القائمة الرئيسية

الصفحات

النّمليّة وبابور الكاز ومكواة الفحم

النّمليّة وبابور الكاز ومكواة الفحم والسفرطاس

النّمليّة

هي خزانة المطبخ القديمة


كانت النملية قديما جزءاً أساسياً من تجهيزات البيت، وكانت تستخدم بشكل أساسي لحفظ الطعام، تم الاستغناء عنها بعد ربط قلقيلية بشبكة كهرباء محليّة عام 1964م، حيث بدأ الناس يستخدمون الثلاجة، بدلا منها.

والنملية عبارة عن خزانة من الخشب توضع عادة في المطبخ، وتسند الى الحائط مثل الثلاجة، وتستخدم لحفظ الأطعمة من النمل او اي شيء يجذبه رائحة الطعام، مثل الصراصير والذباب وغيرها. وربما جاءت تسميتها بالنملية من حفظها للطعام من النمل والحشرات.


وتقسم النملية إلى ثلاثة أقسام، العلوي ويضم ثلاثة رفوف، يغطيها من الخارج بابان يفتحان إلى الجانبين، ومغطيان بشبك معدني دقيق وناعم، يمنع دخول الحشرات، ويسمح بدخول الهواء، مما يعمل على تلطيف درجة الحرارة داخل النملية، وبالتالي عدم التلف السريع للطعام المحفوظ فيها.

وتعتمد مدة حفظ الطعام وسلامته على نوع الطعام المحفوظ في النملية، ففي حال المربيات والحلويات والمعجنات فانها تبقى سليمة وقتا أطول بالمقارنة مع باقي انواع الاطعمة، مثل السلطات والمقبلات واللبن الرائب والحليب، واللحوم والطبيخ وغيرها، التي تعتبر سريعة التلف (خاصة في فصل الصيف الحار)، والتي يجب ان تستهلك خلال فترة قصيرة.

كما يوضع على رفوف القسم العلوي من النملية مختلف انواع الاواني مثل الصحون بمختلف الاحجام، وصحون الشوربة والسلطات وكاسات الشاي وفناجين القهوة .. وغيرها.

اما القسم الأوسط من النملية فيضم جارورين أو ثلاثة، توضع فيهما أدوات الطعام الصغيرة مثل السكاكين والملاعق والشوك والمغارف، ومقحاف الكوسا والباذنجان، والمسنّ، واسياخ اللحمة وغيرها.

ويغطي القسم السفلي من النملية فهو مغطى ببابان خشبيان بدون شبك، تستخدمه ربّة البيت لتخزين أدوات المطبخ ألأكبر حجما، مثل الصواني والدّباسي والسدور والطناجر.. وغيرها.

وكان ظهر النملية يستخدم لوضع الطناجر الكبيرة، التي لا تستخدم كثيرا، وبعض اوعية المؤونة.

كما كان يعلّق على جدران المطبخ رفوف خشبية متينة، لحمل الأوزان الثقيلة، وكانت توضع على الرف العلوي طناجر النحاس والصواني والدباسي، وغيرها من الاواني ذات الأحجام الكبيرة، التي لا تستخدم بشكل يومي.

اما على الرف السفلي، فكانت توضع مرطبانات الزيتون، والمخلالات، واللبنة المغموسة بزيت الزيتون، والجبنة، والمكدوس، والزعتر الناشف، وتطلي العنب، والبرغل، والفريكة، والعدس، والرز، والفول الحب، والفول المجروش، وعلب السمنة الغزال او الكنز، وإبريق الزيت، ومرطبان السكر والشاي، وباقي اصناف المؤونة.

كما كانت تعلق على احد جدران المطبخ (بواسطة مسامير تدق في الجدار) صواني القش والغربال والمنخل والقصرية ..وغيرها.

اما تنكات زيت الزيتون، فكانت تخزّن على السدّة، التي تكون في العادة فوق سطح الحمام، ويكون بابها مفتوح الى داخل المطبخ، اما الطحين فكان يوضع في برميل في زاوية المطبخ. وكان الخبز يوضع في وعاء دائري منسوج من عيدان القمح، يسمى قبعة، ويلف الخبز بقطعة من القماش، حتى لا ييبس، وكانت توضع القبعة فوق برميل الطحين. اما البيض فكان يوضع في قبعة صغيرة، بداخلها قش القمح الناعم (التبن)، حتى لا يتكسر البيض.

كل ما ذكرناه كان موجودا في المطبخ أيام زمان، رغم صغر حجمه، واذكر ان مساحة المطبخ في بيتنا القديم لم تكن تتجاوز الستة أمتار مربعة (3م طول×2م عرض)!!

النّمليّة


ومع التطور الحضاري، ظهوت المطابخ الحديثة، واخذت النمليات بالاختفاء تدريجيا من بيوت قلقيلية منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، بعد تحسّن أحوال الناس المعيشية، وانتشار استخدام الثلاجة بمختلف أحجامها وأشكالها، ولم تعد النملية تستخدم لحفظ الطعام او ادواته. كما اتسعت مساحة المطبخ في البناء الحديث، ووصلت الى اكثر من 16 متر مربع، واخذ الناس يتركيب خزائن خشبية حديثة ذات دفات ورفوف عديدة، يكون قسما منها تحت المجلى وآخر على جنبه وثالث معلق فوقه. وتوضع فيها كافة الاواني والأدوات المنزلية، وتخزن على رفوفها الزيوت والمخلالات والحبوب والبقول والشاي والقهوة والسكر، وغيرها من مواد المؤونة، وكذلك مواد التنظيف، ولم يعد الناس اليوم بحاجة الى سدّة لتخزين المؤونة عليها..

والى جانب الخزائن الخشبية، تُصنَع اليوم خزائن من البلاستيك، والالمنيوم والفيبركلاس.



بابور الكاز (البريموس)

***

كانت النساء قبل سنوات الأربعينات من القرن الماضي تطبخ على الحطب، وفي كل بيت من البيوت القديمة كان به مكان خاص لإشعال الحطب والطبخ عليه، يسمى موقد. والموقد في أﺑﺴﻂ ﺣﺎﻻﺗﻪ يتكون من ﺛﻼﺛﺔ ﺣﺠﺎرة، ﺣﺠﺮ ﻋﻦ اﻟﻴﻤﻦ، يقابله ﺣﺠﺮﻋﻦ اﻟﺸﻤﺎل، وﺣﺠﺮ من ﺎﻟﺨﻠﻒ، وﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﺎرﺗﻔﺎع ﻣﻮﺣﺪ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ، ويحمل عليها القدر للتسخين أو للطبخ. واﻟﻤﻮﻗﺪ ﻓﻲ أﺣﺴﻦ ﺣﺎﻻﺗﻪ يكون ﻣﺼﻨﻮﻋﺎ من الطين. يلقم الموقد بالحطب، الذي كان يحضر من الحقل، او يُشترى من الحطابين، وكانت الناس تشعل النار فيه ليل نهار، تطهي الطعام، وتسخن الماء، للغسيل او الاستحمام، وتغلي الشاي، على موقد الحطب.

اما البابور - موقد الكاز البخاري- فقد عرفه الناس خلال سنوات الاربعينيات من القرن الماضي، وبشكل خاص في المدن، لكن القرى ظلت تستعمل الحطب لفترة طويلة، بسبب بيئتها الطبيعيّة التي توفر الحطب، بعكس المدن. ويقال ان اصل كلمة بابور من اللغة الفرنسية فابور vapeur، وتعني بخار الكاز.

لم يكن "بابور الكاز" مجرد أداة في المنزل، بل كان عصب المطبخ والبيت عموما. وشراء بابور جديد كان حدثا مهما في تاريخ العائلة. وكان ينظر إليه وكأنه آلة حديثه ومتقدمه لما يتمتع به من قوة ناريه، تفوق قوة نار موقد الحطب. واصبح البابور أهم اداة لتوليد النار بيسر وسهولة في البيت، والمبدأ الذي يقوم عليه عمل البابور، هو تحويل الكاز من الحالة السائلة الصعبة الاشتعال إلى الحالة الغازية السهلة الاشتعال، عن طريق دفع الكاز الموجود في الخزان بواسطة ضغط الهواء إلى راس الاشعال، الذي يتم تسخينه عند بدء استخدام البابور، بحيث يتحول الكاز بفعل الحرارة من الصورة السائلة إلى صورة غازية، الذي يشتعل وينتج لهباً قويا.

وبعد انتشار استخدام البابور في قلقيلية استراحت الجدات والامهات من عناء إشعال نار الحطب والنفخ، وجرف الرماد وغبار الفحم ورائحة الدخان، كما انه أكثر راحة واقتصادا في الجهد والوقت والنظافة، بالمقارنة مع نار الحطب.

وكان البابور يصنع في عدة دول، اما في فلسطين فكان البابور المصنوع في السويد هو السائد عندنا،

وكلمة "بريموس Primus " لاتينية معناها "الأول"، وهو الاسم الذي أطلق على هذا الجهاز لدى ابتكاره وإخراجه للاستعمال، واصبحت ماركة البابور التجارية هي البريموس، نسبة الى اسم الشركة، التي كان يصنع فيها، منذ عام 1892م.

ويتكون بابور الكاز من حوض او خزان دائري محكم الاغلاق مصنوع من النحاس، يُملأ بوقود الكاز، واعلاه فوهة للاشتعال تسمى رأس البابور، يركب عليها اطار معدني مفتوح يسمى الطربوش، الذي يعمل على زيادة قوة تركيز نيرانه وفي أسفل الراس توجد عين ينطلق منها بخار الكاز بفعل الضغط في خزان الكاز، ليشتعل اعلى راس البابور، مصدراً لهبا قويا. وعين البابور قطعة صغيرة مضلعة، بها ثقب يخرج منها الكاز الذي يتبخر لدى خروجه بسبب حرارة الرأس، وتسمى هذه القطعة "عين البابور". وإذا ما انسدت عين البابور تم فتحها بـ"نكاشة البابور" أو "إبرة البابور". 

ويوجد في خزان البابور فتحة علوية ذات غطاء محكم، يُعبأ منها خزان البابور بالكاز باستخدام المحقان، وفي جانبها مفتاح او "برّيمة مسنّنة" تغلق الحوض بإحكام، ويمكن بواسطتها التحكم في قوة نار البابور من خلال تنفيس القليل من الهواء المضغوط في خزان البابور عند الحاجة لتخفيض الاشتعال، او تنفيس كل الهواء من الخزان عند اطفاء البابور.

وفي جانب حوض الكاز فتحة دائرية بقطر 2سم وطول 10-12سم، تمتد الى منتصف الحوض، في نهايتها صمام يسمى "بلف"، يسمح بدخول الهواء وعدم رجوعه،. ويضغط الهواء في خزان البابور بواسطة ذراع او عمود صغير مثبت في رأسه جلدة يسمى ستيم او دفاش او ذراع الضغط. وبتحريك الدفاش بشكل متتابع الى الخارج والى الداخل يندفع الهواء الى داخل خزان البابور المحكم الإغلاق، ويعمل على زيادة الضغط فيه، مما يجعل الكاز يتدفق بقوة الى راس البابور، وهذا ما يزيد من قوة اشتعال ناره وتأججها.

ويرتكز البابور على ثلاثة ارجل من الحديد تمتد من قاعدة البابور الى اعلى راس البابور مشكلة في نهايتها زاوية قائمة، وﺗﻜﻮن ﻣﻌﻘﻮﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺪاﺧﻞ، ﻟﺘﺸﻜﻞﻗﺎﻋﺪة إرﺗﻜﺎز، توضع عليها اوعية وقدور الطهي والتسخين المعدنية.

وتثبت ارجل البابور في جوانب الحوض النحاسي باستخدام لحام القصدير، فتحتضنه وترفعه عن الارض بمقدار 4سم، وتمنع وصول الماء او الرطوبة اليه.

ويستخدم البابور لطهي الطعام وتسخين الماء للغسيل او الاستحمام، واعداد الشاي والقهوة..الخ. وعند طبخ الارز كان يوضع فوق البابور قرص دائري رقيق من الحديد، ليعمل على توزيع الحرارة بشكل متجانس، وعدم تركزها في وسط الطنجرة، فيحترق الأرز، او لا ينضج بشكل جيد.

عند إشعال البابور يتم اغلاق فتحة التنفيس "البريمة"، ويضغط الهواء في داخل الحوض بواسطة ذراع وكأنه منفاخ، يسمى الستيم، او الدفاش، فيندفع الكاز الى راس البابور، ويخرج من عين في اسفل راس البابور، وتتجمع كمية قليلة منه في صحن البابور، ويتم تنفيس الهواء من خلال البريمة. ويتم اشعال الكاز بعود الكبريت، وبعد ان يحمى راس البابور جيدا، يتم اغلاق البريمة، ويضغط الهواء الى داخل حوض البابور لينطلق الكاز الى المواسير الساخنة وأثناء مروره من خلالها الى راس البابور الذي يكون اشد اجزاء الراس سخونة، وبفعل حرارته العالية يتحول الكاز من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية السهلة الاشتعال، ويخرج من عين البابور في اسفل الراس مندفعا بقوة إلى أعلى راس الاشتعال، وأثناء خروجه يقابل ما يتبقى من اللهب السابق توليده لتسخين الرأس، فيشتعل منتجا لهبا قويا.

ونتيجة استمرار اشتعاله يستمر الراس والمواسير في السخونة، وتحويل الكاز المتدفق خلالها بفعل ضغط الهواء في الخزان إلى بخار سريع الاشتعال، وباستمرار اندفاعه إلى رأس البابور، تبقى دائرة التشغيل مستمرة تلقائيا .وعند الرغبة في تخفيض قوة اللهب او إطفاء البابور يتم خفض الضغط الداخلي عن طريق تفريغ الهواء من الخزان باستخدام مفتاح التنفيس او البريمة المثبتة تحت فتحة التعبئة، وبالتالى ينقطع اندفاع الكاز إلى الراس، ومن ثم ينقطع اللهب، وينطفئ تماما.

وكان يحدث بسبب اشتعال البابور المتكرر، ان يلتصق الكربون بمعدن البابور، ومع الوقت يتسبب هذا الكربون بانسداد او تسكير عين البابور، التي يخرج منها الكاز المضغوط. وبسبب الكربون او بعض الشوائب العالقة بالكاز، تنسد الفتحة كليا او جزئيا، ولا تعُود الشعلة الى حالتها الطبيعيه، الا بعد فتح عين البابور، المتسخة بفضلات الكاز وما يخلفه من تراكمات، بواسطه الابره المخصصة لذلك، لتحسين اشتعاله.

وكانت العائلة تحتفظ بـ"إبر البابور"، وهي أداة مهمة لـ"نكش" عين البابور، حتى اذا انسدت العين، يتم نكشها او تسليكها في الحال، لخروج بخار الكاز منها بشكل افضل. وابرة البابور عبارة عن سلك رفيع مثل ابرة الخياطة، يتم ادخاله في فتحة العين، ليزيل الوسخ ويفتحها ليعود اللهب كما كان قويا.

وكان للبابور مقاسات متعددة، نمرة 1 ونمرة 2 ونمرة 4، وتختلف فيما بينها بحجم راس البابور وسعة الخزان.

ومن اجزاء البابور التي تكون بحاجة الى تغيير هي: راس البابور، الطربوش، وجلدة الستيم او الدفاش التي تهترئ من شدة الاحتكاك..

ويمكن تنظيف الحوض النحاسي بواسطة الليمون، فيعيد للنحاس بريقه ولمعانه.

***

بابور الكاز الاخرس

وبعد بروز الحاجة الى بابور يعمل بدون صوت مزعج، ﺣﺼﻞﺗﻄﻮر ﻧﻮﻋﻲ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺒﻮاﺑﻴر، وﺗﻢ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﺑﺎﺑﻮر ﺑﺪون ﺻﻮت، أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺒﺎﺑﻮر اﻷﺧﺮس أو اﻟﺒﺮﻳﻤﻮس اﻷﺧﺮس، لأنه لا يخرج صوت عند استخدامه كالبوابير العادية، التي تحدث صوتا مدويا عند الاشتعال.

وللبابور الاخرس رأس يركب ﻋﻠﻴﻪ ﻏﻄﺎء او اطار مغلق ﻣﺰدود ﺑﺜﻼﺛﺔ ﺻﻔﻮف ﻣﻦ اﻟﺜﻘﻮب لكتم الصوت، وﻳﻜﻮن ﻟﻮن اﻟﻠﻬﺐ أزرﻗﺎ اقرب ما يكون الى شعلة الغاز، كما يتميز عن البابور العادي، انه اقل شحبارا منه، لكنه كان أغلى ثمنا من البابور العادي.

والى جانب الاستخدام في البيوت استخدم البابور الأخرس في محلات كوي الملابس، حتى لا يصدر شحبارا يلوث الملابس، وكان على احجام مختلفة.

ومع ظهور بابور الكاز ولدت مهنة السمكري، وهو الفني المتخصص في تصليح بوابير الكاز، التي انقرضت تماما في قلقيلية، واختفت نهائياً من قاموس المهن التقليدية في قلقيلية

وقد اشتهر في قلقيلية من السماكرة الحاج عبد الرحيم محمد طه ابو غالب، واخيه عبد الفتاح محمد طه - ابو عادل، والحاج احمد الحسن طه، وعبد الرازق ولويل (ابو تيسير)، وعلي يوسف إسماعيل (ابو خالد السنكري).

وكانت التصليحات تشمل لحام رقبة راس البابور، او رجل البابور، ونفض راس البابور، من خلال تنظيفه بالهواء المضغوط، لتخليصه مما علق به من شوائب الكاز وعملية الاحتراق، واستبدال عين البابور باخرى جديدة، عندما تحدث شحبارا.

فعندما تصاب "عين البابور" بعطب ما، ترى النار تخرج في اتجاه واحد، تفقد لونها الأزرق وصوتها الهادر، لتكتسب لونا أصفرا شاحباً، مشبعاً بـ"الشحبار" الكفيل بتلويث المطبخ بأكمله، فيحمله رب البيت إلى "معمر بوابير الكاز" لتغيير العين، وأحيانا "الرأس" بمجمله اذا كان مهترئاً. كذلك يشمل التصليح تغيير جلدة الستيم او الدفاش لأنها الأكثر عطلاً بسبب الاحتكاك، فلا تعد تستطيع ضغط الهواء داخل خزان البابور، بشكل جيد.

وبعد بدء استخدام الغاز في قلقيلية منذ عام 1959م، اخذ استعمال البابور يقل تدريجيا، الى ان تلاشى واختفى نهائياً، خلال السبعينات من القرن الماضي، بعد انتشار استخدام الغز في البيوت، وأحيل بابور الكاز إلى التقاعد، بعد ان امضى أربعة عقود في الخدمة الطوعية ليل نهار في مطابخنا، وعليه قامت أعباء طهي الطعام، وتسخين الماء للحمام والغسيل، وإعداد القهوة والشاي، لأهل البيت، والضيوف الزائرين




مكواة الفحم ومكواة بابور الكاز

***

اهتم الإنسان منذ قرون عديدة بمظهره ونظافة ثيابه وأناقتها، مما دفعه الى ابتكار الوسائل التي تُمكِّنه من تحقيق ذلك، ومنها المكواة التي تعمل بالفحم. وتعود فكرة ظهور المكواة إلى القرن الرابع الميلادي، عندما أبتكر الصينيون مكواة عبارة عن وعاء حديدي، له مقبض، يوضع بداخله جمر مشتعل يمنح الوعاء حرارة كافية، لفرد الثياب بالشكل المطلوب. انتقلت هذه الفكرة إلى أوروبا منذ أوائل القرن السابع، فتم ابتكار أشكال متعددة من تلك المكواة، تعتمد على نفس فكرة الصينيين، وهي الحصول على الحرارة مباشرةً من اللهب المتوهج.

والمكواة في أساسها قطعة معدنية تسمى بلاطة بسمك 2سم ملساء لها مقبض، كانت تسخّن بوضعها على جمر الحطب ثم تكوى بها الثياب. 

ثم تم تطويرها بعد ذلك بتثبيت صندوق فوق البلاطة، ذا غطاء مع مربط يُفتح الى الأعلى، يوضع فيه قليلا من جمر الفحم، ليعمل على تسخين البلاطة. ولمكواة الفحم فتحات تهوية جانبية لدخول الهواء الى جمر الفحم، حتى يبقى مشتعلاً، ولا ينطفئ.

بعد أن تسخن البلاطة جيدا، تمسح على خرقة من القماش مبلولة بالماء لتنظيفها او لتخفيف سخونتها، اذا كانت مرتفعة .يرش رذاذا من الماء على الثوب او القطعة المراد كويها، من خلال بلّ اليد بالماء ونفضها فوق الثوب، وتكرار ذلك لأكثر من مرة. وتمرر عليه بعد ذلك المكواة الساخنة بحركات متكررة إلى الأمام والى الخلف، فتعمل على تمليسه وإزالة التجاعيد عنه، ليصبح بعد كويه جميلا حسن المنظر، يضفي على لابسه الهيبة والوقار.

ولتجنّب احتمال حرقه او صليه، يمكن فرد قطعة صغيرة من قماش القطن او الكتان فوق الثوب، وكوي الثوب من فوق قطعة القماش.

وفي بداية الخمسينات من القرن الماضي ظهرت المكواة، التي يتم تسخينها على بابور الكاز الاخرس، وهي بدون صندوق معدني. وآلية الكوي فيها هي نفس آلية مكواة الفحم. 


وافتتحت محلات لكوي الملابس في قلقيلية، كان من أشهرهم إبراهيم الصوص، وهشام شطارة على الشارع الرئيسي في البلدة، وموسى الفارس، وابو خدرج.

وبعد ربط قلقيلية بشبكة الكهرباء المحلية عام 1964م، بدأ الناس يستخدمون المكواة الكهربائية، وفي بداية السبعينات من القرن الماضي، ظهرت المكواة البخارية الكهربائية، ذات البلاطة الملساء المليئة بالثقوب، للسماح بمرور البخار الى قطعة القماش.

ومن الجدير بالذكر انه منذ اختراع مكواة الفحم، إلى اختراع مكواة البخار الكهربائية، لم يحدث أي تغيير جوهري على الشكل التقليدي للمكواة

السفرطاس

***

كلمة سفرطاس مؤلفة من شقين: سفر، وطاس، ويعتقد أنها من أصل فارسي، او تركي. ويقصد بالطاس الإناء أو الوعاء، وبذلك يصبح معنى الكلمة- وعاء السفر، أو وعاء طعام السفر، او وعاء الطعام للمسافر.

والسفرطاس اناء معدني عميق، استخدم لوضع الطعام فيه، حتى لا يبرد عند نقله او اصطحابه الى الأماكن البعيدة، وهو مؤلف من عدة طبقات، لا تزيد على خمسة ولا تقل عن ثلاثة، ولكن جميعها تكون بقطر واحد (بين 15-20سم)، ولها يدان صغيرتان على جانبيها، يدخل فيها عمود الحامل، الذي يجمعها معا عند حملها. وفي جزء من الحامل ذراع للإقفال، يسحب فوق غطاء الطبق العلوي عند الإغلاق، بحيث يتم من خلاله إحكام إغلاق أطباق السفرطاس المتعددة على بعضها، لتبقى متماسكة، ولا تسمح بنزول الطعام منها. وتكون الإطباق متداخلة في بعضها، بحيث يشكل كل طبق غطاءا للطبق الذي يليه من الأسفل. ويوضع غطاء واحد فقط على الطبق الأول، وهو الذي يسحب عليه ذراع الإقفال.

يوضع في كل طبقة نوع من الطعام المعدّ في البيت، فيمكن مثلا وضع الأرز في الطبقة الأولى منه، وفي الثانية الحساء، وفي الثالثة الطبيخ، وفي الرابعة السلطات والمخلالات، والزيتون.. وهكذا.

وكان السفرطاس الوسيلة الاقتصادية الملائمة لحفظ ونقل الطعام من البيت الى مكان العمل في المزارع والمتاجر. كما كان ينقل فيه الطعام الى المرضى في المستشفى، حيث كان يعزف المرضى عن تناول الطعام الذي يقدم لهم في المستشفى، لأنه لم يكن طيب الطعم، كالطعام الذي تعدّه الزوجات والأمهات في البيوت.

وكان السفرطاس في البداية يصنع من النحاس، وبعد ذلك صنع من الألمنيوم، وهو أفضل من النحاس، اذ لا يتأكسد ولا يتغير لونه، بمرور الزمن.

لقد انقرض استخدام السفرطاس في قلقيلية كوعاء لنقل وحفظ الطعام، واختفى نهائيا من الأسواق، وربما احتفظ به بعض الناس، كذكرى من مخلفات الزمن الماضي الجميل

للاستزاده راجع المقالات التالية

تعليقات

محتويات المقال