القائمة الرئيسية

الصفحات

المنسف - تاريخ وتطور المنسف الشعبي

المنسف - تاريخ وتطور المنسف الشعبي


كانت حياة الفلاح صعبة مضنية ومتقشفة، وهي حافلة بأيام المعاناة الطويلة. فعلى الفلاح أن يحرث الأرض، ومن ثم زراعتها، والقيام بعد ذلك بجني المحصول.



المنسف - تاريخ وتطور المنسف الشعبي 



ومن عادة الفلاح أن يأكل طعاماً يومياً بسيطاً، ولا يلجأ إلى ذبح ذبيحة وإقامة وليمة، إلا ضمن مناسبة سعيدة، مثل مناسبات الاحتفالات الشعبية- كالزواج والختان وولادة طفل ذكر، وعودة غائب، أو كوجبة إفطار جماعي في شهر رمضان، أو في مناسبات الوفاة، حيث يقدم المنسف كوجبة غداء أو عشاء لأهل الفقيد وأقاربه، في المضافة أو الديوان.


وكأنت مناسبات الزواج تشكل أهم المناسبات الاجتماعية، التي تعطى المبرر الاجتماعي الكافي، لذبح الذبائح وإقامة الولائم.


ويُعتقد أنّ اكلة المنسف تطورت من طعام (الثريد) الذي كأنت تتناوله قبيلة قريش، وهو عبارة عن الخبز المقطع الذي يضاف له (مرق اللحم ) بالإضافة إلى اللحم.

ويُعدُّ المنسف جزءاً من الموروث الشعبي الفلسطيني، والوجبة الشعبية التقليدية في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية في قلقيلية.


وقد ارتبط المنسف بطبيعة الحياة الريفية القائمة على الرعي والزراعة، وكأنت قلقيلية تشتهر بزراعة القمح- الذي يوفر الخبز والبرغل، وتربية الأغنام- التي توفر اللحم واللبن، وهكذا أصبحت مكونات المنسف متوفرة محليا بشكل كبير.


ويقول الحاج عبد الله ناصر أبو خديجة (85 عاما) إنّ المنسف قديما كان يتكون من طبقة من قطع خبز الطابون، ويسكب فوقها مرق اللحم المطبوخ، (بدون لبن أو جميد)، ثم تغطى بقطع اللحم .


تطور المنسف بعد ذلك وأصبح يتألف من طبقة من قطع الخبز، الذي يُشرّب بالمرق الذي طُبخ به اللحم، ثم يوضع فوقها طبقة من البرغل المسلوق، ويغطى بقطع اللحم.


ويضيف الحاج عبد الله أنه بعد حلول الأنتداب البريطاني على فلسطين، بدأ استيراد الأرز من المستعمرات البريطانية، وأصبح المنسف في سنوات الأربعينات من القرن الماضي يتألّف من طبقة من خبز الرقيق (الشراك)، ويغمر بمرق اللحم، وبعدما يتشرب الخبز المرق، يغطى بطبقة من الأرز، وفوقها توضع قطع اللحم.

 

 واستغنى الناس عن استعمال البرغل في المناسف مع حلول الخمسينات، وهذا ربما يفسر لنا سبب ظهور المثل الشعبي القائل: (العز للرز والبرغل شنق حاله)، أي أن الرز حل محل البرغل، الذي أحيل إلى التقاعد، ولم يعد يستخدم في المناسف، لأنّ الناس استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، حيث إنّ للبرغل قيمة غذائية عالية وأنفع لصحة الإنسان من الأرز.


تطور المنسف

ومع تغير نمط الحياة في قلقيلية، تطور المنسف بعد ذلك، وأخذت تفرش طبقة من رقائق الخبز، وتشرّب بمرق اللحم المطبوخ باللبن، ثم توضع طبقة من الأرز، وفوقها تنثر قطع اللحم. 

ومع حلول الثمانينات من القرن الماضي تم الاستغناء عن الخبز في المنسف، وأصبح يتألّف من طبقة سميكة من الأرز، على شكل كومة يوضع فوقها اللحم، ثم يضاف مرق اللحم المطبوخ باللبن الرائب.


ويضيف الحاج عبد الله أبو خديجة إنّ لبن الجميد لم يُستخدم قط في قلقيلية في مناسف مناسبات الأفراح، وقلما استخدم على نطاق العائلة، لعدم توفر الجميد في قلقيلية، ولعدم استساغة الناس لطعمه ومذاقه، ولتفضيلهم اللبن الرائب الطازج، على لبن الجميد الجاف.


ولعل من أهم أسباب نكهة وطيبة مذاق المنسف هي طريقة إعداد الأرز، فأرز المنسف يُسلق بماء اللحم البلدي المشبع بدهون اللحم إضافة إلى البهارات. .

وكانت النساء في السابق هي التي تقوم بإعداد المنسف في بيت المضيف أو بيت أحد الأقارب أو الجيران.


وكان الناس قديما يضعون المنسف في باطية توضع على الأرض فوق الحصير، ويتجمع حولها عدة رجال، ويتناولون الطعام بأيديهم اليمنى، دون استعمال الملاعق. والباطية عبارة عن وعاء مجوف كبير يصنع من الخشب.

وأصبح المنسف فيما بعد يقدم في سدور مصنوعة من النحاس وبعدها من الألمنيوم، يتجمع حولها ثلاثة أو أربعة رجال. ويتم تزيين وجه المنسف برش حبات الصنوبر واللوز المقلي، مع إضافة بعض مفروم البقدونس، ثم يصب اللبن الرائب المطبوخ بمرق اللحم فوق الأرز.


ويتباهى المضيف بكثرة اللحم على سدور المنسف، وهو دلالة على كرمه أو ثرائه.


عادات اكل المنسف

وكان من عادات تناول المنسف أن يتم تناوله باليد اليمنى بدون ملعقة، مع وضع اليد اليسرى خلف الظهر، وأنّ المضيف لا يأكل مع المعازيم الضيوف بل يظل واقفاً يقوم على خدمة الجميع وحثهم على الاستمرار بالأكل..

 وكأنت القهوة السادة تقدم للضيوف حال أنتهائهم من تناول وجبة الطعام.


ومن العادات الآخرى التي كأنت سائدة أنه عندما تأتي مجموعة من الضيوف إلى أحدى المضافات أو الدواوين ومعهم ذبيحة، يتم عمل منسف للضيوف من لحم الذبيحة التي قدمها أحد الضيوف ويوضع رأس الذبيحة في منتصف سدر المنسف فوق كومة الأرز تكريما للضيف الذي أحضر الذبيحة


ومع مرور السنين اندثرت عادة تناول الأرز بالأيدي في قلقيلية، وأصبح الناس يتناولون المنسف بالملاعق المعدنية، مهما كثر عدد الضيوف، ومهما تعدد المدعوون في مآدب الأفراح الشعبية..


ويقدم المنسف غالبا في الأعراس في وجبات الغداء، ولا يقدم في وجبات العشاء إلّا في وقت العزاء. 

وبسبب غلاء أسعار لحم الضأن، أصبح يستخدم لحم العجل في المناسف، بدلا من لحم الضأن. ولا يستخدم لحم الدجاج في المناسف، خاصة في مناسبات الأعراس، ويعتبر ذلك بخلا من أهل العريس.


المنسف في الحياة العصرية

ومع تطور الحياة العصرية ظهر في قلقيلية قبل نحو عقدين من الزمن طهاة متخصصون في إعداد المناسف ووجبات الطعام الخاصة بالأعراس، وأخذ الناس يستغنون شيئا فشيئا عن إعداد المناسف في البيوت، ومن هؤلاء الطهاة: سعيد أبو خديجة، وشهاب جعيدي، يوسف جعيدي (ابو حسين)، ووليد ياسين. ويقوم هؤلاء الطهاة بتحضير المناسف في بيوتهم أو في أماكن مستأجرة ومجهزة بالثلاجات، وأفران الغاز ومعدات الطهي اللازمة لتحضير المنسف وطهيه، ومن ثم يُحْمَل اللحم والأرز و اللبن في أوعية منفصلة، وتنقل في سيارة إلى الديوان، أو المكان المزمع تناول الطعام فيه.


ومع تطور صناعة البلاستيك خلال العقود الأخيرة، أصبح المنسف يُقدم في صحون من البلاستيك كوجبة منفردة لكل شخص، ويوضع فيها الأرز وعليه قطع اللحم، أمّا مرق اللحم المطبوخ باللبن فيقدم في كاسات من البلاستيك، ويتناول المدعوون الطعام أيضا في ملاعق من البلاستيك. وتستخدم الأوعية البلاستيكية لمرة وأحدة فقط، ويتم التخلص منها بعد أنتهاء وليمة الطعام.


كما يُقدم مع المنسف مختلف أنواع العصائر والمشروبات الغازية، وبعد الأنتهاء من تناول الطعام تقدم القهوة السادة للضيوف.


وتختلف الوجبة البيتية من المنسف عن وجبة منسف الولائم في أنّ الأخيرة تحضّر غالبا من لحم الضأن أو العجل ومن الأرز، بينما منسف البيت يحضّر غالبا من لحم الدجاج ويستخدم الأرز أو البرغل.


 

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق
  1. شكرا مميزون جدا

    ردحذف
  2. حسنًا ، كنت أبحث عن هذا الموضوع وصعدت إلى هنا وعندما قرأت هذا كان مثل المعلومات المثالية التي كنت أبحث عنها. شكرا لهذه المعلومات حقا أقدر ذلك ...منسف اردني

    ردحذف
  3. غير معرف5/17/2021

    شكرا على هذا التوثيق لاكلة المنسف الشعبية

    ردحذف
  4. غير معرف7/14/2023

    التاريخ مكتوب ولن تستطيعوا أن تزوروه انتم كاذبون وتعرفون أنكم كاذبون ومفضوحون.. المنسف اردني حتى العظم..عبثا تحاولو

    ردحذف

إرسال تعليق

محتويات المقال