الاشتباكات بعد توقيع اتفاقية رودس عام 1949م
في 29 حزيران عام 1949م، وبعد مضي اقل من ثلاثة شهور على توقيع اتفاقيات رودس، أقدم بعض اليهود المسلحين، على قتل أربعة أشخاص من قلقيلية كانوا يعملون في أراضيهم، في المنطقة المحتلة المجاورة لسكة الحديد في منطقة شمال-غرب قلقيلية، حيث طلبوا منهم وكانوا خمسة أشخاص مغادرة أراضيهم والعودة الى بيوتهم، وما كادوا يبتعدون قليلاً عنهم باتجاه قلقيلية، حتى أمطروهم بوابل من الرصاص، فقتلوا أربعة منهم، ونجا الخامس وهو المرحوم أحمد إبراهيم موافي (والد الأستاذ عبد اللطيف - أبو وهيب)، حيث ألقى بنفسه على الأرض عند إطلاق الرصاص، ولم يصب بأي أذى، وبعد انصراف اليهود الذين ارتكبوا هذه الجريمة، نهض من مكانه وعاد سالماً إلى أهله، وقام بإخبار أهل البلدة بما حدث، فذهبت مجموعة من أهالي البلدة، وأحضرت جثث الشهداء. وقد حدثت هذه المجزرة على الرغم من وجود سرية من الجيش العربي في مركز شرطة قلقيلية، التي لم تحرك ساكنا، ولم تطلق رصاصة واحدة على اليهود، بسبب الأوامر الصادرة لها من الجنرال "غلوب" باشا الإنجليزي قائد الجيش الأردني آنذاك
اسماء الشهداء
- عادل يونس عمر حسين نزال
- زكي عبد الكريم حامد موافي
- سعيد سليم حامد موافي
- حسن خليل حامد موافي.
استمرار الاشتباكات:
لم تنقطع الاشتباكات بين أهالي قلقيلية، وسكان المستعمرات المجاورة بعد رسم الحدود في اتفاقية رودس عام 1949م، بل ازدادت ضراوة لان الجيش الإسرائيلي اخذ يشارك فيها. وخلال السنوات الأولى من قيام دولة إسرائيل 1948-1956م، لم يسلِّم كل سكان قلقيلية رجالا ونساء مواطنين ولاجئين بنتائج الهزيمة. واحتفظوا بأسلحتهم النارية وحاول من لم يكن يملك سلاحا امتلاكه، وأخفوها عن عيون رجال المباحث والشرطة الذين وصلوا لاحقا للبلدة كممثلين للحكومة الاردنية، وركزوا عملهم مع حاميتها العسكرية في البحث عن السلاح وجمعه. وشكلت الحكومة الأردنية الحرس الوطني في قلقيلية من أبناء حمايلها وكان عدد أفراده (200) مرابطاً، من كل حامولة (50) فرداً، وكان لكل فرقة منهم قائد حرس وقسمت المواقع على الحدود الى أربعة أقسام: موقع حراسة آل داود غربي قلقيلية، وموقع حراسة آل شريم جنوب غرب البلدة، وموقع حراسة آل نزال شمال وشمال شرق قلقيلية، وموقع حراسة آل زيد جنوب وجنوب شرق قلقيلية.
ولم يقتنع اهالي قلقيلية بان ثمار بياراتهم وارضهم الواقعة امام انظارهم لم تعد ملكاً لهم. وقام الكثير من رجالها بأعمال كثيرة متنوعة وخطرة، لانقاذ اطفالهم من الجوع ومقاومة الواقع الجديد وتحدي كل ما فرضته الاقدارعلى اهل البلدة. وامتهن بعضهم العمل العسكري ضد المحتلين. وامتهن آخرون مهنة التسلل الى اراضي قلقيلية المحتلّة - التي منحتها اتفاقيات رودس مجانا لاسرائيل - "للسرقة" من ثمار بياراتهم التي حرموا من الوصول اليها.
وكانت أعمال التسلل تحدث رغم وجود الحرس الذين كانوا يتلقون الأوامر من السلطات الاردنية بمنع المتسللين. وكان الحرس من أبناء البلدة يتساهلون أول الأمر مع إخوانهم المتسللين مقدرين ظروفهم، وقُتِل الكثيرون منهم وهم ذاهبون لجلب بقرة او حصان او بعض الملابس ومواسير المياه، ونهب كل ما كانت تطوله ايديهم داخل المستعمرات ومن قلب بيوتها. وكانوا يبيعوها باعتبارها مسروقة بابخس الاثمان، وبالكاد كانت تساوي ثمن كمية من الطحين تكفي لسد جوع الاطفال بضعة ايام او اسابيع. وكان رد فعل الاسرائيليين قصفهم للبلدة بالقذائف.
وكان الذي اشترى سلاحا قبل النكبة واحتفظ به بعدها ولم يمتهن التسلل يقوم بتأجير سلاحه الى المتسللين لإسرائيل.
وطبعا لم تكن مهمة التسلل الليلي الى اسرائيل سهلة على الاطلاق ولم تكن دائما موفقة وناجحة. فقد شددت السلطات الاردنية تحت ضغط اسرائيل على المتسللين، وصارت تقدم من يلقى عليه القبض متلبساً للمحاكمة ويعاقب عليها القانون بالسجن. وتزداد فترة السجن اذا كان المتسلل يملك سلاحا وكانت العقوبة تصل الى بضع سنين اذا تم استخدمه. وكثيرا ما فاقت البلدة على اصوات اشتباكات مسلحة بين ابنائها المتسللين مع كمائن القوات الاسرائيلية وحراس المستعمرات.
عام 1949، وأهالي قلقيلية يراقبون جنود الاحتلال وهم يُكهربون السياج ..! |
لقد ازعج المجاهدون والمتسللون من اهل بلدتنا على مدى اكثر من خمس سنوات سكان المستعمرات المجاورة ازعاجا كبيرا وخربوا منشأآتها وقتلوا العديد من سكانها ومن قوات حرس الحدود وبثوا الخوف والقلق والرعب في نفوسهم. في حينه لم تستسلم الحكومة الاسرائيلية امام مواقف وسلوك اهل البلدة العدواني و"التخريبي". فرفعت من وتيرة ضغطها على الحكومة الاردنية للتحمل مسؤولياتها في حماية الحدود وفقا لاتفاقات الهدنة التي وقعت بين الطرفين. وكانت يوميا تقدم تقاريرها وشكواها للجان الهدنة والرقابة الدولية المنتشرة على الحدود بين الطرفين وكانت تطالبها باعادة المسروقات. ولم تكن تتورع عن توجيه نيران مدافعها وشاشاتها الثقيلة ضد مراكز الشرطة والجيش بجانب قصفها المتكرر لمنازل البلدة ودمر الكثير من منشآتها ومبانيها، كما راحت تتصيد ابنائها عند اقترابهم من الحدود، وقتل قناصتها عددا من شبابها ونسائها واطفالها، ومنعت اصحاب الاراضي في كثير من الاحيان من الوصول الى بساتينهم الواقعة على خطوط التماس. ولاحقا اتبعت القوات الاسرائيلية نهجا هجوميا وراحت تطارد المتسليين الى أطراف البلدة فقامت بغارات كثيرة على بعض بيوتها وآبارها. ولم يكتم الإسرائيليون غيظهم من فشلهم في كسر شوكة سكان قلقيلية، فكان لا يمر شهر دون حدوث إطلاق رصاص عبر الحدود ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى عبور قوات إسرائيلية وقيامها بأعمال هجومية على مواقع في المنطقة العربية. ولاحقا اتبعت القوات الاسرائيلية نهجا هجوميا وراحت تطارد المتسليين الى إطراف البلدة، وقامت بغارات كثيرة على بعض بيوتها وآبارها.
وفي الاجتماع الذي جرى على الحدود في يوم 1953/6/5م، بين العرب واليهود بتنسيق الوسيط الدولي، والذي حضره يومئذٍ موشيه دايان ممثلاً للجانب الإسرائيلي، واحمد طوقان ممثلاً للجانب ألأردني، للبحث في الشكوى التي قدمها اليهود ضد العرب، بدعوى تكرار تعديهم على المستعمرات اليهودية. حينها هدد ديان بقوله: ".. إني سأحرث قلقيلية حرثا اذا اقدم سكانها على مقاتلتنا".
وفي شهر تموز من عام 1954م عبرت وحدة عسكرية إسرائيلية الحدود الى قلقيلية وتقدمت شرقاً نحو معسكر للجيش الأردني قرب عزون، ومرت بمواطن من قلقيلية اسمه رافع عبد العزيز عمر حسين نزال وكان يعمل "ناطورا" في حقل بطيخ شرق صوفين فقتلته، وواصلت تقدمها وهاجمت المعسكر الأردني على حين غرَّة وقتلت عدداً من الجنود وأحرقت وأتلفت عدداً من خيام المعسكر وعادت أدراجها إلى المنطقة المحتلة عن طريق فلامية .
تعليقات
إرسال تعليق