القائمة الرئيسية

الصفحات

قرية خريش - التاريخ والعائلات

خربة قرية خريش المدمّرة والمهجّرة

الإطار الجغرافي لقرية خريش:

موقع خريش: 

تقع قرية خريش جنوب مدينة قلقيلية وتبعد عنها خمسة كيلومترات .

ترتفع قرية خريش 75 متراً عن سطح البحر.وهي قرية من "قرى العرقيات" الفلسطينية ، التي تقع في نهايات السهل الساحلي الفلسطيني ،وعند بدايات المرتفعات الجبلية، مثل :قلقيلية، وبيت جبرين، وطيبة المثلث، ومجدل الصادق وغيره.

مساحة أراضيها: 

بلغت مساحة أراضيها 3655 دونم حسب سجلات المساحة، ولكنها تزيد عن ذلك حسب رأي السكان، ومعاينة الباحث، بسبب أن سكانها جاءوا من كفر ثلث، ومن الصعوبة بمكان الفصل بين ملكية أراضي كفر ثلث وخريش .


عدد السكان:

 كانت تدرج خريش ضمن تعداد النفوس مع كفر ثلث،وفي 1/1/1945 بلغ عدد سكانها 70 نسمة لكن هذه الإحصائية غير صحيحة إذ بلغوا قرابة 350 شخصا عام 1948م حسب البحث .

قرية خريش



مصادر مياه الشرب:

تعددت مصادر الشرب التي استخدمها السكان ؛ لكنها تميزت ببعد المسافة، ومشقتها خاصة في العهدين العثماني والبريطاني.وهذه أهمها:

مياه آبار الجمع: ظل الاعتماد على آبار الجمع، هو الطابع الأعم في الحصول على ماء الشرب، حيث يتم جمع مياه الأمطار في فصل الشتاء. وسادت الملكية الجماعية بين الأقارب أو الأباعد بمصطلح " الشبر " ،ونظراً لأهمية مصادر المياه لأصحابها.قام أبناء كفر ثلث ومنها خريش، بضم مساحة أرض مع البئر سموها " الحرجة " ،وقد أحصى الباحث 22بئرا أكبرها بئر هيتو. وهناك بركة محفورة في الصخر منذ عهد الرومان وكبيرة المساحة تبلغ مساحتها 100 م2 ويصل عمقها إلى 5 أمتار، وهي مقصورة، وتقع في الجهة الغربية من خريش.

الآبار الارتوازية: يعد بئر أبو العون أقدم بئر ماء نبع قديم، الذي حفره شيخ تقي كتب عنه الشيخ مجير الدين الحنبلي: ـ " وفي عصرنا ولي النظر عليه … شمس الدين أبو العون محمد الغزي القاري الشافعي... عمر المشهد وأقام نظامه وشعاره، وفعل آثارا حسنة ... والضريح الكريم عمله في سنة 886 هـ … وحفر البئر الذي بصحن المسجد، حتى وصل إلى الماء المعين، ثم عمر برجا على ظهر الإيوان من جهة الغرب ".

بقي بئر أبو العون مصدراً أساسيا للشرب، ولسقي الدواب عند سكان قرى جلجوليه، وكفرثلث، وخريش، وحبله، وكفر برا وغيرها وكانوا يتعاركون على الدور، حتى قام الألمان بحفر بئر ارتوازي في وادي الزاكور شرق خريش.وصار بإمكان أهالي كفر ثلث وخريش، وغيرهم استخدام هذه الآبار في أغراض مختلفة .

وبعد دخول الانتداب إلى فلسطين جرى حفر بئر ارتوازي في أراضي خريش في بيارتين للحاج حسين صبري ( قلقيلية ) وأمكن أهالي القرية الاستفادة منها في الاستعمال المنزلي، وسقي الدواب.

الحفاير: حفرت في الأرض على أيدي الرعاة غربي جلجولية قرب أراضي البساتين، تسقى منها الدواب وهي قريبة من السطح.


استخدام مياه نهر العوجا:

كانت كفر ثلث وخريش من القرى التي توجه رعاتها لرعي دوابهم قرب جلجولية، والمويلح، وعند الظهيرة كانوا يخلدون للراحة ،وناموا تحت الشجر المحيط بنهر العوجا دون خوف أو وجل من محتل، أو من مدعي ملكية.

حدثتني جدتي نعمة داود: "كان موسى العرار،وادريس الأشقر يأخذون الدواب من بقر وغنم إلى نهر العوجة، وبعد أن ترعى عند قرية المر(المويلح) يقيلن عند الظهر، وينام الشباب في عز الصيف تحت نبات السعد هانئين مطمئنين وما فش يهود يضايقوهم " .



موجزتاريخ خربة خريش:


توجد مؤشرات على أن خريش كانت قائمة في عهد الرومان، بدليل وجود بركة أثرية استخدمها السكان في الشرب ، ثم عثر السكان على قطع نقدية أنتيكا وذهب تعود لهذا العصر.

حددثتني والدتي في 21/3/2007" كنا نغربل التراب علشان الطوابين ونلاقي خرز ذهب وأهلي باعوه ،وكان مغربي ييجي على البلد منشان يفك الرصد ويطلع كنز ذهب من بعض المغاير"



خريش زمن العثمانيين:


نسب إلى خريش العالم الفقيه محمد بن أحمد الخريشي الحنبلي، الذي كان والده بناءً ودرس في الأزهر، وأقام في القاهرة ، ودرس وأفتى فيها، ثم قدم إلى القدس واشتغل بالتدريس.

كان عاملا خاشعا، كثير التهجد والقراءة، ونابلس توفي عام 1100 هـم1593.



التوطن البشري في خريش:


اتخذ أبناء كفر ثلث موقع " الهدفه " جنوب خريش للرعي والتعزيب، وكان ذلك في النصف الأول من القرن الثامن عشر.

وشمل التعزيب أشخاصا كان منهم : مرعب، وخالد، وعرار، والقصاص وبشير، وكان هدفهم الاقامة المؤقتة، حتى يستغلوها صيفا في زراعة الذرة البيضاء، ورعي الدواب، ويرجعوا قبيل الشتاء إلى كفر ثلث للإقامة في مساكنهم، ورعي مواشيهم في الجبال، ولكن مشقة السفر والترحال، جعلتهم يستوطنوا فيها.

يقول أحد الرواة:

" يعد موسى العرار أول من توطن في خريش بصورة دائمة في المنتصف الأول من القرن الثامن عشر ، وانتقل من "العزبة القبلية" إلى موقع خربة خريش القديم. واستخدم مغارتها لمبيت الأبقار والأغنام. بعد استقراره تبعه أخوته صالح، وصلاح، وعبد الحافظ، وبسبب خصوبة الأرض في السهل الساحلي، وحاجتهم لزراعتها بمحصول الذرة البيضاء وغيره من المحاصيل، ووفرة الإنتاج تدفع باتجاه الاستقرار فيها.

دور ضامن الويركو في تهجير سكان كفر ثلث إلى خريش والزاكور:

بعد انتهاء الحكم المصري بقيادة إبراهيم باشا في فلسطين عام1840. نشطت من جديد الصراعات القبلية، والعشائرية، والحمائلية، والعائلية، وانقسمت البلاد بين القيس،واليمن، وطال الانقسام فلسطين قاعدياً ورأسياً،وأثر سلبا على علاقاتهم .

وفي هذه المنطقة من جبال نابلس، حدث صراع بين آل ريان، ومقرهم في مجدل يابا، وآل القاسم في حبله، ومحوره الخلاف على زعامة الجماعينيات،وتأثرت حمائل كفرثلث بهذا الحال.

كتم عبد الهادي القاسم أنفاس الحمائل المعارضة، وتصرف كحاكم محلي،وبنى قصرًا يضم طابقين في قرية حبله، وقد صنع قصراً من الشيد والزيت، وقد أحضروا حجارته البيضاء والوردية من أماكن بعيدة.وبنى عبد الهادي القاسم في الطابق الأرضي سجنا لمن يعصيه في دفع الضريبة.

دفع التسلط والعنف الفلاحين للهجرة إلى قرى وخرب قريبة وبعيدة أو محاولة الانتحار، وهربوا إلى المغارات والكهوف للمبيت فيها، وأضطر البعض لرهن الأرض لهذا السيد مقابل تخليصه من الضريبة، وهكذا رحل  المختارسعيد موسى عودة إلى خريش .



أثر التجنيد الإجباري وحرب اليمن على السكان:

عانت الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر من جملة حروب وفتن داخلية، ومنها ثورة أهل اليمن على الأتراك ، وكان لفلسطين نصيب من التجنيد الإجباري، الذي شمل القرى والمدن، وقد سبب آثاراً سلبيةً في المجتمع الفلسطيني؛ في ظل هذه الأحوال لم يكن أمامهم غير الفرار من المعارك، أو دفع بخشيش للطبيب العسكري .

ووصفت سلطة الأتراك التي حملت الشباب وحشرتهم في السفن كتجار الغنم الذين يسيرون بها من مكان إلى آخر، وتشهد النساء على الحدث بترانيم حزينة فتقول: ـ

جلبوا الشباب كجلب الغنم

جلبوهم ونزلوهم على اليمن

وقد انعكست هذه الأوضاع السلبية على شباب كفر ثلث وخريش، وعن المآسي التي رافقت هذه الحالة يذكر أحد الرواة: ـ " لقد جند أولاد موسى العرار من خربة خريش، وهم: محمود، ومحمد، وبقي عيسى يربي أولاد اخوته احمد وموسى، و كسرت رجل محمد في الحرب، وقعد إحداشر سنة، وأصيب بالعمى يوسف مصطفى، وفقد بصره حيث لا طب ولا دواء، ،ولم يكن غير زبل الدجاج دواء للعيون ورجع الأخوين عن طريق البحر، ونزلا على شاطئ يافا، وبلغ الخبر مسامع أهالي العائدين ، وفرح الناس لعودة الطابور، والتقت النسوة بأزواجهن وبحلق الأولاد في ابوتهم غير مكترثين بهم."



قرية خريش



دور خريش في الثورة والنضال:


أسهم بعض أبناء خريش في الثورة الفلسطينية 1936مساهمة محدودة، وتمثلث في تقديم بعض الخدمات، وعلى أرضها حدثت بعض الأحداث البسيطة.وانخرط بعضهم في فصيل "الموت" بقياده فارس محمد الحواري من قرية عزون والذي وصل عدده خمس وسبعون ثائرا،ومنهم حسن أبو عمر الذي تخصص في صنع الكبسولات .

. قام الثائر فارس العزوني ورفاقه بعملية عسكرية .راح فيها 8ـ 12 جندي بعضهم من اليهود،التي جرت في ربيع عام 1939،وجرح فارس ونقل إلى خريش ،وأحضر السكان الطبيب رفعت عودة لأسعافه،ثم رحل إلى سوريا، بعد مرور عام على رحيله لسوريا ولبنان قبض عليه الفرنسيون وسلموه لبريطانيا ،وأعدم في سجن عكا ،وحزن الناس لشنقه، وقالت نسوة كفرثلث وخريش فيه:


قلن انكسر ريح المراكب                                       وانكسر مركب ذهب

يا خسارة يا أبو معروف                                        يا قايد كل العرب .


الحياة الاقتصادية:


تطورت أعمال أهالي خريش في العهد البريطاني في الفلاحة ورعي الدواب،وشكلت التجارة مصدرا جديدا في الدخل والإنتاج، ففي هذا العهد نشط الوسطاء التجاريون، واتخذت التجارة شكلين: الأول التجارة مع اليهود، والثانية التجارة مع العرب في المدن.ففي سياق تجارتهم مع اليهود، قاموا بتصدير ناتج القرى القريبة، مثل السماد، والبيض، والشيد، والفحم، والحليب والجبن.

ونشط عدد من أبناء خريش وكفر ثلث في تسويق سلعهم المنتجة، مثل: الشيد، حيث كانت لهم تجربة و تراث عريق في عمل الكبارات واللتاتين.

لقد نشط التجار اليهود في شراء الزبل البلدي من قرى قلقيلية، وقامت المستعمرات بجهد العرب، ومنها: مستعمرة رعنانيا، وكلمانيا، وبيتح تكفا، ورأس العين، وسبية (كفار سابا)، ومجديين. حدثني علي أسعد جابر أحد تجار البيض، أنهم كانوا ينقلون البيض عل الحمير في صناديق الخشب، وأنه نقل في عام 1935 قرابة مليون بيضة، ومعه عدد من التجار، وقد جمعوها من قرى نابلس، وطولكرم وقلقيلية .

لا يقتصر عمل أبناء خريش على دور الوكيل التجاري، بل نشطوا في زراعة الخضراوات والفواكه ، فزرعوا الموز، والخيار .

وزرعت بعض أراضيها بالبرتقال ،حيث زرع مصطفى الخطيب بيارة برتقال ، كذلك بعض العائلات القلقيلية، ومنهم آل صبري ، ودار أبو حجلة في سنيريا.

 وعمل آخرون على تعمير أرض خريش الصخرية، وزرعوها بالزيتون والرمان، والتين، والتوت، ونشط في الزراعة وحفر الآبار، الحاج عيسى عرار، وابن أخيه عبد الهادي ، وفي الزاكور نشط عطا حسن رزق الله في زراعة أغراس الزيتون قبيل عام 1948.

رغم التحسن النسبي في الحصول على النقد من تجارتهم إلا أن الإنتاج العربي تعرض لسياسة التحطيم ،حيث أعاقت بريطانيا تصدير القمح والسمسم ،وأطلقت العنان للاقتصاد في خدمة الصهيونية ومشروعها الاستعماري.

حرثوا الأرض بمحاريث خشبية وحديدية، وتطورت أساليب الحرث بالآلات الزراعية بعد عام 1925، وقد أحضروا أشخاصاً من العباسية لهذا الغرض.

كان استغلال الأرض على النحو التالي :130 دونما غير مستغلة، و 28دونما مساحة بيوت القرية، خصصت دونمين للطرق و283دونما زرعت بالحمضيات سنة 1945،و 70دونما زرعت بالأشجار المثمرة كالزيتون واللوز والتين ،وهناك 2250دونما زرعت بالحبوب .

الحياة الاجتماعية: ضمت خريش عائلات جاءت من كفرثلث ومنها: عائلة عرار، وعائلة عبد السلام، وهما فرع من حمولة عودة ، والتي جاءت من شرق الأردن.

عائلة الخطيب، وهي فرع من حمولة شواهنة التي سكنت كفر ثلث ،وجاءت من شعفاط قرب القدس.

تميزت هذه القرية بكرم أهلها، وحسن ضيافتهم، وتأثروا بالتقاليد العربية، حتى سمي هؤلاء بـ(بني ماضي)، أي أنهم ماضون في الشرف والكرم والشجاعة والمروءة.

و تأثرت علاقات أبناء خريش بعلاقات الحمائل في كفرثلث ، فهي تسوء أو تتحسن، بحسب أوضاع العلاقات في القرية الأم.

ووجدت فيها مضافات أهمها: مضافة عمر الحاج محمود، وأحمد السعيد، وقد تجلى دورها في استضافة العرب الذين تم ترحيلهم عام 1948؛ بسبب الرعب الذي مارسته الحركة الصهيونية، وقد بلغ عدد الذين استضافتهم بما يتجاوز ثلاثة أضعاف عدد السكان، بعضهم جاء من دير طريف، وبدو أبي كشك، وبدو أبو حطب، وبدو الجرامنة، ومن قرية العباسية، وبدو بئر السبع وغيرهم من المهجرين .

حدثني عثمان عبد الهادي:

"أهل كفر ثلث وخريش يقتلوا حالهم قدام الغريب، واعتبرت خريش قاعدة للضيافة والكرم، وهي مشهورة باسم بني ماضي، وكانت فيها مضافتان عامرتان بالرايح والجاي، واحدة عند عمي عمر الحاج محمود والثانية عند أحمد سعيد عبد السلام، ودورها لا يقتصر على الضيافة بل كانت تحسم قضايا الصلح والإصلاح، جاء جبر أبو كف من أمراء وشيوخ بئر السبع إلى خريش، التي استقبلته بالضيافة والترحاب، وأخرجت له الطعام ، ومكثت ضيافته عدة أيام ".

ولهم أقوال شتى في الضيافة تجسدها الأمثال الشعبية ومنها: في عزومة من وراء الباب وعزومة بتقطع الثياب.

كان الناس يجتمعون في المضافة للتباحث في الأمور المهمة، وكذلك لسماع حكايات، وسيَّر شعبية ثراثية وتاريخية مثل: قصة الزير سالم أبو المهلهل، وعنترة، وسيرة أبو زيد الهلالي، وقراقوش واستحوذت على تفكيرهم قصص الغيلان والضباع، وكيف نجح فلان في صدها أو قتلها.

العمران :أسهم التطور الاقتصادي في بناء بيوت الحجر ( القصم )، وبعضها بني من الطوب والطين. وأبرز بيوتها الحجرية: بيت الحاج موسى محمد موسىالمكون من ثلاثة غرف، وقد بناه دخيل من نابلس، وكانت في صف من الغرب للشرق و تتجه أبوابها شمالاً.ويتطابق هذا مع قولهم :

شمالي يا هوى ديري شمالي     على اللي أبوابهم تفتح شمالي

كل أنا لرافق الريح الشمالي       واسقط ندى على جسم الأحباب

وعلية موسى عيسى عبد السلام، الذي كلف بناؤها 200 جنيه فلسطيني، وكانت عبارة عن طابقين من الحجر، وكذلك الحال بني بيت عطا حسن رزق الله في الزاكور من الحجر، وبيت أولاد عبد الرحمن الخطيب، وأحمد سعيد عبد السلام في قرية خريش، و بني الجامع سنة 1937من الحجر، ولا يوجد عيادات صحية أو مؤسسات عامة سوى المضافة، وفيها مقبرة بلغت مساحتها قرابة دونمين.

حدثني أحد الرواة:  "مقبرة القرية قديمة ودارسة، وهي جزء من مشاع عائلة عرار، مساحتها لا تقل عن دونمين ، قبر فيها الحاج موسى، وابن عمه الشيخ أحمد عرار، وأحمد سعيد عبد السلام، حاول اليهود تجريفها، لكن احتجاجات أهل خريش، ومساعدة السفير التركي منعت اليهود من جرفها، وفيها بئر قديم " .

الأوضاع التعليمية: ظلت القرية حتى عام 1948 بلا مدارس. ارتبط التعليم ببناء جامع القرية في عام 1937، والبالغ طوله12 م وعرضه 4م.

ودرس فيه الشيخ أحمد الميتاني ،حيث تأسست مدرسة "كُتاب" وتعلم عدد من الأطفال على يديه، ثم تعلم آخرون في جلجولية عند الشيخ إبراهيم الرابي، أو في حبله عند الشيخ محمود السفاريني، وعندما فتحت مدرسة كفر ثلث أبوابها عام 1944 تعلموا فيها .

رغم ذلك، يصح القول أن عدد المتعلمين كان قليلاً في خريش ولا يتجاوز أصابع اليد ،

حدثنا أحدهم : "تعلمت في خريش حيث علمنا الشيخ عمر الميتاني، وكنا نجلس على الحصيرة، ومن الأشعار التي حفظناها:

بلاد العرب أوطاني                         من الشام لبغدان

وقرأنا قصص الأنبياء، ودار دور ورأس روس، وممن تعلموا في المسجد كل من: حسن عبد الرحمن، وذيب القبطان، ومحمد عمر، وأحمد تيم، وأسعد أحمد عبد السلام، ويوسف صالح، وسعيد صالح، وذهبت إلى كفر برا، وتعلمت على يد الشيخ كمال، وفي جلجولية على يد الشيخ إبراهيم الرابي.

وفي كفر ثلث تعلمت على يد الشيخ علي كايد القدومي، الذي كان قاضياً للزواج، وكانت حكمته المشهورة التي تعلمتها: [ كل دولة تمسكت بالدين لا تغلب، وكل نعمة حفت بالشكر لا تسلب ].

وقد علمني الشيخ أحمد القاضي في كفر ثلث عام 1940، ولم أستمر بالتعليم حيث رغب والدي أن أعمل في الفلاحة ".

نجح في إكمال تحصيله العلمي المعلم كمال الخطيب ، الذي تلقي تعليمه في كفر ثلث وعزون، والخضوري في طولكرم ،الذي أصبح مديراً لمدرسة جلجولية حتى تقاعد من التعليم عام 1995 .



الوضع الصحي:


قد اعتمد السكان في تطببهم وعلاجهم على الأطباء الشعبيين سواء أكان في علاج البشر أو الدواب. بعد قيام عدد من المستوطنات القريبة منهم أخذوا يتوجهون للعلاج فيها، وقد عرفوا أطباء مشهورين، ومنهم: غزال في بتاح هتكفا،وأم يوسف في كفار سابا.


تهجير أبناء خريش وتدميرها:


لم يلق قرار تقسيم فلسطين قبولا عند العرب واليهود، كما سعى اليهود لفرض وقائع جديدة على الأرض، بدأت المعركة بين العرب والصهاينة في يافا. شارك فيها بعض أبناء قرية خريش، واتخذت صورة فزعات عفوية، حركتها الحمية العربية لنجدة المدينة عن ذلك يقول الراوي:ـ

" راح حياة حسني عبدالرحمن حسن وقاتل في يافا ،حيث فزع مع من فزعوا من القرى وهناك جرح وتهشم .



معركة بيار عدس:


 تقع قرية بيار عدس إلى الغرب من بلدة جلجولية، وتبعد عن خريش 4 كم .وبعد أن تمركزت فيها أعداد صغيرة من جيش الإنقاذ تعرضت لهجوم يهودي يومي 28 و29 شباط 1948، عن هذا الهجوم، ودور أهالي خريش في معاونة جيش الإنقاذ يقول الراوي:ـ

" هاجمت منظمة الهاغاناه في بيار عدس خمسين نفرا من جيش الإنقاذ وخمسة عشرة مناضلا فلسطينيا، وكانوا عشر أضعاف العرب ،ودارت معارك طاحنة في الشوارع، وفشل اليهود في فرض سيطرتهم على القرية الصغيرة، واضطروا لعمل هدنة لغرض رفع قتلاهم، وجرح عدد من المناضلين العرب .

جاء إلى خريش شخص على دراجة مسرعا، وقال يا عرب يا إسلام وين الهمة والنخوة ؟، راح حياة عمي عمر الحاج محمود، ومعه بطلع ثلاثين شخص من خريش، وركبوا سيارة شحن، وراحوا يقاتلوا في بيار عدس، ومنهم: رشيد قاسم، وعبدالعزيز الشيخ أحمد، وأخي عثمان عبدالهادي، وأخي حسن عبدالهادي، وذيب القبطان، ومجموعة شباب من خريش وكفرثلث، وقاتلوا عند مقام النبي يامين القريب من كفرسابا، وبيار عدس، وعمي عمر معه رشاش خمسمية، وكنت أعبي له الرشاش وهو يطلق على الهدف، وبعدها توجهنا إلى بيت عبدالرحيم السبع، وكنت يومها وحيد أمي.



النضال العراقي والفلسطيني في منطقة المثلث العربي:


انسحب البريطانيون وحضرت كتائب من الجيش العراقي بقيادة عمر علي آمر الفوج العراقي. الذي تم توزيعه في المنطقة الممتدة من كفرقاسم إلى جنين.

فرحت نساء فلسطين بقدوم ضباط وجنود الجيش العراقي الذين قدموا للدفاع عن فلسطين والذين رابطوا في أرض المثلث فقلن فيهم:ـ

يا زتون ما مروا عنك عراقية                     بارودهم في كتوفهم مجلية .

ظهر تعاون بين الجيش العراقي والمناضلين العرب ، و لم يتجاوز في حركاته خط سكة حديد رأس العين ـ حيفا ، وأحيانا كان العراقيون يقذفون اليهود بطلقات المدفعية ، وظلوا يشكلون قاعدة إسناد خلفي للمناضلين الفلسطينيين بدلا من الاشتباك معهم.

كان الفلسطينيون في شك وغير مؤمنين بجدوى حرب الجيوش العربية حدثني أحد الرواة:ـ

" طلب العراقيون من الفلسطينيين تقديم عدد من المتطوعين والمال، واجتمعوا مع الوجهاء في كفر ثلث، وخريش، وبديا، وكفر قاسم،وأبدت بعض القرى عدم القناعة في جدوى الحرب ؛ بسبب شعورهم أن الحرب لم يُعد لها، لكن المسئولين العراقيين جمعوهم،وهددوا باستخدام القوة ضدهم وطلبوا منا الحراسة وتناوب الناس بين دفع المصاري أو الحراسة ، وأكرى بعضهم بدلا من القتال.

وعن المناوشات التي جرت غير بعيد من خريش وجلجولية، وعن مشاركة أبناء القرى الفلسطينية يقول أحد المشاركين:ـ

" سيطرت الحركة الصهيونية على عشرة بيارات كبيرة من البرتقال عند بيار عدس وللغرب من جلجولية، وبدأت المعارك حولهن، وفي البداية كانت مناوشة، وقاموا بتوزيع جنود ومناضلين على البيارات، وأعطى هؤلاء إشارات إلى المدفعية في صوفين عند قلقيلية فأخذت المدفعية تدمر دبابات العدو، وشوهدت إحداها محترقة غربي جلجولية، واشتركت مصفحة لبلدية قلقيلية في المعركة وكانت محملة بمدفع رشاش من نوع Six Bounder واتجهت لبيارة رفيق أبو حجلة إلى الجنوب من البيارة الأولى، وهي مكشوفة وضربها اليهود بمضاد للدروع وبنشرت . وبدأنا في الرماية عند ذلك تنفست مصفحة قلقيلية الصعداء، ومشت ولا زالت ترمي، وعندما شاهدها اليهود طلعت على السكة تركوا الخنادق وهربوا وسقطت بيارة أبو حجلة ثانية في أيدي العرب، و بعدها سقطت العشرة بيارات في أيدي العرب واستلموهن 15 يوم "

*البيارات العشرة تضم : بيارة الداعور ،وبيارة الببان، ومحمد العودة ،ورفيق أبو حجلة ،واليافاوي، والشكعة ..



تأثير انسحاب الجيش العراقي على قرية خريش :


أسهم قرار انسحاب الجيش العراقي من خط المثلث في نشر الهلع والخوف في نفوس الناس، حول هذه الأحداث يقول الراوي:ـ

"كان الجيش العراقي من ضباط وجنود قد المحوا إلى المؤامرة التي تنتظر الفلسطينيين ، وجرت اتفاقية رودس في 4نيسان 1949مع الأردن ،انسحب الجيش العراقي وعاد إلى بغداد،وبعد خروجهم من فلسطين بثلاث أيام سلم خط المثلث ـ رأس العين ، ورجعت القوات الأردنية إلى الشرق كليومتر من خط سكة الحديد، ، وهي منطقة المثلث العربي، واحدة من المناطق التي جمعت في داخلها عددا من القرى الفلسطينية المهمة وتركوا خريش والزاكور محتله ".

الآن وقد ارتسمت الحدود الجديدة ، تساءل الخريشيون وضيوفهم من القرى* التي ملأت السهل والجبل في محيط القرية،أين يذهبون ؟

هل يشدون رحالهم للشرق ، أم يعودوا لقراهم ، وينتظروا الطرد والقتل والتهجير ؟

يقول الراوي :

" فكرنا في الأرض، وفي المجازر التي ارتكبت في اللد، والرملة، والقسطل، ولأن جميع أهل خريش لهم أراضي في قرية كفر ثلث و خط الهدنة سيقسمنا نصفين، وخوفا من حدوث جريمة كما حدث في قرى عربية أخرى، جعلنا نتفق على تقسيم أنفسنا، فبعضنا قرر التوجه للضفة الغربية وآخرين قرروا البقاء في خريش، ولكن عاد اليهود وطردوهم إلى جلجولية والضفة الغربية "([1]).

وحول كيفية دخول قوات الاحتلال خريش، وما هي البيانات والمواقف التي اتخذتها حدثني عبد الله تيم عوده :

" أجا الحاكم العسكري الإسرائيلي فولي على خريش على دار عمي عمر الحاج محمود، وجمعنا،وكنت واحدا من بينهم .وأجبرت على الرحيل في 29/5/49 .

 قال: يا أهل خريش لقد احتلت إسرائيل أكثر من ميه وخمس وستين قرية عربية ،ولتعلموا انه يسمح لكم بقضاء حاجياتكم من قلقيلية وقرى الضفة الغربية خلال ثلاث شهور، وبعدها كل شخص يتوجه للضفة الغربية سيغلق الباب في وجهه فسأله، الحاج عيسى عرار قائلا: ما المقصود بهذا يا حضرة الحاكم؟.

قال الحاكم العسكري:أي لن نسمح للذين هاجروا بالرجوع مرة ثانية، ونحن نعرف الذين هاجروا فردا فردا، ومن يرغب منكم التوجه إلى الشرق فليخرج الآن.

مرت الأيام ووجدت الحياةل تطاق ، فهناك فقر وضغط اقتصادي ومنع تجول وحكم عسكري،والأرض موزعة في كفرثلث وخريش، وكنا ملاكين وقررت الرحيل، وبقي أخي محمد هناك"

عرب أبو كشك، وعرب الجرامنة، وعرب السوالمه وعرب أبو حطب، ثم أبناء بعض قرى يافا كأبناء قرية ديرطريف وكفرعانة، والخيرية، والعباسية، ورنتيه .


التهجير المبرمج لطرد أبناء قرية خريش


خرج ما يزيد عن النصف من قريتهم خريش بين عامي 1948ـ 1949إلى قرى كفر ثلث و الضبعة، وحبله، ومدن قلقيلية، وطولكرم ونابلس ، وبعض المخيمات الفلسطينية ، ومنها :مخيم طولكرم، ومخيم عسكر. عملت سلطات الاحتلال وفق خطة مدروسة لتهجير البقية الباقية منهم بالوسائل الآتية :

أولا : إدعت أن أبناء خريش يؤون المتسللين ،وراح يأتي بالأكاذيب والأباطيل مستغلا غياب الإعلام والصمت العربي والجهل المطبق .

وقام المحتلون بتهجيرهم تباعا واختلقوا الأحداث والذرائع والحجج لطلردهم نهائيا.

وكانت البداية الأولى في اعتقال محمد موسى عرار ، حدثني والدي أمين :

"بعد انتهاء الحرب، دورية إسرائيلية تتقدمها سيارة مدنية فيها عدد من الضباط العسكريين، كانوا في طريقهم إلى القرية شاهدوه يتجول في شارعها ،ماشي معنقر* ولابس بريكز* كاكي ، وبعدها اعتقلوه ، ونسبوا له تهمة قتل عربي و يهودي ، لم يعترف وسجن سبع سنوات، وزوجنا عمتي خديجة لخليل الخنشرية من جلجولية، وأخذنا بعض مهرها، ودفعناه للمحامي لإخراجه ورحلوهم إلجلجولية، ولحق بهم بعد خروجه من السجن وعادوا مرة ثانية لاعتقاله وتشاوروا في تصفيته ففر إلى الضفة الغربية، ولحقت به أسرته " .

وتذرعت سلطات الاحتلال بأن محمود الشيخ أحمد خطط لسرقة آلات من كسارة المجدل بالتنسيق مع أناس من كفرقاسم .

حدثنا الراوي :

"جاءت هذه الحيلة بعد آن قدم ذات مرة زكي الدرزي ومعه عدد من الجنود إلى بيت مختار القرية ويظهر أن محمود قابله بشرر ، ولهذا السبب لم تعجبهم حميته، وتحينوا فرصة الإيقاع به .

ـ كان ذكي وحساس وفهيم ـ  و قاموا بافتعال قصة السرقة واعتقلوه وضربوه حتى حدث نزيف داخلي في دماغه واختل عقله، وقاموا بنفيه عن طريق جسرعبد السلام جنوب قلقيلية إلى الضفة الغربية، وراح لأقاربه في قرية الضبعة، وأقام في حبله وبعد مضي عدة شهور لحقته مرته، وتقبلت سلطات الاحتلال هذا القرار بترحيب لكنها اشترطت أن توقع على ورقة أنها لم تجبرهم على الخروج، وسلمتهم للصليب الأحمر. ولحقت أنيسة عمر الحاج محمود بزوجها ومعها والدته جميلة عرار، وولده أحمد، وابنته مهدية ([2]).

وتم ترحيل ذيب القبطان ووالدته العجوز الضريرة. حدثنا المرحوم ذيب القبطان.

" بعد انتهاء الحرب جئت وذهبت وعدت مرات عديدة للقرية، وفي مرة من المرات جئت ازور أمي الضريرة والعزيزة على قلبي وأنا وحيدها، التي دللتني كثيرا، وما هي إلا دقائق، وإذا بالجيش أجا يًدور علي، قمت حبيت ، واطلعت على التينة، ودخلوا الدار وقلبوها ولم يجدوا غير أمي العجوز ،أما أنا ربي سترني وكانت الدنيا عتمة .

واصل ذيب يوسف قبطان ذهابه وإيابه إلى خريش حتى يزور والدته مرات عديدة، والواشون يرسلون أولاً بأول عنه، حتى قبض عليه، حدثني ذيب، فقال:ـ

" ضليت رايح جاي على أمي والوشايات رايحة جاية أخيرا قبضوا علي في الدار وأمضيت بطلع ست شهور، وأبعدوني للضفة الغربية أنا وأمي ".

وتذرعت سلطات الاحتلال العسكري بتسلل الشاعر الشعبي محمد الخروب من حبلة المجاورة لقرية خريش بصورة متكررة والذي كان يزور أخواله وأصدقائه ويبيعهم بعض الحاجيات كالملابس الشعبية ، وفي هذه المرة استهدفت أسر صالح حسين وعثمان عرار ورشيد اسماعيل عيسى .

حدثنا ابراهيم صالح حسين:

" جاءت دورية عسكرية للقرية وقفت عند جامع القرية وكان محمد خروب، يقف عند المسجد ومعه عثمان محمد عرار، وصالح حسين عرار، ورشيد إسماعيل عيسى، وسألوهم عن هويتهم الشخصية . أبرزوا بطاقة الهوية ما عدا محمد الخروب الذي كان مطلوبا، وأسرع بالهرب من بين الدور، عندها قرر نائب الحاكم العسكري فولي طرد والدي وإخوتي وأخواتي بعد أن عذبوه وضربوه على رأسه، وأطرشوه ، وطردوه عن طريق جسر عبد السلام عند قلقيلية، ، ما عداي وأخي يوسف بقينا في خريش، ويعود سبب طردهم لوالدي انه كان ملاك كبير أملاكه اقل شيء ميتين دونم، وطردوا عمي عثمان لنفس السبب بتهمة التواطؤ ومساعدته على الهرب، وكانت أملاكه لا تقل عن أملاكنا في خريش، و طردوا رشيد إسماعيل عيسى بعد اعتقال وتعذيب دام عشرين يوما،وتبعته زوجته وأولاده ".

لم يكترث أبناء خريش بالقيود والدوريات والحواجز الطيارة والملاحقات والحراسات التي فرضها العدو والحرس الوطني الأردني ، ولم ينقطعوا عن قريتهم وإخوانهم وعشيرتهم الأقربين.

حدثني عثمان عبدالهادي عن (التسلل) ومبرراته.

"كنت أذهب متسللا إلى جلجولية لزيارة أخي حسن ،لم أستوعب الفصل والمنع،أحيانا أحضر طحينا ومرة أخرى بعض المال بسبب الفقر ،وتسلل غيري وسرق بقر هولندي أو أحضر أكياس برتقال ، وعملت مجموعة في التهريب، منها مجموعة عمر الحاج محمود وموسى المقبل ومعه سلمان سلمان من دير استيا ورفعت الحواري من حوارة، وهربوا بقر هولندي ، ومرة من المرات دفعت رشوة لضابط أردني وبعت طرش غنم وبقيت على هذا المنوال ،حتى نصبوا لي كمين وفشلوا في اصطيادي جيش كلوب باشا في وادي التين وفرضوا علي اقامة جبرية في أريحا ،وبعدها سافرت على الكويت ومرة من المرات أخذت أمي لزيارة أخي حسن في منتصف الليل، وعرف الواشون وخرجت بكفالة في مغفر سلفيت ، وأخذت أوراق ثبوتية تثبت ملكية البعض لقطعة أرض ، وحملت كيس الطحين من جلجولية لمغارة الضبعة في سنة التمر 1950" .

وأخيرا أنفجر حقد الاحتلال وأفصح عن غضبه تحت دعوى أنه ما عاد يطيق أحداث التسلل، وأنه ليس بإمكانه وضع قوة حراسة أو نقطة جيش في هذا المكان ونظرا لأهميتها كقرية حدودية، حدثنا الراوي:ـ

" تظاهر الاحتلال أن القرية صارت مزعجة للجيش والحكم العسكري لكثرة ورود إخباريات ووشايات عن قدوم متسللين، وتهريب أبقار وأغنام وبضاعة وكانوا الشواهنة في كفرثلث رايحين جايين على قرايبهم (دار الحاج ودارالخطيب) ودار عودة على قرايبهم (دار عرار وعبد السلام ) والناس ما لها خلاصه من بعضهم البعض، وأخيرا قرروا أنها قرية متعبة وليس لها لزوم أن تبقى على الحدود وقالوا بترحيلهم لجلجولية أو أي مكان آخر يختارونه وبقدر أقول لك حصل هذا بترتيب مسبق ودراسة مع شخصين كانوا ينخرون كالسوسة فيها ".



الترحيل النهائي في 28 شباط عام 1952


يعد مساء يوم 28 شباط 1952 مساء شؤم حيث جاءت اليها دوريات عسكرية تحمل جنودا وضباطا،وقرارا بالترحيل والتهجير حدثتني عمتي فقالت:

" كنا نسهر عند دار عمي عمر الحاج محمود، فالتقى الجنود بحسن، فضربوه بجنزير حديد حتى صار منخاره ورأسه ينزف دم، وتنفخت عينيه، ودخل الدار ممرغ دم، وينتفض مثل الغرفة، راحوا على دار عمر الحاج محمود، وكان يتحمم ومعه زوجته، وانتظروه حتى يفتح الباب حطوا فيه قتل مع العلم أن عمي عمر ما عمره حدا قتله وكان شيخ منطقه، حتى سقطوه ع الأرض، وراحوا على دار المختار إدريس الحاج محمود ، واتجهوا إلى بيت مصطفى الخطيب واتخبى تحت التخت بعدما أقلقوا راحتهم ، وبعدها راحوا على دار محمد عبدالرحمن وإخوته، ووجدوهم تخبوا تحت الملحفة ودبوا فيهم قتل ، ودبوا قتل في البنات وما عفوا عن الصغير والكبير بالبنات، ، ودخلوا على الختيارة العمياء حليمة الحامد زوجة سيدي محمد فرفصوها في بطنها وما خلوا حدا إلا بهدلوه وأهانوه، وضربوه، وقالوا :ـ

يا الله بدكم ترحلوا عن خريش، وإلا بتموتوا أو بتخرجوا للضفة الشرقية".

ذهب أبناء خريش في اليوم التالي إلى الضابط زكي الدرزي شاكين وباكين و علامات الضرب في أجسادهم، ولكنه أخذ يضغط عليهم للهجرة منها .

حدثني حسن عمر عوده قبل وفاته:

"سألت الحاكم العسكري، لماذا تعاملوننا بهذا التعامل، ماذا فعلنا؟ .

رد الحاكم العسكري علي عليكم الخروج وهذه أفضل لكم، وإلا سيتواصل ضربكم وتعذيبكم، ومعكم أربعة وعشرون ساعة حتى تخرجوا، وإلا فالموت هو مصيركم المحتوم، إن قريتكم مخلة بالأمن العام، أنتم تقومون بإيواء متسللين وثاني يوم أخذوهم ورموهم في جلجولية وكفرقاسم " .

ماذا فعل الاحتلال بعد ترحيلهم ، وما مصيرهم بعد اللجوء ؟

حدثتنا الراوية:ـ

" دار أبو الخطيب قعدوا في البيارة عند دار أبو حجلة، وقعدوا في بايكة بعدها قعّد اليهود كل عيلة في تخشيبة وأعطونا نمرة مطرح دار، وكان لي تخشيبة وتخشيبة أخرى لأخي عبد الحافظ وزوجته عائشة أبوحطب، ولأخواني إسماعيل ونعيم، ومحمد، وكنا نشرب الماء من حنفية في ارض المشروع التي يشرب منها أهل جلجولية، والباقي حطوهم كل واحد في خشابيه.

ومنهم دار ابوحسن عمر وأولاده، و دار أسعد الأحمد، ودار سعيد الأحمد، ودار عبدا لرحمن حسين، و دار حمدان عبدا لرحمن، ودار مصطفى خطيب، و دار الحاج عبدا لله، ودار تيم أبو خالد"د .

وتذكر نشرة صادرة عن دار الشرارة:ـ "القسم الأكبر من سكان جلجولية الحاليين لاجئون من قرية الخربة في الضفة الغربية وتم إجلاؤها إلى جلجولية عام 1948.

 كما الحق لهم لاجئون اضافيون من خربة خريش التي اجلي سكانها عام 1952، وقد حصلت كل عائلة لاجئة على قطعة صغيرة تكفي لبناء بيت فقط من أراضي قرية خريش، وحددت منطقة نفوذ جلجولية من مجمل هذه القطع، وبما أن أراضي خريش لم تكن مسجلة في الطابو، فإن منازل جلجولية ظلت حتى فترة متأخرة بلا صبغة قانونية حتى تموز 1991حيث صودق على خارطتها الهيكلية "([3]).



تدمير قرية خريش:


والآن ما مصير القرية ومبانيها بعد طردهم وتهجيرهم منها؟

كان مصيرها التهجير والتدمير والهدم باستثناء بعض البيوت.

عن عملية تدمير القرية يذكر الراوي:ـ

" صار قرار بزرع مستوطنة هناك واليهود ،ودارت الجرافات تحرث داير سنة بعد احتلالها. بقي الجامع ودار موسى عيسى ،وجرفوا صبر البلد من قبلي والمقبرة لا زالت وسيّجها حياة المختار إدريس الحاج محمود، وحسن مصطفى أبو عمر، وسكنوها يهود كيبوتس حورشيم وربوا البقر، وزرعوا القطن والموز في أراضيها، وأشجار ابوكادو وأحراش في القسم الجبلي،وعملوا بركة فيها وسكان الكيبوتس يهود إشكناز أوروبيين" .



قرية خريش



خريش تعيش في ذاكرة الأبناء:


لم ينقطع أهالي خريش أو من ولدوا فيها من زيارتها في أعيادهم ومناسباتهم، ومن الحديث عنها، وان الدموع تترقرق كلما تذكر ساكنوها ملاعب الصبا وأراضيها وطرقاتها ومسالكها، وكل ذرة تراب زرعت فيها .

ورغم أن حجم الكارثة كان كبيرا، إلا أن الإنسان العربي الفلسطيني الُمهّجر من أرضه ظل يأمل في الرجوع إلى بلاده، وعن هذه الكارثة انشد المرحوم إبراهيم صالح حسين عرار الذي طرد منها عام 1949:ـ

هاجرنا وأصبحنا طنايب         بعد ما كنا حبايب

وحجارة السهل بتنادي        ويا مهاجر على بلادك قوم

غني ياليل غني                  غني على أوتار العود

بلكن عصفور الجنة           على بلادي يعود .

وتذكر إحداهن كيف أن دموعها نزلت غزيرة مدرارا، وأي مصيبة أحدثها موسى شاريت أحد قادة الحركة الصهيونية، وأي تغيير أحدثه الاحتلال على الأرض العربية، قالت المرحومة صالحة مصطفى جابر في مقابلتي معها عام 1985:ـ

        يا عيني هيلي من الدمع كاسي                   على اللي رمونا في بلاد الناس

       ريتك يا شرتوك تبلى بالقواس                           أحرمتونا من الوطن ياعيونا

          طريقك يا خريش صبوها حجارة                تمشي عليها يهود وحكام الإمارة

حاول الاحتلال الصهيوني بالتنسيق مع حكومة الأردن والصليب الأحمر إجراء زيارات متبادلة عن طريق (بوابة مندلبوم ) في القدس وأذكر أنني كنت طفلاً صغيراً لا يتجاوز عمري سبع سنين، وقد التقينا بأقاربنا هناك، ويومئذ كان العشرات في انتظار أقاربهم، ويفصلهم شبك من الحديد عن بعضهم البعض، ويتحدثون مع بعضهم من خلفه، ومنعوا أخذ الهدايا وأشياء أخرى، واكتفى بعضهم بإهداء أخيه وقريبه خاتما من الذهب حيث يمكنه إدخاله من فتحات الشبك.

تبقى خريش حاضرة في ذهن أبنائها الذين يكررون زيارتها ،ومعهم أطفالهم حتى لا ينسوا تاريخها ، وهي تعيش في ذاكرتهم ويحملون فيها : حدثتني والدتي ـ عدة مرات ـ عائشة عبدالهادي :

" دايما بظل أحلم فيها وأتذكر طفولتي فيها ، وما بتغيب عن ذهني مقام الخريشي كانت في تينة هناك ومقطع أرض لدار سيدك "

وقمنا بزيارتها عدة مرات ونحن ننظر إليها بألم وحرقة ، ونحن نرى تزييف التاريخ ، وقد وضعوا نصبا تذكارية وصوروا فيها جنودا قتلوا في هذا المكان ، وأقاموا مضافة بدوية لشرب القهوة العربية ، ومجتمعا اشتراكيا حيث حولت لكيبوتس إسرائيلي ،وأي اشتراكية هذه تقوم على اضطهاد قومي عنصري!

وفي عام 2001توجه أبناء القرية لترميم مقبرة الأجداد ، ولا زالت "عمارة زيتون" جدي عيسى شاهدة على عروبة المكان مثلما تشهد أشجار التين واللوز والصبار والآبار فيها ، وعليها خرزات ، وكلها تؤشر على أن الناس عمروا ومروا من هذا المكان .

أهالي خريش وموقفهم من التعويضات:

بعد أربع سنوات على طردهم من خريش أخذ الاحتلال الصهيوني يلوح بمبدأ تبادل أرض بأرض، أو بيعها، وأضفى مشروعية قانونية على أعماله ؟

اعتبرت إسرائيل أراضي خريش أراض جبلية، وغير مسجلة، ومعنى ذلك أنها تقايض الكثير بالقليل .

وقد حاولوا التعامل مع الأشخاص بمقاييس غير محددة . في البدء قاموا بتعويضهم لكل رب أسرة 500 م2، متذرعين أنهم لا يملكون سندات طابو، وفي الوقت الذي عرضوا فيه المال مقابل الأرض لمن لا يوجد بحوزته إثبات ملكية.

كانوا يعرضون تعويضاً بالأرض لمن معه قوشان وسند طابو،وأحيانا قبلوا (الحجة) بدلا من الطابو واعتبرتها وسيلة إثبات، وأحيانا قايضوا أرضا بأرض ،ولكنهم أعطوهم أقل مما سلبوه بحجة أن أرض خريش جبلية .

وتارة منعوا بعضهم من البناء في جلجولية، حتى يتنازلوا عن حقهم في خريش، في حين أعادوا قطعة أرض لأحد الأشخاص ـ بعد عام 1967ـ ، وذلك بسبب تقديمه خدمات جاسوسية، وهي من أراضيه التي اغتصبتها إسرائيل عام 1952.

بعد عام 1967 نشطت جهود براون المدير العام لدائرة الأراضي في إسرائيل المسماة ( مكركع إسرائيل) ، وحضر إلى بيت أحد الوجهاء في كفرثلث ومعه الحاكم العسكري دوف ، واجتمع بعدد من الملاكين المُهجرين منها وحاول أن يغريهم بالمال أمثال: حسين شقير مراعبة ، وعبد الهادي محمد عرار، وهدى محمود رزق الله، وغيرهم، فلم يلق منهم سوى الرفض .

الا أن آخرين قبلوا بالتعويض، والبيع والتنازل أو المقايضة وهم بضعة أشخاص.

كان الفلاح عطا حسن رزق الله الذي سكن خريش والزاكور أفضل نموذج يرفض المساومة ويحافظ على الأرض وأكثرهم صلابة في رفضه التعويض والمقايضة وتغيير موقع أراضيه، فقد رفض التخلي عن أراضيه البالغة 120 دونما، ورفض تعويضها ب (60) دونما من أراضي جلجولية القابلة للبناء ، وكان رأيه أن هذه ليست لي ولا يحق لي التعويض، وظل يدافع عن أرضه ويزورها يوميا إلى الآن ،رغم مظاهر الشيخوخة والعجز في البصر، وقام بتوكيل ثلاثة محامين للدفاع عنها منذ عام 1950، مات منهم اثنان .

يركب حسن يوميا على عربة حصان يجرها مخترقاً مغتصبات يرحيف، ونيريت ، ويزرع القمح والشعير، ولا يكترث للمضايقات من الأعداء وغيرهم و الذين حرقوا أرضه المزروعة بالزيتون أكثر من مرة، ورغم أن بعض المحيطين به راحوا يشجعونه على القبول بالمقايضة،لكنه رفض وقد التقيته ،وفي حديثه غصة، وهو يتمنى لو أن الله أعطاه من يرثها من بعده، ويتخوف من بيعها بعد موته، وقال لي لو وجدت شخصاً أمينا لورثته من بعدي، ومثل هذه القصة يرفض أبناء عبدالله الحاج حسن بيع أراضيهم واستبدالها، فيفرض الاحتلال ضريبة باهظة، ويطالبهم بمليار وأربعمائة وخمسون ألفا، أو فليثبتوا ملكيتهم بالطابو، فردوا أن ملكيتنا ثبتت بزراعة غراس الزيتون.كان لديهم سند طابو وضعوه في كيس بسقف الغرفة، فجاء عميل وسرقه والله أعلم بحاله.


  
خربة خريش

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. غير معرف2/12/2021

    قريتي الجميلة المدمرة
    كل يوم بمر عنها

    ردحذف
  2. غير معرف12/18/2023

    انا اسمي فارس أحمد خريش اسكن في اليمن يحدثني ابي انة من خربة خريش بجوار كفر ثلث بفلسطين من يعرف شي عنها ارجوك يراسلني على الايميل fariskhuryish@gmail.com

    ردحذف

إرسال تعليق

محتويات المقال