الدكتور درويش مصطفى حسين نزال
الدكتور درويش مصطفى حسين نزال (1938 – 2000) يعد أحد أبرز الروّاد في تاريخ الطب الفلسطيني الحديث، وأول طبيب أخصائي من أبناء مدينة قلقيلية، ومن أوائل الفلسطينيين الذين تخصّصوا في جراحة القلب والطب الباطني في الولايات المتحدة الأمريكية.
جمع بين العلم الواسع والخلق الرفيع، وبين الممارسة الطبية المتميّزة والالتزام الوطني العميق، فكان طبيبًا وإنسانًا، ومثّل نموذجًا فريدًا للطبيب الفلسطيني الذي جعل من مهنته رسالة لخدمة أبناء شعبه ووطنه في أصعب الظروف.
ترك بصمة لا تُمحى في مسيرة الطب الفلسطيني، وأسهم في تأسيس جيل من الأطباء الشباب، وظل اسمه حاضرًا رمزًا للعطاء الإنساني والطبي حتى بعد رحيله، حين أُطلق اسمه على المستشفى الحكومي في قلقيلية تخليدًا لذكراه
الميلاد والنشأة
وُلد الدكتور درويش مصطفى حسين نزال عام 1938 في مدينة قلقيلية بالضفة الغربية، ونشأ في أسرة فلسطينية معروفة بعلمها وخدمتها العامة. تلقّى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس قلقيلية، وكان منذ صغره مثالًا في الاجتهاد والتميز العلمي، مما أهّله ليكون من أوائل أبناء المدينة الذين التحقوا بدراسة الطب في الخارج.
الدراسة والتخصّص
التحق بجامعة عين شمس في القاهرة حيث درس الطب وتخرّج منها عام 1964. عمل بعد تخرّجه طبيبًا في دولة الكويت لمدة عامين، قبل أن يسافر عام 1967 إلى الولايات المتحدة الأمريكية للتخصّص في أمراض وجراحة القلب.عمل خلال تلك الفترة في المجلس الأمريكي للطب الباطني (American Board of Internal Medicine) من عام 1967 إلى 1972، ليصبح من أوائل الأطباء الفلسطينيين الذين نالوا هذا المؤهل المتقدم.
المسيرة المهنية والطبية
عاد الدكتور درويش نزال إلى أرض الوطن عام 1972، ليبدأ مرحلة جديدة في مسيرته الطبية والإنسانية. عُيّن رئيسًا لقسم الطب الباطني وجراحة القلب في مستشفى المقاصد الخيرية في القدس، حيث ساهم في تطوير القسم وتجهيزه بأحدث المعدات الطبية آنذاك، مقدّمًا خدمات نوعية لآلاف المرضى من مختلف أنحاء فلسطين.
كان رحمه الله أول طبيب متخصص من أبناء قلقيلية، وحرص على خدمة مدينته وأبناء شعبه رغم مشاغله الكثيرة؛ إذ افتتح عيادة خاصة في رام الله وأخرى في قلقيلية، وكان يخصص يومي الخميس والجمعة للعودة إلى مدينته لعلاج المرضى، حيث كان يتقاضى أجرًا رمزيًا أو يعالج الفقراء مجانًا، ويقدّم لهم الأدوية على نفقته الخاصة.
المناصب والمسؤوليات
إلى جانب عمله الطبي، تولّى الدكتور نزال عددًا من المواقع المهنية والإدارية الرفيعة، منها:
- رئيس قسم الطب الباطني والقلب في مستشفى المقاصد – القدس (1972 – 2000).
- رئيس مجلس الخدمات الصحية.
- رئيس مجلس أمناء جامعة بيرزيت (منذ عام 1988).
- رئيس اللجنة العلمية في نقابة الأطباء (منذ عام 1991).
- عضو في المجلس الأمريكي للطب الداخلي (1967 – 1972).
مواقفه الإنسانية والاجتماعية
عرف الدكتور درويش نزال بتواضعه وإنسانيته وارتباطه الوثيق بالناس، فكان طبيبًا وإنسانًا في آن واحد. آمن بأن مهنة الطب رسالة قبل أن تكون مهنة، فكرّس حياته لخدمة المرضى بلا تمييز.
كان بيته وعيادته مفتوحين للجميع، وخاصة للفقراء والمحتاجين، وذاع صيته في الضفة الغربية كأحد أبرز أطباء القلب وأكثرهم عطاءً. كما ساهم في تدريب جيل جديد من الأطباء الفلسطينيين، وكان له دور كبير في ترسيخ مكانة مستشفى المقاصد كمركز طبي مرجعي في فلسطين.
وفاته وتكريمه
أُصيب الدكتور نزال بمرض عضال، وتوفي يوم الخميس 28 شباط (فبراير) 2000 عن عمر ناهز اثنين وستين عامًا. شيّع جثمانه في مسقط رأسه قلقيلية، وسط حضور شعبي واسع من أبناء المدينة والضفة الغربية الذين نعوه كأحد رموز العطاء الوطني والإنساني.
وفي عام 2009، تم افتتاح المستشفى الحكومي الجديد في قلقيلية وأُطلق عليه اسم مستشفى الدكتور درويش نزال، تكريمًا له وتخليدًا لذكراه الطيبة. كما أقيم عام 2001 مستشفى مؤقت للطوارئ في مبنى مكتبة البلدية، تبرعت بتجهيزه دولة قطر، وحمل اسمه أيضًا.
العائلة والإرث الاجتماعي
ينتمي الدكتور درويش إلى عائلة نزال العريقة في قلقيلية، التي كان لها إسهامات بارزة في العمل الوطني والاجتماعي. فهو نجل المرحوم مصطفى حسين نزال، رئيس بلدية قلقيلية (1972–1976)، وشقيق كل من:
- • المرحوم هشام نزال – مدير أول مركز للتدريب المهني في قلقيلية (1968).
- • المرحوم محمد نزال (أبو القاسم) – نائب رئيس بلدية قلقيلية (2012–2015).
- • المربية الفاضلة نهلة نزال – مديرة مدرسة بنات قلقيلية الأساسية (1994).
إرثه وذكراه
يبقى الدكتور درويش نزال رمزًا للطبيب الوطني الإنساني الذي جمع بين العلم والرحمة، وبين التفوق المهني وخدمة الوطن. ترك أثرًا عميقًا في الوعي الفلسطيني الحديث، وخلّد اسمه بجهوده في تطوير الطب الفلسطيني الحديث، وتواضعه الذي جعله قريبًا من الناس في مدينته ووطنه.
أصبح مستشفى درويش نزال الحكومي شاهدًا على مسيرة رجل آمن بأن خدمة الإنسان الفلسطيني هي أسمى أشكال النضال.



تعليقات
إرسال تعليق