القائمة الرئيسية

الصفحات

الحج بين الماضي والحاضر


 الحج بين الماضي والحاضر

"ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا"


إن الحج من فراض الإسلام الخمسة، وعلى المسلم ان يقوم بفريضة الحج ولو لمرة واحدة طوال حياته. وكانت رحلة الحج تحمل في طياتها الصعاب الكبيرة. فحتى عهد قريب كانت رحلة شاقة قاسية محفوفة بالمخاطر والمصاعب. فقد كان الكثير من الحجاج يتعرضون لمخاطر النهب والقتل على يد قطاعي الطرق، او الموت جوعا او عطشا في تلك الرحلة الطويلة عبر الصحراء، الى مكة المكرمة والمدينة المنورة.



وكان السفر إلى الحج ورحلة قضاء فريضته مدار الحديث طوال العام، ويجري الاستعداد لها طيلة السنة، ويُعد له الحجيج عدته، ويدخرون أجرته ومصاريفه، ويبقون لأهليهم من النقود والمؤونة ما يكفيهم طلية غيابهم عنهم. ففي الرحلة عزلة طويلة، ومخاطر جمة، وانقطاع عن الأهل والجماعة. كما أن في الطريق معاناة أشد، من برد أو حر أو جوع وعطش، أو فقد الراحلة أو مرض قد يتعرض له الحاج، كما أن في السفر الطويل وضعاً لم يكن معتاداً عليه كما في قريته، وفي السفر بذل جهد ومشقة من المشي والحل والترحال.


ويختار المسافرون طرقاً معروفة تمر كلها بقرى وموارد مياه معروفة، يفصل فيما بينها مسافات مناسبة يستطيع المسافرون التزود بالمياه، خاصة من تلك الموارد والبلدان، بالإضافة الى شراء بعض الحاجات التي تلزمهم وخاصة الزاد.


ويستعد الحجاج للرحلة بعدد كاف من الإبل لحمل الركاب وحمل المؤونة، بالاضافة الى ما يكفيهم من الزاد فيأخذون معهم الدقيق، والجنبة المسلوقة، واللبنة بالزيت، والزعتر المطحون "دقَّة"، والزيتون المكبوس، والحلاوة، وأقراص الحلبة، وقِرَبْ الماء والقهوة، وأدوات بسيطة تلزمهم لإعداد القهوة أو الأكل، يضاف إلى ذلك بعض الأغراض الشخصية لكل منهم من لباس ولحاف وحصيرة لافتراشها على الأرض وقت الراحة او النوم.


ولم تكن الطرق معبدة كما هي اليوم، بل كانت وعرة. وكان السفر عبر صحراء خالية من الخدمات أمر صعب، وبالتالي تكثر محطات الوقوف في البلدان التي تقع على طريق الحج، التي كانت تنتفع بمرور الحجاج عبرها وتزدهر الحركة التجارية فيها، كما أن أهلها يستعدون لاستقبال مثل هذه القوافل، في موسم الحج.


ويتعرض الحجاج في سفرهم إلى معاناة كبيرة تتمثل في المدة التي يقضونها والتي تصل الى ثلاثة اشهر - ذهابا وايابا، وتنقطع أخبارهم ويعانون من السفر وصعوبته، وما يتعرض له البعض من امراض، وربما مات بعضهم في الطريق، ولا يعلم أهله ذلك إلا بعد عودة الحجاج الى ديارهم، لهذا كانت مواقف ولحظات الفراق والوداع صعبة مبكية.


وكان الراغبين في اداء فريضة الحج يتهيأون لرحلتهم في وقت مبكر ويسافرون قبل الموعد المقرر للحج بعدة اسابيع، وذلك بسبب صعوبة الطريق ووحشتها، ومن ناحية ثانية، فان طبيعة الرحلة إلى بيت الله الحرام حافلة بالرغبة الملحة والشوق الملتهب لزيارة البيت العتيق ومثوى الرسول الكريم. وكان لا بد لكل تلك الاحاسيس الانسانية ازاء الرحلة المقدسة الطويلة ان تبرز في الاغاني الاوساط الشعبية بهذه المناسبة التي تعبر عن شوق العاجزين الى الذهاب الى مكة وتمنياتهم للذين اكرمهم الله بزيارة الكعبة المشرفة بالعودة الى ديارهم وأهلهم سالمين غانمين.



السفر للحج:


الحج بين الماضي والحاضر


كان الذين يعقدون النية لاداء فريضة الحج، يبدأون منذ بداية شهر ذي القعدة، أي الشهر الحادي عشر من السنة الهجرية، بتهيئة انفسهم لرحلة الحج الى بلاد الحجاز. ودأبَ اهل قلقيلية - كما هو حال باقي القرى الفلسطينية - على وداع حجيجها بما يملكون من كلمات واناشيد لها مذاقات خاصة تناسب الموقف، أُطلق عليها اصطلاحا "التحنين"، لتكون حنينا وشوقا إلى ذاك المكان الذي يحمل كل المعاني وأطهرها.


ويمتلئ التحنين بالحزن والحنين إلى الكعبة المشرفة وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم وزيارة الديار الحجازية ومصدر الحزن هنا هو الوداع الصعب.


ومثل هذه المناسبة تتيح الفرصة للنساء ليتغنين باغاني "التحنين" للحجاج، وهي اغانٍ واناشيد تتميز بانغامها اللطيفة والحانها الرقيقة. فتتجمع النسوة في بيت الحجاج العازمين على أداء الفريضة، وتبدا النساء، قبل بدء السفر باسبوع، بالذهاب الى منزل الحاجة او الحاج الذي يعتزم السفر، ليتغنين هناك بما يحضرهن من اغاني التحنين، يتخللها الشوق والحنين والكثير من الدموع. ويجلسن في صفين متقابلين، ترد كل منهن على الأخرى.


بعد البداية التي تعبر عن السفر والرحلة الطويلة التي تعني فراقًا قد يطول، تبدأ النسوة بمدح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن خلال ثنايا الغناء ترد إشارات لبعض وقائع الهجرة النبوية واختباء الرسول مع رفيقه أبى بكر الصديق في غار ثور.


فالأناشيد الخاصة بوداع الحجاج كمكون شعبي لتقاليدهم وتراثهم يعكس فرحهم وشوقهم لرحلة الحج. فعمق الفرحة التي تغمر قلوب من كتب الله لهم الحج وأهاليهم تنعكس على أناشيدهم التي تعكس حنينا وفرحا وشوقا يصعب وصفه من جهة، وحزنا وأسى وأملا من جهة أخرى ممن لم يتمكنوا من الذهاب الى الحج. فينبعث الشوق والحنين لزيارة ديار الرسول الكريم، وقبره صلى الله عليه وسلم:


التحنين أو الترويدة للحجاج
التحنين أو الترويدة للحجاج

وداع الحجاج:


وعند اقتراب موعد شد الرحال يقوم بوادعهم اهل القرية جميعا. فيذهب المودعين من الرجال الى المضافات او الدواوين، وتذهب النساء المودعات الى بيوت النساء القاصدات الحج الى بيت الله الحرام، وهم يتمنون لهم العودة سالمين غانمين بإذن الله.. ويشتد غناء التحنين ويرتفع صوت النساء بشكل اكثر باغاني الوداع للحجاج، وكانهن يودعن اناس قد لا يعودون الى اهلهم. ولعل الوداع من أصعب المواقف على الناس، لأن فيه الفراق وهو أمر غير مقبول بعد الاجتماع، ولا مرغوب عند المتآلفين. لهذا كان السفر مقترناً بالوداع، والوداع مقترناً بالبكاء والإحساس بالفراق. فيبكي الرجال والنساء، مع الدعاء للحجيج بأن يحفظهم الله تعالى ويحميهم من مشاق السفر وعواقبه ويعيدهم إلى أهلهم وديارهم سالمين، ويحملونهم السلامات للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولمدينته المنورة.


وتمتاز هذه الأغاني بطابع الشوق الذي يشيع في ثناياه والذي يعبر عنه بالصوت الممطوط الحنون


التحنين أو الترويدة للحجاج


ولفلسطين، عادات خاصة بها تميزها عن باقي الدول والمناطق المحيطة بها، حيث يبدأ الأهالي في زيارة منزل الحاج المسافر لتوديعه، وطلب الدعاء لهم في الأراضي المقدسة.


وتوارثت الأجيال عادة شهيرة في وداع الحجاج يقوم بها النساء، وهي ما تعرف بـ (التحنين) أو (الترويدة)، وهي عبارة عن أناشيد وأهازيج لتوديع الحجاج، و(التحنين) يتضح من اسمها أنها تعبر عن شوق الجميع لأداء فريضة الحج، حيث تتجمع السيدات في منزل من ستذهب للحج، ويجلسن في صفين متقابلين أو في شكل دائري ويقمن بترديد الأهازيج، ومن هذه الأهازيج:


"حجنا طاح البحر في يده كيله.. يا رب ترده سالم للعيلة"، و"حجنا طاح البحر في يده الإبريق .. يا رب ترده سالم من الطريق".


ومنها أيضاً: "يا زايرين النبي خذوني في محاملكم.. لا أنا حديد ولا روباص أثقِّلْكُمْ".


كذلك: "خُذوني خُذوني يومٍ نَويتوا عالسّفَر.. لا تتركوني يحفظكم رب السما"، ومنها أيضاً: "ناموا ناموا ناموا وعيوني ما بتنام ..على بير زمزم نصبوا الخيام".




طاب الحنين حننوا حننوا
تيجوا سالمين يا صحاب النبي تيجوا سالمين
المحنن الله حننوا حننوا
المحنن في السما تروحوا وتيجوا سوى يا صحاب النبي
خذونا معاكم إن نويتوا السفر
خذونا معاكم ما نصبر بلاكم يا صحاب النبي
ما نطيق الفراق ما نصبر بلاكم
خذونا خذونا إن نويتوا السفر لا تفارقونا
ما نطيق الفراق لا تفارقون



مدحنا نبينا أول المبتدا مدحنا نبينا
أبو القاسمينا والحسن والحسين أبو القاسمينا
مدحنا محمد ثاني المبتدا مدحنا محمد
أبو القاسم أحمد والحسن والحسين أبو القاسم أحمد
مدحنا جمالو ثالث المبتدا مدحنا جمالو
أبو البكر جارو والحسن والحسين أبو البكر جارو

وتسيل الدموع على الخدود، ويبلغ الشوق إلى الحرم الشريف أقصاه، وتمر اللحظات وتتضاءل صورة قافلة الجمال التي ما تلبث ان تختفي تماما وراء التلال، وتعود الوجوه المودعة إلى منازلها منتظرة اليوم الذي ستعود فيه.

عودة الحجاج:


رغم بكاء وعويل الأهل والأحبة عند وداع الحجاج، فان عودتهم سالمين محملين بالهدايا امر مبهج، وفرحة لا توصف، وخاصة عند الأطفال الذين ينتظرون هداياهم بفارغ الصبر.


ويبدأ العد التنازلي لاستقبال الحجاج بعد انقضاء شهر ذو الحجة، ويقدِّر لهم من سبق لهم الحج، مسافات السير، والوقت المتوقع للوصول. وتزين الميادين وتنار الأماكن العامة مثل الدواوين والساحات، احتفاءً بقدوم ضيوف الرحمن سالمين غانمين مغفوري الذنوب، وبذلك تعمّ الفرحة والبهجة أنحاء البلدة، وتزين البيوت التي يذهب أصحابها إلى الحج بسعف النخيل، وهو بمثابة ترحيب بالحاج، واعلام الناس ان شخصا حج من اهل هذا البيت. ويقوم البعض بتثبيت يافطة على باب البيت يكتب عليها:


"اهلا وسهلا بحجاج بيت الله الحرام".


"حج مبرور.. وسعي ومشكور.. وذنب مغفور.. وتجارة لن تبور".


ويترقب أهالي القرية وصولهم في كل يوم ليلاً ونهاراً، وفي اليوم المحدد ومنذ بزوغ الشمس، يتجمهر الجميع في ساحة البلدة أو في مشارفها، فإذا أقبلوا، أسرع بعض أهالي البلدة لمقابلتهم على مسافة بعيدة، يسألون عن إخبارهم، ويستبشرون بعودتهم جميعا سالمين، ثم يسبقونهم الى القرية ليخبروا أهليهم ويزفون لهم البشرى بسلامة الحجاج، فتعم الفرحة الجميع، ويوقظ النيام من شدة فرحهم، وتغمر بهجة الفرح الوجوه عند سماع أخبار عودة الحجاج، ويترقبون لحظة الوصول بلهفة وشوق.. ويخرج أهالي قلقيلية جميعا لاستقبالهم وتهنئتهم بسلامة العودة، وعندما يقترب الحجاج من أبواب بيوتهم المزينة يسعف النخيل يستقبله أهله بالزغاريد، معبرين عن فرحهم وتهنئتهم له بالحج وبعودته سالما وربما بقوا طوال الليل وهم يتبادلون الأحاديث معهم، فرحين بوصولهم سالمين.


وفي اليوم التالي لوصولهم يتوافد الناس الى بيت الحاج او الى المضافة او الديوان ان لم يكن لديه متسع في البيت لاستقبال المهنئين، ويعانقونه وهم يرددون قولهم: "الحمد لله على السلامة..حج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور إن شاء الله". ويرد عليهم الحاج: عقبال عندكم إن شاء الله. ويحتسون القهوة مع حبات من التمر الحجازي، ويشربون من ماء زمزم الذي يكون قد احضره الحاج معه من مكة، فيجعل الأفئدة مشرعة للشوق الذي يشتعل فيها بمحبة كبيرة لزيارة الكعبة، لأداء فريضة كتبها الله على عباده المسلمين.


ويقدم الحاج في العادة للمهنئين بعض الهدايا التذكارية الذي يكون قد احضرها من مكة المكرمة او المدينة المنورة، مثل سجاجيد الصلاة، والحطات والطواقي والدشاديش والسبحات والعطور للرجال، والحناء والخواتم والاساور والعقود الفضية وملابس الصلاة والبخور وأعواد الند والقلائد للنساء، والهدايا و"الدوادح" للاطفال ..الخ.


اما النساء فتتوافد الى بيت الحاج او الحاجة لعدة ليالي، ويتغنين بفرحة وصول الحجاج سالمين والتهنئة باختتام فرائض الاسلام، والقبول عند رب العالمين.


ويستشعر الحاج بعد قضاءه مناسك الحج وعودته سالما غانما الى اهله وبلده بأنه عاد إلى الحياة بلا ذنوب، وتحيط به هالة من الوقار والتبجيل، لانه اصبح من الاتقياء المقربين. ويستحب أن تطلق كنية "الحاج" على الشخص الذي أدى فريضة الحج، وذلك تكريما وتعظيما للبيت الله الحرام الذي حج اليه.

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. ام ايمن7/03/2018

    اسمها التراويد كانو النسوان يتجمعن ووحده ترود والباقي يردو من غير دف ولا طبله ذكريات من العمر

    ردحذف

إرسال تعليق

محتويات المقال