المثل الشعبي الفلسطيني الذي يخص قلقيلية : وين ما تلف.. ووين ما تدور.. آخرتك راجع.. لكينايات دحبور
ما هي قصة المثل الشعبي الوحيد الذي يخص مدينة قلقيلية ومن هو قائله هذا ما سنذكره في مقالانا هذا
كينايات: جمع أشجار الكينا، وهي أشجار ضخمة تعمّر طويلا. دحبور: لقب الشخص الذي زرع هذه الأشجار في ارضه، قبل حوالي 120 عام، واسمه الحقيقي (حسب ما روى بعض أقاربه) هو - احمد محمد سميك، والتي لا زالت شامخة إلى يومنا الحاضر في ظاهر قلقيلية الغربي، والتي كأنت يوماً ما من أبرز معالم قلقيلية، التي يهتدي بها المارين من ساحلها. والمقصود بالرجوع إلى كينايات دحبور، هو رجوع الغائب إلى بلده، مسقط رأسه - قلقيلية.
عبد الكريم ابراهيم الحسن - ابو الفوز
قائل هذا المثل هو المرحوم عبد الكريم إبراهيم الحسن المُكنّى بـأبي الفوز
وكان قد عمل في الكويت في الخمسينات من القرن الماضي، عشق السياحة والسفر، وزار عددا من البلدان العربية والأجنبية، وعندما عاد إلى قلقيلية في زيارته الأولى في بداية الستينات، ومرّ بالشباب وهم يجلسون عند كينايات دحبور، فأطلق عبارته المشهورة: (وين ما تلف.. وين ما تدور.. آخرتك راجع.. لكينايات دحبور)،
وقام بحفر كلماتها على جذع أحدى هذه الاشجار، ثم طلاها باللون الأسود، لتبدوا ظاهرة للعيان، وغدت منذ ذلك الحين ولا زالت إلى اليوم، مثلا شعبياً متداولا على السنة أهالي قلقيلية.
وهو المثل الشعبي الفلسطيني الوحيد الذي يخص قلقيلية وحدها.
ويروى ان المثل ورد ايضا بصيغة: "ابن قلقيلية بدور وبدور.. وبرجع لكينايات دحبور"، و "ابو الفوز بلف وبدور.. وبقطع السبع بحور.. من القطب الشمالي.. لكينايات دحبور".
يشير المثل إلى حتمية عودة الغائب إلى بلده، مهما طال به الغياب، وبعُدت عنه المسافات. فحبّ الوطن فِطْرة فَطَر الله عليها جميع المخلوقات بلا استثناء، فالطيور تحن إلى أعشاشها، والحيوانات تحنّ إلى أوكارها، والإنسان يحنّ إلى مسقط رأسه، ومهوى قلبه وروحه، ومهد طفولته ومربع صباه، وأحلام شبابه. فمهما شرّق الإنسان وغرّب، وتنقل بين شتى البلدان والديار، وعصفت به الظروف، ونالت منه السنون، تبقى أبداً أحبال الحنين تشدّه إلى بلده التي نشأ فيها، وترعرع بين أحضانها الدفيئة، وتغلغلت في رئتيه أنسامها العليلة، وسرح في سهولها وبطاحها الجميلة، ولعب مع أترابه بأحجارها العتيقة، وعدا في أزقّتها وشوارعها القديمة، وتفيّأ بظلال أشجارها الوارفة العريقة، وأطربت مسامعه تغاريد طيورها الجميلة.
![]() |
| قلقيليه : دوار الكنايات (( كنايات دحبور )) غرب المدينة |
لذا نجد أن من يفارق وطنه يصاب بمرض الحنين له، ويشّده الشوق والوجد إليه، ويتحسّر على أيام جميلة مضت وانطوت صفحاتها، وبقيت لها ذكرى في قلبه ووجدانه، يتمنى أن تدور عجلة الزمان إلى الوراء، ليعيش أجمل اللحظات قرب الأهل والأصدقاء والأحباء. ويموت الإنسان وذاكرته لا تموت، تُلحّ عليه في النوم واليقظة، فالإنسان بلا وطن كائن مبتور لا جذر له ولا أصل، تذروه الرياح كالهشيم، لا قرار له ولا مكان، والإنسان بلا ذاكرة، كائن بلا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل، لا يذوق طعما للحياة، ولا يعيش فرحة اللقاء بعد طول الفراق. وكثيراً ما يعيش الإنسان في موطن ارتحل إليه وأصاب فيه سعة من العيش ومتعة في الحياة، ومع ذلك فهو يتوق إلى بلده الأول، حيث أبصر نور الحياة، وظل لهيب الحنين والشوق يشده إليه، والى أيام جميلة مضت، ولن تعود.
يقول الشاعر أبي تمام في هذا المضمون والمعنى:
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى *** ما الحب إلا للحبيب الأول
وكم من منزلٍ يألفه الفتى *** وحنينه أبداً لأول منزل
ويقول ابن جبير:
لا تغترب عن وطن *** واحذر تصاريف النوى
أما ترى الغصن إذا *** ما فارق الأصل ذوى
ويقول الشاعر الفلسطيني عبد الكريم ألكرمي - أبي سلمى:
خَلعتُ على ملاعبها شـــــَبابي *** وأحلامي على خُضــرِ الرَّوابي
ويقول شاعر آخر في نفس المعنى:
بلادي وإن جارت علىّ عزيزة *** وأهلي وإن ضنوا على كرام
ويقول الشاعر أحمد شوقي:
وطني لو شغلت بالخلد عنه *** نازعتني إليه في الخلد نفسي
ولا بُدَّ للمسافر أن يعود يوما *** إذا رزق السلامة والإيابا
اقرأ هنا موسوعة الامثال الشعبية الفلسطينية



وللمرحوم عبدكريم الحسن والملقب ايضا ب كريمان القول الماثور وسمعته منه في عكا لف العالم رايح جاي بدل ما تشرب قهوة وشاي
ردحذفاضف الى ذالك من اقواله شم هوا قبل ما توكل هوا
ردحذفتكريم للمرحوم عبد الكريم إبراهيم الحسن "أبو الفوز"
ردحذفليس كل الناس يتركون أثرًا، لكن المرحوم أبو الفوز ترك بصمة لا تُمحى في وجدان قلقيلية. رجلٌ عاد من السفر لا محمّلًا بالهدايا، بل محمّلًا بالشوق والوفاء، فصنع من لحظة مرور عند “كينايات دحبور” إرثًا شفهيًا أصبح المثل الشعبي الوحيد الخاص بمدينة كاملة.
لم يكن أبو الفوز شاعرًا ولا كاتبًا محترفًا، لكنه امتلك ما هو أثمن: عين تُحبّ، ولسان يُخلّد، وقلب ينبض بأسماء الأماكن وأهلها. حين حفر عبارته على جذع شجرة، لم يكن يعلم أنه يحفر في ذاكرة جيل بعد جيل، وأن أبناء قلقيلية سيكبرون وهم يرددون جمله وكأنها جزء من هوية المكان.
إنه رجل صنع مجده بطيبة قلبه، وببساطة كلماته، وبحبّه الصادق لمدينته.
هذا تكريمٌ لمن آمن أن الأماكن لا تستحق أن تُحب من بعيد فقط، بل يجب أن تُعاد إليها مهما طال السفر.