القائمة الرئيسية

الصفحات

شهر رمضان في قلقيلية

رمضان بين الماضي والحاضر

"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون"


كانت حياة الناس بسيطة هانئة تشيع في النفوس الطمأنينة والهدوء.. وكان لكل فصل من الفصول، لونه وشكله الخاص، وعنفوانه الذي يتفجر بالعطاء والأمل، وكانت تمرُّ الشهور تلو الشهور، تطوي الايام طياً، تاركةً وراءها أطيب الأثر، واحلى الذكريات، وخاصة ايام وليالي شهر رمضان المبارك، الذي كان الناس يترقبون قدومه باهتمام بالغ ويهيئون أنفسهم لاستقباله، وكأنهم يستقبلون أخاً او ابناً عزيزا غاب عنهم زمناً طويلاً.

يأتي رمضان على المسلمين فتبدأ مظاهر الفرح وتتزين الشوارع وتعمر المحلات التجارية بالمنتجات التي اعتاد الناس على شرائها في رمضان، وتكتظ الأسواق بالناس الذين يستعدون لاستقبال الشهر الكريم، ويقومون بتوفير حاجاتهم من المواد الغذائية والتموينية مثل قمر الدين والتمر والجبن والمخلالات، قبل عدة ايام من حلول الشهر الكريم. 


وعند ثبوت رؤية هلال شهر رمضان يوم التاسع والعشرون من شعبان، كانت المحكمة الشرعية تعلن للناس حلول الشهر الكريم من خلال ائمة المساجد، واذا اعلن عن ذلك قبل صلاة العشاء تقام في تلك الليلة صلاة التراويح في المساجد، واذا اعلن عن ذلك بعد انقضاء صلاة العشاء، اقام الناس صلاة التراويح في بيوتهم او في الدواوين. واذا اتمّ شهر شعبان يومه الثلاثون، فمن الطبيعي ان تقام صلاة التراويح في المساجد مباشرة بعد اداء صلاة العشاء..



وفي يومنا هذا يعلن عن حلول شهر الصيام من خلال سماعات المساجد، كما يطلق "الزامور" لعدة مرات متتالية، معلنا بدء الشهر الكريم. ويقوم المؤذن بتلاوة بعض الآيات من القران الكريم المتعلقة بالأمر بالصيام: "يا أيها الذين أمنوا كتب عليك الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".


وما أن يحل شهر رمضان حتى ترى المصالحة والمسامحة بين كل من كان بينهم خلال السنة من خصام او هجران. ويقوم الناس بعمل الأكلات الشعبية ويدعو رب الأسرة بناته المتزوجات وأبناءه المتزوجين، ويتجمعون حول المائدة ويتناولوا معا طعام الإفطار، لاستشعار بركة هذا الشهر الفضيل، الذي يغمر القلوب بالألفة والمحبة والفرحة.


وما أن يبدأ الصيام حتى تكتظ المساجد بالمصلين ويحرصون على اداء الصلوات الخمس جماعة في المساجد، كما يصلون النوافل، وتعمر المساجد بصلاة التراويح، بعد صلاة العشاء. كذلك ينكب الناس على قراءة القرآن وتتجه القلوب إلى الله بالدعاء بالمغفرة والرحمة.


وتقول الحاجة رابعة هلال: "شهر رمضان شهر خير وبركة وصلاة وعبادة، كنا نستعد له قبل قدومه بأسابيع، ونقوم بتحضير الأكلات والمخللات والحلويات، وكان يأتي رمضان وتأتى معه الفرحة والبهجة. أما الآن فلم نعد نشعر بتلك الفرحة التي كنا نشعر بها عندما يحل شهر رمضان، لقد كانت البيوت تتزين، والأطفال يخرجون لللَّعب في الشوارع والحارات، وهم يحملون الفوانيس فرحين بقدوم هذا الشهر الكريم". وكان الاطفال يصنعون الفوانيس من البطيخ بعد تفريغها وتثقيبها ووضع شمعة في وسطها، بعد ذلك اخذت تصنع من الكرتون الملون. اما الان وان قلّ الى حدٍ كبير اهتمام الاطفال بهذه الفوانيس في عصر البلاي ستيشن والاتاري، فانها تستورد من الصين وتضاء بلمبات تعمل على كهرباء البطارية.


وكان الناس يستيقظون في الهزيع الأخير من الليل على دقات طبل "المسحر" المرحوم الشيخ عواد الذي قدم مع اخيه الشيخ مبارك من الحجاز ،واقاما بصفة دائمة في قلقيلية. وكان الشيخ عوّاد يطوف بحارات البلدة الموحشة وازقتها المظلمة، وهو يدق على الطبل ويردد بأعلى صوته، يحث الغارقين في النوم على النهوض لتناول طعام السحور:


"اصحَى يا نايم ... وحِّد الدايم ... رمضان كريم".


وفي الليالي المقمرة كان ألاولاد يرافقون الشيخ عواد أثناء تجواله بين البيوت في ازقة الحارة وشوارعها.


وكانت الأمهات يقمن بتحضير طعام السحور اقتدءا بسنة الرسول الكريم "تسحروا فان في السحور بركة". بعد تناول وجبة السحور يتوجه الناس كبارا وصغارا إلى الجامع القريب من الحي لقراءة القرآن حتى أذان الفجر، فيصلون صلاة الفجر جماعة ويعودون لبيوتهم للنوم او الراحة حتى الصباح، وبعد شروق الشمس، يذهبون إلى أعمالهم. اما المزارعين فيذهبون للعمل في اراضيهم مباشرة بعد اداء صلاة الصبح.


وقبل سنوات الثلاثينيات كانت يتوافد الأطفال إلى فناء المسجد القديم، حيث ينتظرون إلى أن يرفع المؤذن آذان المغرب، معلنا انتهاء يوم الصيام، وبمجرد أن يقول المؤذن "الله اكبر" يتراكضون إلى بيوتهم فرحين وصائحين بأعلى أصواتهم:


"افطروا يا صايمين ع المخدة مدحدلين"


كان الأذان قديما يُرفع بدون مكبرات صوت، وبقي كذلك حتى عام 1962م، عندما اقيمت محطة توليد للكهرباء في قلقيلية. وكان المؤذن يرفع الآذان من على ظهر المسجد، والذي كان بالكاد يسمعه الجيران.


وفي سنوات الثلاثينات من القرن الماضي، كان المرحوم محمد الشيخ حسين صبري ، وهو جار المسجد- يقوم بإطلاق طلقة من وانتهاء يوم الصيام، اذ لم تتوفر في قلقيلية في ذلك الوقت اي وسيلة أخرى لإعلام الناس عن وقت حلول موعد الإفطار. وكانت البلدة صغيرة وهادئة، بحيث كان يسمع الناس صوت الطلق الناري، وكان الشيخ محمد صبري يكرر ذلك وقت السُّحور للامساك عن الطعام. وكذلك عند ثبوت رؤية هلال شهر رمضان وهلال شهر شوال. 

شهر رمضان في قلقيلية

وبعد بناء مئذنة المسجد القديم عام 1942م، تم إحضار زامور من مصر لهذه الغاية، ووضع الزامور على مئذنة المسجد. وكان الزامور يدار باليد، وله ذراع بطول نصف متر مثبت احد طرفيه في وسط الزامور، بينما الطرف الاخر ينتهي بمقبض يمسك به الشخص الذي يدير الزامور، ويبدأ بتحريكه بشكل دائري من اليمين الى الشمال، كما تدور عقارب الساعة، فيخرج صوتا مدويا يصل الى اسماع الناس في كل ارجاء البلدة، وحتى القرى المجاورة.

وعند قرب حلول آذان المغرب في شهر رمضان، يصعد اثنين او ثلاثة من الفتيان الى اعلى المئذنة، حيث يوجد الزامور، ويتناوبون على تدوير ذراع الزامور. وما ان يبدأ المؤذن برفع آذان المغرب، حتى يبدأ احد الفتيان بتدوير ذراع الزامور، وبكل قوة ثم يتركه، فيصدر الزامور صوتا مدوياً. وقبل ان يتوقف الذراع عن الدوران، ياتي دور الفتى الاخر.. وهكذا . وتتكرر هذه العملية عند رفع آذان الفجر الاول، وهو وقت حلول الامساك. وفي العادة يكون عدد الزمرات ثلاثة وقت الافطار، وزمرة واحدة طويلة وقت الامساك.

ومن فوق أسطح منازلهم أو من الأماكن العالية في حاراتهم، كان الأطفال يراقبون الفتيان وهم يديرون ذراع الزامور. وعندما ينطلق صوت الزامور يهرع الأطفال الى بيوتهم فرحين ليشاركوا أهلهم طعام الإفطار.

وبعد عمل مشروع توليد الكهرباء في قلقيلية تم تركيب ماتور للزامور ليدار بقوة الكهرباء، ونقل الى مسجد السوق (علي بن ابي طالب) وأصبح يعمل بمجرد الضغط على مفتاح الكهرباء من غرفة المؤذن أسفل المئذنة.


واحتل الزامور مكانة خاصة في قلوب اهالي قلقيلية في شهر رمضان، حيث لم يقتصر على كونه وسيلة لإشعارهم بانتهاء او بدء صوم يوم جديد، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من شهر رمضان الفضيل، وواحدا من معالم تراث قلقيلية الشعبي، وهو تقليد لا يوجد الا في مدينة قلقيلية، التي تنفرد به عن سائر المدن والقرى الفلسطينية، وربما ايضا الدول العربية والاسلامية.


فالزامور يدخل البهجة والسرور في قلوب الصغار والكبار، حيث ينتظر الجميع قبل الإفطار متلهفين سماع صوت الزامور الذي يدوي صوتة في ارجاء المدينة. ورغم ان هذا التراث الجميل قد انتفى السبب الذي وجد اصلاً من اجله (وهو اعلام الناس بموعد الإفطار والإمساك، في الوقت الذي لم يكن هناك اية وسيلة اخرى بديلة، وحيث اصبح يرفع الاذان بمكبرات الصوت القوية من فوق مآذن سبعة وعشرين مسجدا تشق عنان سماء قلقيلية)، الا ان اهالي قلقيلية اصروا على بقاء الزامور، لاعلان مواعيد الافطار والإمساك في رمضان، باعتباره من أهم الوسائل الاعلانية التقليدية التي تعوَّد عليها المواطنون خلال شهر رمضان الكريم. وينجذب اهالي قلقيلية نحو سماع صوت الزامور ليس لانه وسيلة اعلانية فقط، بل لأن سماعهم صوت الزامور يكتسب لديهم أهمية نفسية ووجدانية، حيث يبعث الفرحة والارتياح في قلوبهم، وهو وسيلة ايضا للتواصل مع الآباء والاجداد، وتذكير بالماضي العريق، وعادات سادت فيها طقوس الشهر الكريم، قبل أن يختفي الكثير منها مع طغيان النمط الحضاري المعاصر.


ومن المفارقات اللطيفة ان الناس في قلقيلية يفطرون ويمسكون على سماع صوت الزامور، وليس على سماع صوت الاذان، فلا يطمئن الناس الى حلول وقت الافطار او الامساك الا بسماع صوت الزامور. وكثيرا ما يشعر الناس بالخيبة والاحباط عندما يتعطل الزامور، ولا نسمع صوته وقت حلول الافطار او الامساك، فلا طعم ولا بهجة لشهر الصيام في قلقيلية بدون سماع صوت الزامور!!


وقد استخدم الزامور في سنوات الأربعينات لتنبيه الناس وتحذيرهم من احتمال حدوث اعتداءات على قلقيلية من الجماعات اليهودية، ولاستنفار المجاهدين في قلقيلية والقرى المجاورة، لاستجماع القوى، ويكونوا على اهبة الاستعداد لصد أي اعتداء محتمل على البلدة.


كما استخدم الزامور في حرب عام 1967م، حيث كان يصدر صفيراً متقطعا لإعلام الأهالي عن قرب حصول غارة من قبل الطائرات الإسرائيلية المعادية، فيسارع الناس إلى الاختباء وإطفاء الانوار اذا كانت الغارة ليلا، ويعود الزامور ليدوّي مجدداً بشكل متواصل، إشارة إلى انتهاء الغارة وزوال أسباب الخطر


وقد نقل الزامور عام 2008م الى منطقة المشروع، وهي منطقة مرتفعة نسبيا، حتى يصل صوته إلى كل المناطق في قلقيلية وقراها المجاورة.


وكانت تتسم ليالي رمضان بالسهر والبهجة والفرحة، وبعد الغروب تضاء الشوارع والمآذن والدكاكين وتعرض انواع الحلوى والمشروبات، وكل ما يتوفر من ماكل ومشرب حلال بعد وجبة طعام اكلها الصائم. وفي ليالي رمضان يجتمع الناس ليسهروا في بيت او مضافة او على الطرقات يتجاذبون اطراف الحديث.


وبعد صلاة العصر يجتمع المصلون حول امام المسجد ليفقههم في الدين، ويتلوا عليهم دروسا فيها المواعظ والعبر، أو من بعض سير الصحابة، أو عن فوائد الصيام، وبركات الشهر الكريم، ويحثهم على ترك المحرمات، كالغيبة والنميمة والغش واكل مال الحرام .. وغيرها.


وفي صلاة أيام الجُمَع يتطرق الخطيب في العادة إلى فضائل الشهر الكريم، والفتوحات الإسلامية والمعارك التي دارت رحاها في شهر رمضان، كمعركة بدر وفتح مكة.. وغيرها من المناسبات الإسلامية. ويسمى البعض آخر يوم جمعة من شهر رمضان بالجمعة "اليتيمة"، او الجمعة الحزينة، إشارة إلى أنه يوم لن يتكرر، وإظهاراً لمشاعر الأسف على انقضاء الشهر الكريم، شهر الخير والمحبة.


وكانت السهرات تطول في المضافات والدواوين حتى وقت السحر، وعندما يطوف "المُسحَّراتي" (الشيخ عواد) في إرجاء البلدة وهو يردد "يا نايم .. وحِّد الدايم .. رمضان كريم"، يعود الساهرين الى بيوتهم لتناول وجبة السحور، ومن ثم الخروج ثانية للمساجد لاداء صلاة الصبح جماعة.


وينتشر في رمضان باعة الحلويات الشهيرة كالكنافة والبرمة والمعجنات والبقلاوة والكلاج والمعجنات، وكذلك القطايف التي تحشى بالجوز أو الجبنة، وتشوى في الفرن ثم يضاف لها القطر –السكر المعقود- المعد خصيصا لذلك. كذلك تباع العصائر بأنواعها وألوانها المختلفة خاصة الخروب والتمر الهندي والعرق سوس، وتفتح كذلك المطاعم ابوبها لبيع الحمص والفلافل، ومنها ما تقوم بعمل القطايف. كما تزدحم بسطات الخضرة بـ "ضمّات" البقدونس والفجل والبصل الأخضر والجرجير التي لا تخلو منها مائدة الافطار في رمضان. وترتسم البسمة على وجوه الجميع، وهم يحيون بعضهم البعض بقولهم: "رمضان كريم"، فيردون التحية بقولهم: "الله أكرم". هذا هو حال الناس في شهر رمضان، شهر البركات والخيرات،


وفي رمضان تقام موائد الافطار التي تكرس اما لصلة الرحم او لتوثيق العلاقات بين الناس، او اقامة الولائم لوجه الله تعالى او صدقة عن أرواح الموتى. وتقام موائد الافطار العامة في المساجد، ويوضع لافتة في على باب المسجد تدعو الناس للمشاركة في تناول طعام الافطار. وغالبا ما تقام هذه الموائد على نفقة وبتبرع من بعض الأغنياء في الخليج العربي طمعا في الاجر والثواب، باطعام صائم تأسّيا بقول الرسول الكريم "من فطر صائما فله مثل أجره".


وكان من عادات قلقيلية قديما ان تقام مآدب الافطار في الدواوين والمضافات طوال أيام شهر رمضان، للغرباء والفقراء من اهل البلدة. وقبل الإفطار كان الجيران يقومون إرسال اطباق الطعام إلى بعضهم البعض، وهذا ان دل على شيء فانما يدل على طيب العلاقات التي كانت تسود بين الجيران في الماضي.


وعند انطلاق صوت آذان المغرب، أو زامور الإفطار، يبدأ الناس افطارهم بتناول بعض حبات من التمر او شرب الماء وفقا للسنة النبوية، ويدعون بالدعاء التالي: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلّت العروق وثبت الأجر إن شاء الله". ثم يتناولون طعام الإفطار الذي يحفل بأنواع اللحوم والسلطات والشوربات.


ومن أهم ما يميز موائد شهر رمضان الكريم هو تنوع الأطعمة، كالمحاشي بانواعها، والخضار واللحوم والدجاج والصواني المشوية، كل حسب قدرته المادية. ولا تكاد تخلو مائدة من أطباق السلطات الغنية بالخضار والشوربات اللذيذة. يتبعها في العادة تناول بعض الحلويات المشهورة واهمها القطايف والنمورة والعوامة والفطاير، اضافة الى شراب التمر الهندي والخروب والعرق سوس، وكذلك تناول حبات من التمر مع القهوة العربية.


وما ان ينتهي الإفطار حتى تعم الفرحة كل مكان في أرجاء قلقيلية، حيث يخرج الأطفال إلى الشوارع يلعبون ويمرحون، ويخرج الناس الى المساجد لتأدية صلاة المغرب، وقد يجتمعون في اليت او الديوان ويصلونها جماعة. وقد يمكث البعض في المساجد لقراءة القرآن الكريم، حتى آذان العشاء لتأدية صلاة العشاء وبعدها صلاة التراويح.


وتتوفر في بعض المساجد سدّة او طابق ثاني، مما يتيح للنساء اداء صلاة العشاء والتراويح في المسجد.


كما تصلي النساء صلاة العشاء والتراويح في مدرسة النور لتحفيظ القرآن الكريم، وتقع بالقرب من مسجد الحاجة فريال هلال، والتي أسستها وتشرف عليها المدرّسة الفاضلة السيدة الهام العتمه زوجة المرحوم الحاج زهير هلال..


وفي وقتنا الحاضر تصلى صلاة التراويح في العادة ثمان ركعات، تتبعها ركعتين من الشفع وركعة من الوتر. وفي بعض المساجد يكمل بعض المصلين صلاة التراويح بعد انتهاء الثمان ركعات، ويتم اختتام جزء واحد من القرآن يوميا. وكانت تصلى صلاة التروايح في المسجد القديم في زمن الشيخ مصطفى صبري ونجله الشيخ حسن صبري وحفيده الشيخ هاشم بعشرين ركعة، تتبعها ركعتان من الشفع وركعة واحدة من الوتر. ومن الناس من يلتزم بالسنة النبوية ويؤخر صلاة الوتر إلى آخر الليل، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا".


وكان مقيم الصلاة يُنادي في المسجد لأداء صلاة التراويح بما يلي:

اللهم صلي على محمد ** وعلى آل محمد، صلاة التراويح** من قيام رمضان **آجرنا وآجركم الله.

نبينا محمد نور الهدى صلوا عليه
الصديق العتيق ابا بكرٍ الصديق ترضوا عليه
إمام المسجد والمحراب عمر بن الخطاب ترضوا عليه
جامع القرآن عثمان بن عفان ترضوا عليه
فارس المشارق والمغارب علي بن أبي طالب ترضوا عليه

وعقب التسليم بعد أداء أول ركعتين ينشد جميع المصلين:

يا حنّان يا منّان *** أ جرنا من عذاب النار
يا ذا الجود والإحسان *** ثبّتنا على الإيمان

وفي جو إيماني جميل وخشوع وانكسار إجلالاً لله عز وجل ينشد جميع المصلين بعد أداء الأربع ركعات الأولى:


لا اله الا الله *** وحده لا شريك له
له الملك *** وله الحمد *** يحي ويميت **
وهو على كل شيء قدير
اللهم انا نسألك رضاك والجنة *** ونعوذ بك من سخطك والنار
نسألك اللهم رضاك والجنة *** ونعوذ بك من سخطك والنار

بعد اداء صلاة التراويح يذهب بعض الناس لزيارة الاقارب والاصدقاء، والبعض الآخر يذهب للتمشي او السمر خارج البيت، وقد يذهبون إلى المقاهي لشرب القهوة وتدخين الشيشة. ومنهم من يجلس أمام التلفاز يشاهد ما يعرض على شاشته من برامج متنوعة ومسلسلات.

ليلة القدر في قلقيلية:

وتمضي أيام رمضان حتى العشر الأوآخر، حيث تحيي بعض المساجد هذه العشرة ايام من الشهر الكريم، وتستمر صلوات التهجد حتى آخر الشهر، والى وقت السحور. وتقع ليلة القدر بين هذه الأيام العشرة، ويرجح البعض أنها ليلة السابع والعشرين، وهي ليلة مباركة يستجاب فيها الدعاء. يبدأ الناس بإحياء ليلة القدر بعد صلاة التراويح مباشرة، بصلاة النوافل جماعة، وقراءة القرآن الكريم. لكن ليلة القدر تتميز عن سائر الأيام العشر الاواخر، حيث تعجُّ المساجد بالمصلين صغارا وكبارا شيوخا وشبابا. ويقوم الناس باحياء ليلة القدر تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى وطلبا للمغفرة والرحمة، لأن الله تعالى خص بها عباده الصالحين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنها لمن أحياها خير من ألف شهر عبادة، لقوله تعالى: "إناّ أنزلناه في ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلام هي حتى مطلع الفجر".


ويقوم غالبية الناس بإحياء ليلة القدر في مساجد قلقيلية، كل حسب منطقة سكناه، ومنهم من يلتزم بيته لإحيائها فيه، وهؤلاء قلة قليلة لمرض او عجز. ويذهب بعض الناس - إذا تيسَّر لهم ذلك- ليلة السابع والعشرين إلى بيت المقدس لإحياء ليلة القدر في المسجد الأقصى المبارك.


وفي المعتقد الشعبي، فإن سعيد الحظ، هو الذي تنفتح له طاقة القدر، وهي في تصورهم نافذة تنفتح في السماء فجأة للشخص الموعود، ويتدفق منها نور باهر، ثم تنغلق فجأة كما انفتحت، فيدعو الله بما يشاء، ويطلب ما يتمناه قبل ان تنغلق الطاقة، فيستجاب دعاءه باذن الله.

ويعتقد الناس انه قد تنفتح " طاقة القدر" لأحد الناس، لكنه قد ينبهر بانهمار النور وشدة سطوعه، وقد تنغلق الطاقة قبل أن يدعو الله بما يشاء.


وينتهي إحياء ليلة القدر في وقت السحور تقريباً، فمنهم من يتناول وجبة السحور في المسجد، حيث يقوم بعض اهل الخير بالتبرع بهذه الوجبات لوجه الله تعالى، ومنهم من يذهب إلى بيته، لتناول وجبة السحور، ثم يعود إلى المسجد لتأدية صلاة الفجر جماعة.


ويُخرِِج أهالي قلقيلية زكاة الصيام "الفُطَر" في العشر الأواخر من رمضان وتستمر حتى صبيحة أول أيام عيد الفطر، وقبل أداة صلاة العيد، حيث توزع على الأسر الفقيرة والعائلات المستورة. وكانوا لا ينسون بجعل نصيبا منها للمسحراتي (الشيخ عوّاد) الذي بقي كذلك حتى توفاه الله عام 1973م.في الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان، يستعد الناس لاستقبال العيد، ويعرض بائعوا الحلويات والمكسرات بضاعتهم في الشارع الرئيسي (ش. عبد الرحيم السبع) ومنطة السوق، حيث يتنافسون في عرض بضائعهم على المشترين. ويتدفق الناس بكثرة في هذه الفترة على أسواق المدينة لشراء لوازم العيد من ملابس ولحوم وحلويات وفوكه، ولا يزال بعض الناس يحرص على عمل الحلويات المنزلية، مثل الكعك والمعمول.. وغيرها.

وفي الأيام الثلاثة الأواخر من شهر رمضان كان الناس "يوحِّشون" رمضان بعد صلاة التراويح، وتتساقط دموعهم تعبيرا عن الأسى والحزن لقرب انتهاء الشهر الكريم:


لا أوحش الله منك يا رمضانا ... يا صاحب الخيرات والإحسانا
شهر منير على الشهور جميعها ... والمصطفى بصيامه أوصانا
لا اوحش الله منك يا شهر الصيام ... من صامه ينجو من النيرانا
يا ليت شعري* هل نعود ونلتقي ... في مثل هذا الشهر يا اخوانا
شهر الصيام قد انقضت ايامه ... في سرعة وكأنه ما كانا
فيه الجنان تفتحت لقدومه ... وتزيّنت بالحور والولدانا
يا ربنا وبجاه طه المصطفى ... تجعل جزانا العفو والغفرانا
يا رب صلي على النبي وآله ... ما هبَّ ريحٌ حرّك الاغصانا

وداعاً يا شهر رمضان، وداعاً يا شهر القرآن، وداعاً يا شهر الصيام، وداعا يا شهر الرحمن، وداعاً يا شهر القربات، وداعاً يا شهر الجود والإحسان، وداعا يا شهر الخيرات والبركات، وداعاً يا شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران، وداعاً يا شهر التهاليل والتسابيح، وداعا يا شهر القيام والتراويح، وداعا يا شهر الزكاة والصدقات، وداعاً يا شهر الدعاء والابتهال، وداعاً يا شهر الطاعات والاعمال الصالحات، وداعا يا شهر التوبة والقبول واجابة الدعاء، وداعاً يا شهر الفتوحات والانتصارات، وداعاً يا مؤلف القلوب، ومحبب النفوس، وموحد الصفوف، وجامع الاهل والاصحاب والاحباب، وداعاً أيها الزائر العزيز، وداعاً أيها الضيف الكريم، وداعاً يا هديَّة الرحمن، وداعا يا شهر رمضان، يا شهر الخيرات والإحسان.

اللهم أعده علينا وقد وحدت الامة العربية والإسلامية صفوفها وعادت لها عزتها وكرامتها، وأحفظها اللهم من اعدائها الحاقدين، وانعم عليها بالأمن والأمان والاستقرار، واحقن دماء المسلمين في كل مكان يا ارحم الراحمين.

وكان لغروب الشمس في اليوم الأخير من شهر رمضان وقعه الخاص في نفوس الكبار. فقد كانت تعتريهم منذ فترة ما بعد صلاة العصر مشاعر الاسى والحزن على رحيل الشهر الكريم، وكأنهم يفارقون ابناً او أخاً عزيزا عليهم، بينما تعم الفرحة الأطفال الصغار، لانقضاء شهر الصيام، وحلول عيد الفطر السعيد. ويسمي بعض الناس عيد الفطر بـ العيد الصغير، وعيد الأضحى المبارك بـ العيد الكبير.

ويقول الحاج محمد هلال (ابو بلال) انه عند انتهاء شهر رمضان والإعلان عن ثبوت رؤية هلال شهر شوال، كانت ربات البيوت تقوم برش الملح على أبواب الدور، اعتقادا منهن بأنه يمنع الشياطين من دخول البيت، ذلك إن الشياطين تكون مصفدة طوال شهر رمضان، وتحرر من أصفادها بعد انقضائه وحلول العيد.

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. ام ايمن7/03/2018

    شوف لو مية جيل والف رمضان ما بساوي رمضان بزمانا جيل الاربعين كان في امان لدرجة كنا لولاد والبنات نلعب مع بعض ماكنا نفارق بعضنا ابدنا كل حاره الها الشله تبعتها ��������������

    ردحذف
  2. غير معرف3/08/2023

    إدارة الوقت .. إنه الطريق الفعلي لتحقيق الثراء السريع، خير استثمار، متاح بلا وسيط، تجده في كل دار، إنه الوقت الذي لا يدرك قيمته إلا الأثرياء وليس الثراء كله مال إنما عمل مستمر من أجل الاستفادة والتطلع إلى ما هو أفضل، فمن يقرأ فهو ثري في المعرفة، ومن يمارس الرياضة فهو ثري في صحته، ومن يخصص وقتًا لعمله فهو ثري في خبراته، ومن يخصص وقتًا لتدريب ذاته فهو ثري في مهاراته، وحتى ينمو ويزدهر الوقت علينا بالثراء الحقيقي الذي لا يحتاج إلى تخصيص وقت، فكل الأوقات بالنية تصبح عبادات هكذا يكون الثراء، ونحن في رمضان كثيرًا ما نهدر أوقاتنا الثمينة مفتقدين القدرة على تنظيمها والاستفادة منها، فلماذا لا نسعى جميعًا إلى الاستفادة من هذا الشهر الكريم قبل أن يمر ونخرج منه أثرياء من نوع آخر. عوامل ومسببات ضياع الوقت تنصب على ثلاث محددات: الأول: الاتصال مع الذات والذي يتطلب قياس الآتي : الأهداف التي نرغب في تحقيقها. الكيفية التي نقوم بأداء أعمالنا بها. الأرشيف الشخصي وما يحويه من أوراق ربما تضيع الساعات في البحث عنها عند الحاجة إليها. الترتيبات اليومية (المستلزمات الشخصية). الإجهاد (النسيان، السهر، التقوقع في أعمال روتينية). التفكير المستقبلي (اليقين).

    اقرأ المزيد في إسلام أون لاين :
    https://islamonline.net/%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86/

    ردحذف

إرسال تعليق

محتويات المقال