث أكلات ويتفنن في تقديمها؛ وهي الملوخية والفاصولياء البيضاء والبامياء. وكان يسهب في وصف طريقته للطبخ، وكيف يقوم بانتقاء اللحمة ونوعها، ونوعية البهارات التي يستخدمها، وتفاصيل الملح والثوم وغيرها. أما الوجبة التي كان يعشقها، ويختارها إذا ما عزمه أحد وخيّره بنوعية الطعام فهي "المنسف" التي يعتبرها وجبة لذيذة.

الاقتراب من عالم درويش

كان محمود محبا صادقا وودودا لأصدقائه وللناس بشكل عام، وهو متواضع جدا، وخجول لا يحب اللقاءات الاجتماعية التي يزيد فيها الحضور عن ستة أشخاص. كان معتدلا في حياته، وفي طعامه وشرابه ونقاشاته، ولم يكن متطرفا برأيه، هو متسامح جدا، ولم تكن لديه عداوات مع أحد، ونادرا ما يذم أحدا من الشعراء أو غيرهم، كان كريما وغالبا ما "يعزم" أصدقاءه.
ولم يكن يستطيع الذهاب إلى الأحياء الشعبية أو التجول في الشوارع مثل عامة الناس لكثرة ما يصادف من المعجبين والإحراجات. قام بتوزيع جزء كبير من مكتبته على بعض أصدقائه، وكأنه لم يرغب في إبقاء غير مئة كتاب مثلا ليحتفظ بها وتكون في متناول يده. استقبله عدد من الملوك والرؤساء مثل ملكة هولندا، وملك المغرب، ورئيس وزراء فرنسا والرئيس التونسي وغيرهم.
لعل أكثر ما يثير الإعجاب بشخصيته سرعة البديهة، وخفة الظل، وذلك التهذيب العالي في الحديث، واللباقة في التعاطي مع الآخرين، واحتفاله بتجارب الآخرين، لا سيما الشعراء الشباب. وكان يفرح من قلبه عند اكتشافه لشاعر متميز، ولا يتوانى عن إبداء إعجابه بنص جميل بدون تحفظ،. وكان مستمعاً جيداً يتابع محدثه باهتمام وفضول، ولا يميل إلى التنظير، ولا يحب دور الأستاذ الذي يتوقعه منه البعض.. يسمع جيدا ويناقش.. يقرأ الصحافة ويقرأ الكتب التي تهدى إليه، ويعبر عن رأيه فيها.
عام 1997 شارك للمرة الأولى في مهرجان جرش وافتتح المسرح الشمالي الذي كان مغلقا لألفي عام فيه لأول مرة، حيث قرأ لمحبيه ومتابعيه أشعاره بمرافقة عازف العود سمير جبران، شارك في مهرجان جرش مرات عديدة منها أمسيته الشهيرة في قصر الثقافة، قال لجمهوره حينما صعد المنبر: سأقرأ بعضا مما تحبون، وبعضا مما أحب. وقرأ قصائد قليلة من قديمه، ثم وبلمسة ساحر أو مثل قائد أوركسترا متمرس بدأ بقراءة اختياراته هو، وهكذا سحب الجمهور إلى الشعر الخالص، إذ قرأ نصوصا عالية تقبلها الجمهور بكل سلاسة.

 اقرا ايضا : تاريخ فلسطين عبر العصور

 توقيع كتبه

محمود درويش | السيرة الذاتية، حياة وشعر محمود درويش

نشط درويش في السنوات الأخيرة بإقامة حفل توقيع لإصداراته الجديدة في مركز خليل السكاكيني في رام الله. وفي عمان اختار مسرح البلد في قاع المدينة. كان حفل التوقيع الأول في كانون الأول (ديسمبر) 2005، جاءه حضور كبير تجاوز الـ 1200 شخص، معظمهم من الشباب، ومن طلبة الجامعات والعاملين في مختلف القطاعات، وأتى البعض من سورية، وفلسطين 48 وكانت فرصة للقاء الناس. كان درويش سعيدا يستوقف من يريد التوقيع أحيانا ويسأله عن اسمه ومن أين أتى، ويتعرف إلى البعض أو أهاليهم، أقام حفل توقيع "في حضرة الغياب" بتاريخ 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، وحفل التوقيع الأخير كان لكتابه "أثر الفراشة" في 23 شباط (فبراير) 2008.
في بداية 2008، بدأ درويش بتوزيع نحو ألف كتاب من مكتبته الضخمة على مكتبات شعبية في جبل النظيف ومخيم البقعة، وكان يرغب في التخفيف من مكتبته التي أخذت تزاحم أثاث بيته، وليقرأها الناس.
كان له دور مميز في رئاسة اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين، ساهم في عقد المؤتمر التوحيدي في الجزائر الذي أعاد اللحمة للكتاب والصحافيين بعد فترة من الانقسام. وشغل رئيس مركز الأبحاث الفلسطيني، وعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. أسس مجلة الكرمل وكان رئيس تحريرها. صدرت الكرمل في بيروت وانتقلت الى قبرص ورام الله وكانت توزع في الدول العربية.
"لم يجامل درويش يوما ولم يتخل عن ثوابته ولم يرهب أحدا لا كبيرا ولا صغيرا. وكثيرا ما كنا نضطر إلى الذهاب إلى مكان الأمسية قبل نصف ساعة أو أكثر ليطمئن. وكان دائما قلقا قبل كل أمسية. يرتب قصائده بدقة أيها يقرأ أولا وثانيا وأخيرا. ويسأل أيهما أجمل للبداية هذه أم هذه؟ تبدأ معركة محمود مع محمود إذا جاز التعبير فتكثر خلوته إلى نفسه. يوقف السفر، ويقلل كثيرا من استقبال الأصدقاء، ويتحول إلى حرفي (حداد أو نجار ويبدأ الشغل على قصائد الدرج) من موقع الناقد يحذف ويزيد، وعلى نار هادئة وبتأن لم أر مثله، وعندما يتناول قلم الحبر السائل يبدأ بكتابة المخطوطة قصيدة بعد قصيدة ثم يأتي دور التبويب. وعندما يصدر الديوان يبدأ السؤال الكبير: هل أستطيع أن أكتب شعرا أجمل من هذا؟
يجمع أصدقاء ويعتبرهم جمهورا مصغرا له يقرأ لهم كل جديد، ويطلب رأيهم. طالبه البعض أن يشطب مقدمة "في حضرة الغياب" لكنه رفض. أدمن محمود التفوق على نفسه، فهو يريد فنا متطورا يخاطب الأغوار العميقة في النفوس، ويبقى أثرها في الوجدان، وكان دائما حريصا على أن يجمع بين هذا الفن المتطور والانتشار الجماهيري الواسع، ويصر على أن يقرأ للحشود بعضا من أصعب قصائده، ولا يستجيب للطلبات. وفي الوقت عينه كان يستمع إلى رأي أصدقائه حتى إن صديقا طلب منه شطب أكثر من عشر صفحات واستجاب له. كان محمود يرغب في الحياة لسنوات قليلة مقبلة لينجز عملا كبيرا يراوده. الموت كان حاضرا بقوة، وأصبح هما يوميا وعاديا وأصبح محمود يسابق الزمن، ويسعى كثيرا ويعمل أكثر. محمود الذي لم يكن يرغب في عمل واحد ونشاط واحد في العام قدم هذه السنة أمسيات شعرية في فرنسا وإيطاليا وكوريا وفي رام الله وحيفا وفي القاهرة وتونس وعمان، وحصد الكثير من الجوائز منها جائزة "ملك الشعر" من مقدونيا، وهي عبارة عن تاج ذهبي، وجائزة الشعر العربي من مصر، وجائزة من تونس، وتبرع بالقيمة المالية بالجائزتين الأخيرتين لصالح صندوق الطالب الفلسطيني .
ومحمود لم ينس يوما أنه فلسطيني ولاجئ، ومن هنا كانت أهمية المكان في قصائده للدفاع عن الذات والثقافة وعن الذاكرة الفلسطينية، وعن الحق والحرية، ولهذا كان يعتبر معركته مع الاحتلال والظلم والاستعباد والقهر والظلام، وأن سلاحه في هذه المعركة هو الشعر.
غادر محمود درويش عمان وهو غير متأكد من رجوعه سالما إليها، ولهذا أجرى نوعا من تبرئة الذمة المبكرة، فقد أعطى العاملة الفلبينية حسابها المالي مقدما، ونقد حارس العمارة المصري أيضا حسابه، وقال لهما إنه ربما لن يعود. كان يوم الأحد 27 تموز (يوليو) 2008 هو اليوم الذي سبق سفره الأخير إلى أميركا. سافر محمود من عمان برفقة صديقه أكرم هنية إلى أميركا صباح الاثنين 28 تموز (يوليو). أما صديقه علي حليلة فقد كان سبقه إلى هيوستن ليستقبله هناك ويرتب له أمر العملية الجراحية. لم يكتب وصية، ولم يقل الكثير في لحظاته الأخيرة.

 

وفاة محمود درويش

وفاة محمود درويش


توفي في الولايات المتحدة الأمريكية يوم السبت 9 أغسطس 2008 بعد إجراء عملية القلب المفتوح في المركز الطبي في هيوستن، التي دخل بعدها في غيبوبة أدت إلى وفاته.
نعى رئيس السلطة الفلسطينية رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود عباس شاعر فلسطين الكبير محمود درويش، وأعلن الحداد 3 أيام في كافة الأراضي الفلسطينية حزنا على وفاته، واصفا درويش "عاشق فلسطين" و"رائد المشروع الثقافي الحديث"، والقائد الوطني اللامع والمعطاء".
وري جثمانه الثرى في 13 أغسطس في مدينة رام الله حيث خصصت له هناك قطعة أرض في قصر رام الله الثقافي. وقد شارك في جنازته الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني وشخصيات أخرى في مقدمتهم الرئيس محمود عباس.وتم نقل جثمان الشاعر محمود درويش إلى رام الله بعد وصوله إلى العاصمة الأردنية عمّان ، حيث كان هناك العديد من الشخصيات من العالم العربي لتوديعه.
 

تحميل الاعمال الكاملة محمود درويش Pdf

محمود درويش - جوائزوتكريم

1) جائزة لوتس (اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا) في الهند عام 1969.
2) جائزة البحر المتوسط، المركز الثقافي المتوسط (باليرمو)، ايطاليا عام 1980.
3) درع الثورة الفلسطينية، منظمةالتحرير الفلسطينية عام 1981.
4) جائزة ابي علي بن سينا الدولية في الإتحاد السوفيتي عام1981.
5) لوحة أوروبا للشعر في ايطاليا عام 1982.
6)جائزة لينين، من قبل الاتحاد السوفيتي في الإتحاد السوفييتي عام 1983.
7) جائزة شعراء من اجل السلام، من قبل مجلس بلدي فيلا ديمادوف، في ايطاليا عام 1987.
8) شهادة تقدير من جامعة التشيلي، مركز الدراسات العربية بجامعة تشيلي، مدينة سنتياغوفي تشيلي عام 1990
9 ) وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي من قبل وزارة الثقافة الفرنسية برتبة فارس، في فرنسا عام 1997.
10) جائزة الآداب من وزارة الثقافة الفرنسية، في فرنسا عام 1997.
11 ) الصنف الأول من وسام الاستحقاق الثقافي تونس، يقدم من قبل الحكومة التونسية، في تونس عام 1998.
12) وسام الكفاءة الفكرية في المغرب، يقدم من قبل الحكومة المغربية، في المغرب عام 2000.
13) وسام القديس بطرس بولس(ميدالية ذهبية)، من قبل بطريرك انطاكية وسائر الشرق في دمشق عام 2001.
14) جائزة تقدير من جامعة البلمند في لبنان عام 2001.
15) جائزة الحرية الثقافية التي تمنحها” مؤسسة لانان” - فيلادلفيا - الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001.
16) جائزة السلطان بن علي العويس للانجاز الثقافي والعلمي مناصفة مع الشاعر السوري أدونيس، في دولة الامارات العربية المتحدة عام 2003.
17) جائزة الأمير كلاوس الهولندية، تقدم من قبل القصر الملكي في امستردام- هولندا عام 2004.
18) جائزة ادبية دولية (لودوميا بونامي) من محافظة لاكولا في ايطاليا عام 2006.
19) جائزة الوردة الفضية، من اتحاد الكتاب البلغار، في جمهورية بلغاريا عام 2006.
20) جائزة القاهرة للإبداع الشعري العربي، قدمت منقبل الملتقى الدولي للشعر العربي، في مصر عام 2007.
21) جائزة "ملك الشعر"(جائزة جولدن ريث العالمية) في مهرجان الشعر العالمي في مقدونيا عام 2007.
22) جائزة الأركانة العالمية للشعر، تقدم من قبل بيت الشعر في المغرب عام 2008.
23) جائزة (الشاهد) البوسنية، قدمت من قبل مهرجان ايام سراييفو في البوسنة عام 2008.
24) جائزة ناظم حكمت التركي في تركيا.
25) وسام القدس الذي صدر بمرسوم من الرئيس محمود عباس عام 2008، وترك للشاعر. تحديد تاريخ الاحتفال لكن المرض أرجأ الاحتفال.
26) جائزة البحر الابيض المتوسط للسلام، قدمت من قبل مؤسسة البحر الابيض المتوسط للسلام، في ايطاليا عام 2009.
27) درع مجسم مدينة القدس في باريس.
28) درع القديس الشهيد (ايليا الحمصي) مطرانية حمص للروم الارثاذوكس.
29) درع تقدير من وزارة الثقافة المصرية.
30) أعلنت وزارة الاتصالات الفلسطينية في 27 يوليو 2008 عن إصدارها طابع بريد يحمل صورة محمود درويش.

 

دواوين شعر محمود درويش

1) عصافير بلا أجنحة (شعر)، عام 1960 .
2) أوراق الزيتون (شعر)، عام 1964.
3) عاشق من فلسطين (شعر)، عام 1966
4) آخر الليل (شعر)، عام 1967.
5) يوميات جرح فلسطيني (شعر)، عام 1969.
6) الكتابة على ضوء البندقية (شعر)، عام 1970.
7) العصافير تموت في الجليل (شعر)، عام 1969
8) حبيبتي تنهض من نومها (شعر)، عام 1970.
9) أحبك أو لا أحبك (شعر)، عام 1972.
10) محاولة رقم 7 (شعر)، عام 1973.
11) تلك صورتها وهذا انتحار العاشق (شعر)، عام 1975 .
12) أعراس(شعر)، عام 1977.
13) مديح الظل العالي(قصيدة تسجيلية)، عام 1983 .
14) حصار لمدائح البحر (شعر)، عام 1984.
15) هي أغنية ... هي أغنية (شعر)، عام 1986.
16) ورد اقل (شعر)، عام 1986.
17) مأساة النرجس ملهاة الفضة (شعر)، عام 1987.
18) أرى ما أريد (شعر)، عام 1990.
19) أحد عشر كوكباً (شعر) عام 1992.
20) لماذا تركت الحصان وحيدا (شعر) عام 1995.
21) سرير الغريبة (شعر)، عام 1999.
22) جدارية (شعر)، عام 2000.
23) حالة حصار (شعر)، عام 2002.
24) لا تعتذر عما فعلت (شعر)، عام 2004.
25) كزهر اللوز أو أبعد (شعر)، عام 2005.
26) لا اريد لهذي القصيدة ان تنتهي (شعر)، عام 2009.

 

محمود درويش - نثر


1) شيء عن الوطن (خواطر ومقالات)، عام 1971.
2) يوميات الحزن العادي (خواطر ومقالات)، عام 1973.
3) وداعاً أيتها الحرب...وداعاً أيها السلام (مقالات) عام 1974.
4) ذاكرة للنسيان( نص)، عام 1987.
5) في وصف حالتنا (نص)، عام 1987.
6) في انتظار البرابرة، عام 1987.
7) الرسائل محمود درويش وسميح القاسم، عام 1989.
8) عابرون في كلام عابر( قصيدة ومقالات)، عام 1991.
9) في حضرة الغياب (نص)، عام 2006.
10) حيرة العائد (مقالات)، عام 2007.
11) أثر الفراشة (يوميات)، عام 2008.

 اجمل مقولات وعبارات محمود درويش

  • هل في وسعي أن أختار أحلامي، لئلا أحلم بما لا يتحقق.
  • أمّا أنا، فسأدخل في شجر التوت حيث تحوّلني دودة القزّ خيط حرير، فأدخل في إبرة إمرأة من نساء الأساطير، ثمّ أطير كشال مع الريح.
  • والتاريخ يسخر من ضحاياه ومن أبطالهم.. يلقي عليهم نظرة ويمر.
  • أتيت ولكني لم أصل.. وجئت ولكني لم أعد.
  • أحببتك مرغما ليس لأنك الأجمل بل لأنك الأعمق فعاشق الجمال في العادة أحمق.
  • سأصير يوماً ما أريد.. سأصير يوماً طائراً، وأسلّ من عدمي وجودي.. كلّما إحترق الجناحان إقتربت من الحقيقة، وإنبعثت من الرماد.. أنا حوار الحالمين، عزفت عن جسدي وعن نفسي لأكمل رحلتي الأولى إلى المعنى، فأحرقني وغاب.. أنا الغياب.. أنا السماويّ الطريد.
  • وليس لنا في الحنين يد.. وفي البعد كان لنا ألف يد.. سلام عليك، إفتقدتك جدًا.. وعليّ السلام فيما إفتقد.
  • في اللامبالاة فلسفة، إنها صفة من صفاة الأمل.
  • ولنا أحلامنا الصغرى، كأن نصحو من النوم معافين من الخيبة.. لم نحلم بأشياء عصية.. نحن أحياء وباقون، وللحلم بقية.
  • النسيان هو تدريب الخيال على إحترام الواقع.
  • هناك حب يمر بنا فلا هو يدري ولا نحن ندري.
  • من سوء حظي نسيت أن الليل طويل ومن حسن حظك تذكرتك حتى الصباح.
  • علموك أن تحذر الفرح لأن خيانته قاسية.
  • لم يبق في اللغة الحديثة هامش للإحتفال فكل ما سيكون كان.
  • لا أتذكر قلبي إلا إذا شقه الحب نصفين أو جف من عطش الحب.
  • ليتنا إستطعنا أن نحب أقل كي لا نتألم أكثر.
  • خفيفة روحي وجسمي مثقل بالذكريات وبالسكان.
  • سأمدح هذا الصباح الجديد.. سأنسى الليالي كل الليالي وأمشي إلى وردة الجار أخطف منها طريقتها في الفرح.
  • الليل يا أماه ذئب جائع سفاح يطارد الغريب أينما مضى.
  • أعرف مهما ذهبت مع الريح كيف أعيدك.. أعرف من أين يأتي بعيدك فأذهب.
  • قل للغياب نقصتني وأنا أتيت لأكملك.
  • ما أشد سعادة المرء حين لا يودع أحداً ولا ينتظر أحداً.
  • وكلما فتشت عنهم لم أجد فيهم سوى نفسي الغريبة.
  • لا بأس من أن يكون ماضينا أفضل من حاضرنا.. ولكن الشقاء الكامل أن يكون حاضرنا أفضل من غدنا.. يا لهاويتنا كم هي واسعة.
  • حين عطشت طلبت الماء من عدوي ولم يسمعني فنطقت باسمك وارتويت.
  • ما أجمل الصدفة.. إنها خالية من الإنتظار.
  • أحب الحديث معك رغم أني لا أملك ما أقول.
  • هل كان علينا أن نسقط من علو شاهق ونرى دمنا على أيدينا لندرك أننا لسنا ملائكة كما كنا نظن.
  • فإن أسباب الوفاة كثيرة من بينها وجع الحياة.
  • ولا نتوب عن أحلامنا مهما تكرر إنكسارها.
  • بكل ما أوتيت من فرح أخفي دمعتي.
  • أمي.. لن أسميك إمرأة سأسميك كل شيء.
  • وتشابهت أنت وقهوتي.. باللذة والمرارة والإدمان.
  • أريدك عندي خيالاً يسير على قدمين وصخر حقيقة يطير بغمزة عين.
  • سأبقى أحبك راحلاً إليك.. إن كان في الماء فلا أخشى الغريق وإن كان في اليابسة فلا أهاب سيوف الطريق.
  • عيناك نافذتان على حلم لا يجيء وفي كل حلم أرمّم حلماً وأحلم.
  • آه يا جرحي المكابر وطني ليس حقيبةً وأنا لست مسافراً.. إنني العاشق والأرض حبيبة.
  • وقلت له مرة غاضباً كيف تحيا غداً.. قال لا شأن لي بغدي إنه فكرة لا تراودني وأنا هكذا هكذا لن يغيرني أي شيء كما لم أغير أنا أي شيء فلا تحجب الشمس عني.. فقلت له: لست إسكندر المتعالي ولست ديوجين فقال: ولكن في اللامبالاة فلسفة إنها صفة من صفات الامل.
  • في البيت أجلس لا سعيداً لا حزيناً بين بين.. ولا أبالي إن علمت بأنني حقاً أنا أو لا أحد.
  • إنني أحتفل اليوم بمرور يوم على اليوم السابق.. وأحتفل غداً بمرور يومين على الأمس.. وأشرب نخب الأمس ذكرى اليوم القادم.. هكذا أواصل حياتي.
  • ربما ماتت.. فإن الموت يعشق فجأة مثلي وإن الموت مثلي لا يحب الإنتظار.
  • وأنت تفكر بالآخرين البعيدين فكر بنفسك.. قل ليتني شمعة في الظلام.
  • أنا إمرأة لا أقل ولا أكثر فكن أنت قيس الحنين إذا شئت.. أما أنا فيعجبني أن أحب كما أنا لا صورة ملونة في الجريدة أو فكرة ملحنة في القصيدة بين الأيائل.. أسمع صرخة ليلى البعيدة من غرفة النوم: لا تتركيني سجينة قافية في ليالي القبائل.. لا تتركيني لهم خبراً أنا امرأة لا أقل ولا أكثر.
  • ما بين دقيقة أقر فيها النسيان ودقيقة أحاول تجربة ذلك مجازر تقام في داخلي ولا تتوقف.
  • أخاف العيون التي تستطيع إختراق ضفافي.. فقد تبصر القلب حافي.. أخاف إعترافي.
  • أنا من هناك ولي ذكريات.. ولدت كما تولد الناس.. لي والدة وبيت كثير النوافذ.. لي إخوة.. أصدقاء.. وسجن بنافذة بارده.. ولي موجة خطفتها النوارس.. لي مشهدي الخاص.. لي عشبة زائده.. ولي قمر في أقاصي الكلام، ورزق الطيور، وزيتونة خالده.

 اجمل شعر محمود درويش

أجمل حب

كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة
وجدنا غريبين يوما
وكانت سماء الربيع تؤلف نجما... ونجما
وكنت أؤلف فقرة حب..
لعينيك.. غنيتها!
أتعلم عيناك أني انتظرت طويلا
كما انتظر الصيف طائر
ونمت.. كنوم المهاجر
فعين تنام لتصحو عين.. طويلا
وتبكي على أختها ،
حبيبان نحن، إلى أن ينام القمر
ونعلم أن العناق، وأن القبل
طعام ليالي الغزل
وأن الصباح ينادي خطاي لكي تستمرّ
على الدرب يوما جديداً !
صديقان نحن، فسيري بقربي كفا بكف
معا نصنع الخبر والأغنيات
لماذا نسائل هذا الطريق.. لأي مصير
يسير بنا ؟
ومن أين لملم أقدامنا؟
فحسبي، وحسبك أنا نسير...
معا، للأبد
لماذا نفتش عن أغنيات البكاء
بديوان شعر قديم ؟
ونسأل يا حبنا ! هل تدوم ؟
أحبك حب القوافل واحة عشب وماء
وحب الفقير الرغيف !
ونبقى رفيقين دوما

لمساء آخر

كلّ خوخ الأرض ينمو في جسد
وتكون الكلمة
وتكون الرغبة المحتدمه
سقط الظلّ عليها
لا أحد
لا أحد...
وتغنّي وحدها
في طريق العربات المهملة
كل شيء عندها
لقب للسنبلة
وتغنّي وحدها :
البحيرات كثيره
وهي النهر الوحيد.
قصّتي كانت قصيرة
وهي النهر الوحيد
سأراها في الشتاء
عنما تقتلني
وستبكي
وستضحك
وأراها في الشتاء.
انّني أذكر
أو لا أذكر
العمر تبخّر
في محطات القطارات
وفي خطوتها.
كان شيئا يشبه الحبّ
هواء يتكسّر
بين وجهين غريبين ،
وموجا يتحجّر
بين صدرين قريبين ،
ولا أذكرها...
لمساء آخر هذا المساء
وأنادي وردها
تذهب الأرض هباء
حين تبكي وحدها.
كلماتي كلمات
للشبابيك سماء
للعصافير فضاء
للخطى درب وللنهر مصبّ
وأنا للذكريات.
وهي الأولى. أنا الأول
كنّا. لم نكن
جاء الشتاء
دون أن تقتلني...
دون أن تبكي وتضحك.

قطار الساعة الواحدة

رجل وامرأة يفترقان
ينفضان الورد عن قلبيهما ،
ينكسران.
يخرج الظلّ من الظلّ
يصيران ثلاثة :
رجلا
وامرأة
والوقت...
لا يأتي القطار
فيعودان إلى المقهى
يقولان كلاما آخرا ،
ينسجمان
ويحبّان بزوغ الفجر من أوتار جيتار
ولا يفترقان...
.. وتلفت أجيل الطرف في ساحات هذا القلب.
ناداني زقاق ورفاق يدخلون القبو والنسيان في مدريد.
لا أنسى من المرأة إلّا وجهها أو فرحي...
أنساك أنساك وأنساك كثيرا
لو تأخّرنا قليلا
عن قطار الواحدة.
لو جلسنا ساعة في المطعم الصيني ،
لو مرّت طيور عائدة.
لو قرأنا صحف الليل
لكنّا
رجلا وامرأة يلتقيان

هي في المساء

هي في المساء وحيدةٌ،
وأًنا وحيدٌ مثلها...
بيني وبين شموعها في المطعم الشتويِّ
طاولتان فارغتان [ لا شيءٌ يعكِّرُ صًمْتًنًا]
هي لا تراني، إذ أراها
حين تقطفُ وردةً من صدرها
وأنا كذلك لا أراها، إذ تراني
حين أًرشفُ من نبيذي قُبْلَةً...
هي لا تُفَتِّتُ خبزها
وأنا كذلك لا أريق الماءَ
فوق الشًّرْشَف الورقيّ
[لا شيءٌ يكدِّر صَفْوَنا]
هي وَحْدها، وأَنا أمامَ جَمَالها
وحدي. لماذا لا تًوَحِّدُنا الهَشَاشَةُ؟
قلت في نفسي-
لماذا لا أَذوقُ نبيذَها؟
حين ترفًعُ ساقها عن ساقِها...
وأَنا كذلك لا أراها، إذ تراني
حين أَخلَعُ معطفي...
لا شيء يزعجها معي
لا شيء يزعجني، فنحن الآن
منسجمان في النسيان...
كان عشاؤنا، كُلٌّ على حِدَةٍ، شهيّاً
كان صَوْتُ الليل أزْرَقَ
لم أكن وحدي، ولا هي وحدها
كنا معاً نصغي إلى البلَّوْرِ
[ لا شيءٌ يُكَسِّرُ ليلنا]
هِيَ لا تقولُ:
الحبُّ يُولَدُ كائناً حيّا
ويُمْسِي فِكْرَةً.
وأنا كذلك لا أقول:
الحب أَمسى فكرةً

إلى أمي

أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني ،إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
وغطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
وشدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلها
إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت
وقودا بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت ،فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك!

عاشق من فلسطين

عيونك شوكة في القلب
توجعني..و أعبدها
وأحميها من الريح
وأغمدها وراء الليل والأوجاع.. أغمدها
فيشعل جرحها ضوء المصابيح
ويجعل حاضري غدها
أعزّ عليّ من روحي
وأنسى، بعد حين، في لقاء العين بالعين
بأنّا مرة كنّا وراء، الباب ،إثنين!
كلامك كان أغنية
وكنت أحاول الإنشاد
ولكن الشقاء أحاط بالشفقة الربيعيّة
كلامك..كالسنونو طار من بيتي
فهاجر باب منزلنا ،و عتبتنا الخريفيّة
وراءك، حيث شاء الشوق..
وانكسرت مرايانا
فصار الحزن ألفين
ولملمنا شظايا الصوت!
لم نتقن سوى مرثية الوطن
سننزعها معا في صدر جيتار
وفق سطوح نكبتنا، سنعزفها
لأقمار مشوهّة..و أحجار
ولكنيّ نسيت.. نسيت يا مجهولة الصوت:
رحيلك أصدأ الجيتار.. أم صمتي؟!
رأيتك أمس في الميناء
مسافرة بلا أهل.. بلا زاد
ركضت إليك كالأيتام،
أسأل حكمة الأجداد :
لماذا تسحب البيّارة الخضراء
إلى سجن، إلى منفى، إلى ميناء
وتبقى رغم رحلتها
ورغم روائح الأملاح والأشواق ،
تبقى دائما خضراء؟
وأكتب في مفكرتي:
أحبّ البرتقال. وأكره الميناء
وأردف في مفكرتي :
على الميناء
وقفت.و كانت الدنيا عيون الشتاء
وقشرةالبرتقال لنا. وخلفي كانت الصحراء !
رأيتك في جبال الشوك
راعية بلا أغنام
مطاردة، وفي الأطلال..
وكنت حديقتي، وأنا غريب الدّار
أدقّ الباب يا قلبي
على قلبي..
يقوم الباب والشبّاك والإسمنت والأحجار !
رأيتك في خوابي الماء والقمح
محطّمة.رأيتك في مقاهي الليل خادمة
رأيتك في شعاع الدمع والجرح.
وأنت الرئة الأخرى بصدري..
أنت أنت الصوت في شفتي..
وأنت الماء، أنت النار!
رأيتك عند باب الكهف.. عند الدار
معلّقة على حبل الغسيل ثياب أيتامك
رأيتك في المواقد.. في الشوارع..
في الزرائب.. في دم الشمس
رأيتك في أغاني اليتم والبؤس !
رأيتك ملء ملح البحر والرمل
وكنت جميلة كالأرض.. كالأطفال.. كالفلّ
وأقسم:
من رموش العين سوف أخيط منديلا
وأنقش فوقه لعينيك
وإسما حين أسقيه فؤادا ذاب ترتيلا..
يمدّ عرائش الأيك..
سأكتب جملة أغلى من الشهداء والقبّل:
فلسطينية كانت.. ولم تزل!
فتحت الباب والشباك في ليل الأعاصير
على قمر تصلّب في ليالينا
وقلت لليلتي: دوري!
وراء الليل والسور..
فلي وعد مع الكلمات والنور..
وأنت حديقتي العذراء..
ما دامت أغانينا
سيوفا حين نشرعها
وأنت وفية كالقمح..
سمادا حين نزرعها
وأنت كنخلة في البال،
ما انكسرت لعاصفة وحطّاب
وما جزّت ضفائرها
وحوش البيد والغاب..
ولكني أنا المنفيّ خلف السور والباب
خذني تحت عينيك
خذيني، أينما كنت
خذيني ،كيفما كنت
أردّ إلي لون الوجه والبدن
وضوء القلب والعين
وملح الخبز واللحن
وطعم الأرض والوطن!
خذيني تحت عينيك
خذيني لوحة زيتّية في كوخ حسرات
خذيني آية من سفر مأساتي
خذيني لعبة.. حجرا من البيت
ليذكر جيلنا الآتي
مساربه إلى البيت!
فلسطينية العينين والوشم
فلسطينية الإسم
فلسطينية الأحلام والهم
فلسطينية المنديل والقدمين والجسم
فلسطينية الكلمات والصمت
فلسطينية الصوت
فلسطينية الميلاد والموت
حملتك في دفاتري القديمة
نار أشعاري
حملتك زاد أسفاري
وباسمك صحت في الوديان:
خيول الروم! أعرفها
وإن يتبدل الميدان!
خذوا حذّرا..
من البرق الذي صكّته أغنيتي على الصوّان
أنا زين الشباب ،و فارس الفرسان
أنا. ومحطّم الأوثان.
حدود الشام أزرعها
قصائد تطلق العقبان!
وباسمك، صحت بالأعداء:
كلى لحمي إذا ما نمت يا ديدان
فبيض النمل لا يلد النسور..
وبيضة الأفعى..
يخبىء قشرها ثعبان!
خيول الروم.. أعرفها
وأعرف قبلها أني
أنا زين الشباب، وفارس الفرسان

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق
  1. افضل ما قرات عن حياة الشاعر العظيم محمود درويش
    شكرا لكم قلقيلية تايمز

    ردحذف
  2. غير معرف5/09/2021

    شكرا على كتاب الاعمال الكاملة لمحمود درويش وعلى هذا المقال الكامل والشامل
    ابدعتم

    ردحذف
  3. غير معرف1/07/2023

    روعة بارك الله فيكم

    ردحذف
  4. غير معرف3/30/2023

    رهيب شكرا 🙏

    ردحذف

إرسال تعليق

محتويات المقال