تاريخ الصناعة في قلقيلية
لا يمكن الحديث عن وجود قطاع صناعي قبل عام 1948م. فقبل سنوات الأربعينات من القرن الماضي كان أهالي قلقيلية يستخدمون مادة الجير المطفي او (الشيد) لبناء بيوتهم، والتي كانت تستخرج من الحجر الجيري، حيث كانت تجمع الاحجار الجيرية التي يتم تسخينها بحرقها بحرارة عالية فينطلق ثاني أكسيد الكربون من الحجر الجيري
مخلفًا وراءه كتلة هشة من الجير الحي ذات لون أبيض ضارب للرمادي. توضع كتلة الجير الحي في حوض او جورة تحفر في الارض، حيث يضاف اليها الماء، فيحدث تفاعل كيميائي ينتج عنه حرارة وبخار كثيف. ويتلاشى البخار بعد ذلك مخلفًا وراءه مسحوقًا أبيض ناعمًا، هو الجير المُطفأ، وهو الذي يستخدم في البناء، حيث يخلط مع الرمل بنسبة معينة، ويتم خلطها جيدا ويضاف إليها الماء حتى تكون ذات قوام مناسب للبناء. وقد وجد في بعض البيوت القديمة انه كان يضاف التبن الى الخليط، وربما كان الهدف لزيادة تماسك الطينة عند البناء. وكان المرحوم أمين نزال (ابو فلاح)، يملك جورة للشيد بجانب بيته على شارع نابلس، واخرى لابو اسميك على الشارع الجنوبي، قرب الكنايات، وثالثة على شارع الحديقة، لأبو خروب من قرية حبلة، وكانت بجوار دار احمد الباشا.
وكانت اول كسارة حجارة لعمل الصرار والبودرة لاغراض البناء، تقع في حي غياظة الى الغرب من المقر الحالي لمكتبة بلدية قلقيلية، مقابل بيت حلمي العباة. وكان يملكها حسين محمد نزال.
وقد اقيمت في بدية الثلاثينات من القرن الماضي، وعملت لاكثر من 30 عام. وكانت تعمل بقوة محرك الديزل. وكانت تتكون من ثلاثة اجزاء رئيسية، وهي: محرك لتدوير محور الكسارة، الماكينة وهي قفص معدني كبير، له فتحة علوية توضع فيها الحجارة، وبداخلها شواكيش كبيرة من الحديد الصلب، مثبتة على المحور الذي يقوم بتدويره المحرك، فتقوم خلال دورانها بتكسير الحجارة وتفتيتها حال نزولها من الفتحة، والجزء الثالث منخل اسطواني، مائل من الاعلى الى الاسفل، يدور بقوة المحرك، وتحته ثلاثة قواطع إسمنتية، وخلال دورانه يتم فرز البودرة في القاطع الاول، والصرار الصغير في القاطع الثاني، والصرار الكبير في القاطع الثالث. كما كان هناك حزام معدني ناقل يعمل بقوة المحرك، ويقوم بنقل الحجارة التي توضع عليه، وإسقاطها في الفتحة العلوية لماكينة الكسارة، ليتم طحنها.
الصناعة بين عام 1948-1967م
اما في العهد الاردني فقد تكونت الصناعات من وحدات صناعية صغيرة لا تتعدى عن كونها مشاغل وورش للإنتاج الحرفي يعمل بها أصحابها ويقل فيها العمل المأجور. وكانت هناك بعض الصناعات الإنشائية الصغيرة من حيث حجم العمالة ورأس المال المستثمر وكمية الإنتاج - مثل معامل المزايكو، والبلاط الأرضي، وصناعة المناهل والمواسير الأسمنتية، والطوب الأسمنتي. وتعتمد هذه الورش على الاستخدام الذاتي لواحد من أصحابها أو استخدام عاملا واحدا أو أكثر مقابل اجر. وكان ابو سميك على الشارع الغربي يصنع المواسير إلاسمنتية للصرف الصحي، ويبيع الرمل والصرار، اما ابو خروب فكان يصنع المواسير الإسمنتية وغرف التفتيش، ودرج المزايكو.
كما كان يتم انتاج الطوب الأسمنتي بقالب يدوي، ولم يكن هناك مصنع متخصص في صناعة الطوب الاسمنتي، انما كان عامل الطوب يذهب الى موقع البناء، ويقوم بعمل خلطة من الاسمنت والرمل والصرار مع القليل من الماء، ويوضع الخليط في قالب حديد وهو عبارة عن قطعتين من الحديد بارتفاع 10سم، وتكونا على شكل زاويتين قائمتين ومتعاكستين، يربطان مع بعضهما بمكلبين، ويقوم العامل بالطرق على الخليط بقطعة من الحديد حتى يتراصّ الخليط بشكل جيد ولكي لا يبقى أي فراغات تضعف تماسك الحجر، ويقوم بعدها بوضع حجر الطوب على الأرض ليجف تحت أشعة الشمس، ويفك العامل قالب الحديد عن الحجر برفع المكلبين، ويعاود الكرة مرة ثانية.. وهكذا.
وكان الشيخ محمد نزال، يصنع كميات من الطوب الاسمنتي في ساحة صغيرة بجانب منزله في غياظة، وتكون جاهزة للبيع عند الحاجة.
القطاع الصناعي بعد عام 1967م:
بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967م عملت سلطات الإحتلال على توجيه تطور الاقتصاد الفلسطيني بما يخدم مصالح وأهداف الاقتصاد الإسرائيلي. كما عملت على تشجيع الصناعات الفلسطينية التي تلبي احتياجات الاقتصاد الإسرائيلي ككل، مثل صناعة مواد البناء - الطوب الإسمنتي والبلاط الأرضي، وحجر البناء الأبيض، والرخام…الخ. التي تلبي احتياجات قطاع البناء الإسرائيلي، والتوسع الاستيطاني.
كما وفرت التسهيلات المختلفة للصناعات التكميلية التي تخدم الصناعة الإسرائيلية، أو ما يسمى بصناعة التعاقد من الباطن، أو التعاقد الثنائي، والتي تعمل لحساب شركات الألبسة الإسرائيلية، والوكلاء الإسرائيليين - مقابل عمولة أو أجوراً معينة - مثل صناعة الملابس والأحذية، … وغيرها. وتعتمد هذه الصناعات على الشركات والموردين الإسرائيليين في تامين المواد الأولية والسلع الوسيطة، ومواد التعبئة والتغليف.
أما الصناعات الأخرى التي تلبي احتياجات السكان وتطور الاقتصاد الفلسطيني، كالصناعات الغذائية، فقد انخفض عددها في ظل الاحتلال الإسرائيلي، بسبب المنافسة الإسرائيلية، وغياب التسهيلات الإدارية والمالية والتسويقية، بالإضافة إلى القيود المفروضة عليها، من قبل السلطات المحتلة، من حيث الإنتاج والتسويق والاستيراد والتصدير، وكذلك فرض ضرائب متعددة وباهظة على الصناعة الفلسطينية، وفرض الرسوم الجمركية على مستوردات الصناعة الفلسطينية من المواد الخام والسلع الوسيطة والسلع الإنتاجية (الاستثمارية)، والتشدد في إعطاء التراخيص الصناعية، وفرض متطلبات يعجز عن توفيرها رجال الصناعة الفلسطينيين. كل ذلك بهدف إضعاف قدرة الصناعة الفلسطينية على منافسة نظيراتها الإسرائيلية، وتامين قسطا من الإيرادات الضريبية والجمركية، اللازمة لتغطية نفقات الاحتلال.
كما منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منتجات الصناعة الفلسطينية المماثلة للصناعات الإسرائيلية – كالصناعات الغذائية والدوائية من تسويق منتجاتها داخل إسرائيل، كما منعت تسويق المنتجات الزراعية الفلسطينية في السوق الإسرائيلي، من خلال فرض القيود والإجراءات الرقابية المشددة، وسمحت فقط لبعض المنتجات الزراعية التي تلبي احتياجات الصناعات الغذائية الإسرائيلية، ومن خلال تصاريح خاصة تصدرها وزارة الزراعة الإسرائيلية، وتحدد فيها الكميات المسموح إدخالها إلى السوق الإسرائيلي.
وفي ذات الوقت، سهلت سلطات الاحتلال عملية دخول منتجات الصناعة الإسرائيلية، والتي تتمتع بميزة سعرية وجودة أعلى بفضل الدعم والتسهيلات الحكومية، والتفوق الفني والتكنولوجي، مما خلق حالة من المنافسة غير المتكافئة ما بين الصناعتين الفلسطينية والإسرائيلية لصالح الأخيرة بالطبع.
الصناعات في قلقيلية:
يبلغ عدد المنشات الصناعية العاملة حالياً في قلقيلية اكثر من مائة منشأة، تعمل كلها في مجال الصناعات التحويلية، واكثر من نصفها تعمل في مجال الخياطة من خلال التعاقد من الباطن مع شركات الالبسة الاسرائيلية.
اهم الصناعات في قلقيلية:
- الصناعات الغذائية
- الصناعات النسيجية
- الشنط الجلدية
- الورق الصحي
- وصناعة العبوات المعدنية، والإنشائية، والكيماوية، والبلاستيكية
- وصناعة مضخات ولوازم آبار المياه الاتوازية.
ومن حيث التقسيمات القطاعية فتشتمل الصناعات الإنشائية على مناشير الحجر والرخام، مصانع الطوب الإسمنتي، مصانع البلاط الأرضي، المزايكو، مصانع الباطون والطينة الجاهزة، مصانع الدهانات، ومصانع الغراء.
وقد هيمنت صناعة الالبسة على مشهد الصناعة في قلقيلية، من حيث عدد المنشآت التي تزاول هذا النشاط حيث تصل إلى اكثر 55% من إجمالي عدد المنشآت العاملة في قطاع الصناعة في المحافظة. وتعمل الصناعات النسيجية على أساس التعاقد الثاني، او التعاقد من الباطن مع شركات الألبسة الإسرائيلية، مقابل عمولة أو أجوراً معينة. وتعتمد هذه الصناعات على الشركات والموردين الإسرائيليين في تامين المواد الأولية والسلع الوسيطة، ومواد التعبئة والتغليف. ويحضر المورد الاسرائيلي القصات وقطع القماش وتوابعها، ويقوم المتعاقد من قلقيلية بخياطة قطع القماش في مشغل الخياطة التابع له، ويعاود تسليمها جاهزة للمورد الإسرائيلي، بعد كويها وتغليفها.
وفي حين أن الاستثمارات التي وجهت إلى هذا النشاط لم تكن عالية، الا ان الصناعات النسيجية استحوذت على حجم كبير من العمالة، حيث بلغ عدد العاملين في هذا القطاع اكثر من 600 عامل يشكلون نسبة 80% من إجمالي العاملين في القطاع الصناعي في قلقيلية ككل.
ونظرا لضالة الأجور في هذا القطاع، شكلت النساء نسبة 95% من إجمالي العاملين في قطاع الصناعات النسيجية.
وبينما يتبّوأ قطاع الصناعات النسيجية المركز الأول من حيث عدد المنشآت وعدد العاملين فيه، فان الصناعات الإنشائية – كمصانع الباطون ومصانع الطوب ومصانع الدهانات، تحتل مركز الصدارة من حيث حجم الاستثمارات التي تعادل 48% من اجمالي الاستثمار الصناعي في قلقيلية.
تعليقات
إرسال تعليق