علاقات الجيرة والجيران - علاقة الجيران بين الماضي والحاضر

رمضان ايام زمان

 

حكايتنا اليوم من المدينة الكنعانية التي يلتقي فيها الساحل مع الجبل ، حكايتنا من التي كانت محطة بارزة للقوافل التجارية وبيلاقوا الرحاله فيها الشجر والظلال والميه والفيه ، حكايتنا برز من أبنائها في حقل العلم والآداب ، والصحافة والسياسة والدين

 حكايتنا ما أن تتجول بين البساتين والخضروات والحمضيات لتشتم رائحة الجوافة وزهر البرتقال ، حكايتنا من أم الحمضيات وأم الجوافه 

حكايتنا من رمز الصمود والتحدي رغم تضييق الخناق والحصار ، حكايتنا شكلت تلاحماً أسطورياً لشهداء الجنود الأردنيين ، ليشهد صرح الشهداء قمة هذا الفداء ، حكايتنا يجد فيها الصغار والكبار مجالاً للبهجة والترفيه ،وحديقة الحيوانات التي أصبحت تشكل معلماً بارزاً للمدينة ، حكايتنا من المدينة الغنية بالثروة المائية ، وهي أكبر حوض مياه عذب وسط الوطن ، وأكبر مخزون للمياه الجوفية ، حكايتنا التي ازدهرت فيها الزراعة وتطورت ، حكايتنا من التي تشكل مصدر البهجة والفرح للصغير والكبير 

 لكن حكايتنا من المدينة التي أصبحت مخنوقة ولديها كثافة سكانية في أراضي محصورة ، ومحاطة بجدار الفصل العنصري وما يسمى بالشوارع الأمنية ، وأصبحت كنوزها محاصرة ، حكايتنا من التي تتميز (بالزامور) الذي شكل رمز للمناضلين والثوار وليصبح تنبيها لفطور وسحور رمضان 

 وراح أضوي قنديلي من قلقيلية ومع " أم وجيه ومحمد ليحكوا لنا حكاية رمضان : 

" احكيلنا يا أم وجيه عن رمضان أيام زمان في قلقيليه ؟ " " كان رمضان خير وسعادة ودين وعبادة ،ويعلنوا من المسجد القديم عن ثبوت هلال رمضان ويصير الأولاد يكبرو يقولو: الله أكبر ،والرجال يروحوا على صلاة التراويح ، وكمان المؤذن المغرب يقول يا صايميين افطروا ،أول بيكون الآذان ، وبعدين الزامور ساعة الإفطار وعلى السحور ، المسحر يقول يا نايم وحد الدايم " ،"وشو حكاية الزامور يا أم وجيه في قلقيلية ، أول مرة بسمع عنه ؟" " قلقيلية هي الوحيدة اللي فيها الزامور ، وانشرى أول واحد بالزمنات من مصر ،حتى يدافع الثوار عن البلاد ، بدون الزامور ، بنشعر رمضان ناقص " ، "وإحكيلنا يا محمد كمان عن حكاية الزامور ؟ " "كان الزامور بالزمنات يستعمل كنداء إستغاثة للثوار لنصرة قلقيلية ، ولمواجهة هجوم عصابات اليهود ، وعنا مثل بيقول : إزمرها يا أبو ياسين بجيبلك رطلين طحين ،وضل لليوم إبنه لأبو ياسين بيقوم بمهمة أبوه ، وقت حرب الخليج منعنا الإحتلال من إطلاق الزامور ، لأنه المستوطنين صار مصدر هلع إلهم ، بس رجعنا لليوم بنطلق الزامور ، اللي انفردت فيه قلقيليه " 

 " وشو كان سحوركم يا أم وجيه ؟ " " من هالموجود بس زواده عن الأيام ، لبنة ، بنطقش بيض ،وبنقلي باذنجان ، قمر الدين ، علشان فيه عرق حموضه بيطفي العطش ، الخبز عنا كماج ،وبرقه بالقزحة ،و خبزي بينضرب فيه المثل ، بطول روحي عليه كتير ، كل شيء بده عناية وطولة بال ، بنات اليوم لا بعجنن ولا بخبزن " 

 "وشو أشهر أكلات رمضان يا حجة أم وجيه ؟"" أهم إشي في رمضان بنلتم مع بعض ، ومن زمان زمان كنا نعمل كراديش ونخبزهم بالطابون ،وبنستعمل الجفت للطابون ، وأكلاتنا : فريكة ، وبنغمس بندورة ، مقلوبة ، جاج بالبصل ، أرانب مع بصل بالطابون ، رقاقة عدس ، بامية بالدبسية، فاصوليا ناشفة ،شوشبرك ، شوربة لحمة مطحونة ، نعملها زي الكبة ونمرقلها بالطحينة ، أو اللبن ، وكل موسم وإله أكلاته زي الحمصيص ، والخبيزة ،الرجلة ،واللسينة ، والفاصوليا الخضرا ،بس ريحة رمضان ما بتفحفح إلا بالسلطة ، لازم تكون زينة السفرة : بندورة وفليفله حراقه ، وبصل أو تومة ، مع زيت زتون . فش أطيب من هيك , وبنعمل فتة حمص " ،"وشو كنتو تزرعوا بالأرض ؟ " ،"كنا نزرع بندورة ،خيار ،بصل ، بامية ،فول ،ملفوف ، فقوس ، بازيلا ونقضي حاجتنا ونطبخ من الموجود وما نشتري من بره ، وحلبة ،وفش أطيب من لباليب الحلبة مع السلطة ، ويا عيني على قرونها ، وكنا الخروف من زمان نذبحه ، ونحوسه في الطنجرة ونحطه بالجرار ، ولا يحمض ولا يصير في إشي " ." وشو أشهر أكلات قلقيلية في رمضان يا محمد اللي ضليتوا تطبخوها ؟ "

"رمضان في قلقيليه كله بهجة وحركة ، ومن الأكلات بس حسب إذا كان رمضان بالشتا أو بالصيف ، الكرشات ،الزرب ، المسخن ،الملوخية ، الأصل في الزراعة في قلقيلية الحمضيات من زمان ،وبعدين الجوافه ، مشهورة كتير "

" وشو أشهر الحلويات اللي كنتو تعملوها يا حجة أم وجيه ؟" ،"التمرية ، العوامة ، سدورة الحلبة ، القطايف ، هيطلية ،حمرا وبيضا ،بسيسة مع القطين ، بحته ،وفي آخر رمضان بنعمل كعك بعجوة وعلى وجهه قزحة " ،"في حلويات يا محمد لليوم ضلت معروفة في قلقيلية ؟" ، "أشهر الحلويات في قلقيلية لليوم نمورة (الدح )" " شكله من معالم قلقيلية !!

 وبعد الفطور ياحجة " أم وجيه " ،" كيف كانت السهرات ؟ "، "فش حدا بسهر ، إذا الرجال يتجمعوا بعد التراويح في الديوان، وزيارة الأقارب وصلة الأرحام ، كنا بس نصلي التروايح انام بدري علشان نقوم على السحور ،لا كان في تلفزيون ، ولا نت زي اليوم ، رمضان كان قراءة قرآن وصلاة وعبادة ، اليوم لا بناموا وطول الوقت على المسلسلات ، هذا النت فشكل العيلة " ، " الله يطول في عمرك يا حجة أم وجيه وكل عام وأنت بخير 

 ويا ريت تقوليلنا كيف شايفة هالدنيا ؟" ، " كانت البلد وساع ، رواحنا اليوم صارت مخنوقه من هالجدار ، اللي مضيق علينا عيشتنا وخانقنا خنق ، بدنا أرض نقبر فيها الأموات مش ملاقيين صارت المقابر طابقين وين هذا عمره صار ؟

 أخدوا أرواحنا مش كتير عليهم ياخدوا الأرض ، الله يزيلهم عنا ، والظالم إله يوم ، وما من ظالم إلا سيبلى بأظلم ، وما من يد إلا يد الله فوقها ، وإيماني بالله كبير وإلا الحق ينتصر بأمر الله ، ونرجع لحياتنا القديمة ، القلوب بعدت عن بعض ، وكل واحد سارح في طريقه، ولازم نرجع نلتم " ، "

وإنت يا محمد كل عام وإنت بخير ، وكشاب شو بتعني إلك قلقيلية ؟" , "بس بدي أحكي مثل بنقوله في قلقيلية : "هاي البلد اللي مهما تلف ومهما تدور بترجع لكنيات دحبور " ،واللي بعرف قلقيلية بيعرف شو يعني كنيات دحبور , وراح تضل قلقيلية في قلوبنا مهما ضيقوا علينا " . ويا حجة أم وجيه ويا محمد قال موشي ديان جملته "سأحرث قلقيليه حرثاُ " . ولكن طالما بقي من يوثق تراثها وبنتمي لأرضها وبزرعها وما بيفرط فيها ،ويحمل رسالة العلم والمعرفة والأدب ،واللي لما بكون في البيارة وبيدق على اليرغول وبحس إنه ملك ، هاي هي قلقيلية الصمود و التحدي ،وإن شاء الله تبقى عامرة بقلوب أهلها المفعمة بالأمل والإيمان.