القائمة الرئيسية

الصفحات

حي الشيخ جرّاح - تاريخ الشيخ جراح في القدس والقصة الكاملة

 حي الشيخ جرّاح

إن لحيّ الشيخ جراح أهميّة تاريخيّة واجتماعيّة-اقتصاديّة كبيرة، استمدّها من موقعه الجغرافيّ على الطريق المؤدّي لمدينة نابلس. إذ كان تاريخياً، إحدى محطّات الزوّار قبل دخولهم القدس. وترسّخت أهمّيته مع توالي الأحداث الزاخرة والهامّة على أرضه، بالإضافة إلى العمائر البارزة التي تستوقف الناظرين كلّما مرّوا منها.

حي الشيخ جرّاح

الموقع الجغرافي والمساحة

يقع حيّ الشيخ جرّاح إلى الشمال من البلدة القديمة. تحدّه من الشمال أرضُ السمار - التابعة لقرية لفتا- وقرية شعفاط، ومن الجنوب حييّ باب الساهرة وسعد وسعيد، ومن الشرق حيّ وادي الجوز، ومن الغرب ضواحي القدس الغربية وأراضي قرية لفتا. وتصل مساحة الحيّ إلى 808 دونمات.

تسمية حي الشيخ جراح

سُمّي حيّ الشيخ جرّاح بذلك نسبةً إلى أحد أمراء صلاح الدين الأيوبيّ، مُحر رِِّ القدسمن الصليبيين عام 1187 م، وهو الشّيخ حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، الذي لُقب ب"الجرّاح". تقع في الحيّ، وبالقرب من فندق "الأمريكان كولوني"، الزاويةُ الجراحيّةُ، التي أوقفها الشّيخ حسام الدين، وقد دُفِنَ فيها بعد وفاتِه عام 1201 م، وبجانب الزاوية، جامعُ الشيخ جراح 


الشيخ جراح قديما
بني في حي الشيخ جراح العديد من القصور وكان مزدهرا في القرن الـ18 واعتبر مصيفا للعائلات المقدسية خارج السور 


نشأة حيّ الشيخ جراح وتطوّره

تطوّر حي اُّلشيخ جرّاح ضمن سياق تطوّر الأحياء المقدسيّة خارج البلدة القديمة منذ منتصف القرن التاسع عشر، إذ شهد ذلك الوقت خروج بعض العائلات المقدسيّة خارج سور القدس وبناء أحيائهم في الأراضي المحيطة به، لعوامل عدّة، منها ما ارتبط بتطوّر مظاهر الحداثة في القدس كبناء سكّة الحديد القدس-يافا، وتطوير الخدمات البلدية، ومنها ما ارتبط برغبة بعض العائلات بناء منازل صيفيّة واسعة لها تكون محاطة بحدائق وبعيدة عن ضجيج المدينة واكتظاظها. وهكذا نشأت أحياء القدس خارج السّور مثل حيّ المصرارة
وحي القطمون وحي الثوري، وغيرها .


تُرجِعُ المصادرُ تاريخَ تأسيس حيّ الشيخ جراح تحديداً للعام 1865 ، واشتهرت عائلات الحسيني والنشاشيبي وجار اللهونسيبة كأبرز ساكنيه، وما زالوا حتى يومنا هذا . وكانت غالبية ملكية الأراضي الواقعة غربيّ الحيّ وشماله قبل شرائها من العائلات المذكورة، تعود إلى أهالي قرية لفتا الذين بدأوا ببيعها تدريجيّاً 

وخلال النصف الأول من القرن الماضي، أصبح الحي مُّنطقةً تعجّ بالقنصليات عامّةً، والقنصليات العربيّة خاصّة، منها القنصلية العراقيّة، واللبنانيّة، والسعوديّة والأردنيّة، واستمرت بالتواجد هناك حتىنشوب حرب النكسة عام 1967

حي الشيخ جرّاح قديما

معالم في الشيخ جراح

الزاوية الجراحيّة: 

تُنسَب الزاويةُ الواقعة في الشيخ جرّاح على جانب طريق نابلس، إلى حسام الدين بنشرف الدين عيسى الجراحي أحد أمراء صلاح الدين الأيوبي، الذي دُفن فيها عام 1201 م. أُضيف إليها بيت للصلاة عام
1895 م، يقع في الجهة الجنوبيّة الغربية من الزاوية

مدرسة دار الطفل العربيّ:

 أنشأتها هند الحسيني 6 عام 1948 بهدف إيواء 55 طفلاً يتيماً من أطفال قرية ديرياسين الذين هُجّروا من قريتهم بعد المذبحة فيها، وقد توّسعت هذه المدرسة مع السنين وأصبحت من أبرز مدارس القدس الثانوية.


متحف دار الطفل العربيّ للتراث الفلسطينيّ: 

يقع بالقرب من فندق "الأمريكان كولوني"، وهو مُدار كذلك من مؤسسة دار الطفل العربيّ، وقد افتُتح لأول مرة عام 1978 ، ويحوي قاعات عرض لجوانب في التراث الفلسطينيّ، مثل الأدوات الزراعيّة، وأدوات الغزل والخياطة، والألبسة التقليديّة، وقاعة عرض مخصّصة لقرية دير ياسين والقرى المهجّرة. يمكن زيارة المتحف يومياً ما عدا الجمعة والأحد، من الساعة الثامنة صباحاً حتى الرابعة عصراً.


كلّية هند الحسيني للآداب: 

تأسّست الكليّة عام 1982 م، وهي كلّيّة للإناث فقط. تحتوي على خمس دوائر أكاديمية وهي: دائرة اللغة الإنجليزية وآدابها ،دائرة اللغة العربية وآدابها، دائرة الخدمة الاجتماعية، دائرة لتاريخ، ودائرة التربية الرياضية 7. تتبع اليوم لجامعة القدس.


قصر الأديب "محمد إسعاف" النشاشيبي: 

من أبرز البيوت القديمة التي ما زالت موجودة في حي الشّيخ
1948 (، والذي عُرِفَ بلقب "أديب - جرّاح حتى اليوم، قصرُ الأديب "محمد إسعاف" عثمان النشاشيبي ) العربيّة". وُلِدَ النشاشيبي في القدس، لأبٍ كان عضواً في مجلس "المبعوثان" العثمانيّ وهو عثمان . النشاشيبي، ولأم هٍّي فاطمة أبو غوش 8. وتوفي ودُفِن في القاهرة في كانون الثاني 1948 درس في كتاتيب القدس ومن ثمّ في مدرسة "دار الحكمة" في بيروت لمدة 4 سنوات، وقد "تأثّر بأساتذته
عبدالله البستاني والشيخ مصطفى الغلاييني ومحيي الدين الخيّاط. تعلّق بالأدب منذ صباه، فقرأ كتب التراث، وشُغف ببديع الزمان الهمذاني، وعُرِفَ بين أصدقائه ب"أبي الفضل" )أبو الفضل هي كُنية بديع الزمان الهمذاني(. كان واسع الاطّلاع، ولديه مكتبة كبيرة وشاملة، وكانت مجالسه أجمل المجالس، لم يلقه أحدٌ إلا استفاد منه، وكان يطلب العلمَ لأجل العلم، وكان أستاذَ نفسِهِ، مُندَفِعَاً في سبيل إحياءِ أمجادِ العرب . وتُراثِ الإسلام" 9
عاد النشاشيبي من لبنان عام 1905 ، وعمل مُدر سَِّاً للغة العربيّة في المدرسة الصّلاحية في القدس، وعُ يّن مديراً للمدرسة الرشيديّة عام 1918 ، وبعدها أصبح مفتّشاً للغة العربيّة في مدارس فلسطين. استقال 10 عام
1930 وتفرّغ لكتبه وأدبه، وكان ينشرمقالاته في مجلة "الرسالة" القاهرية تحت عنوان "نُقُل الأديب"، وذلك ما بين 1937 حتى 1947. عُرِف بحبّه الشديد والمخلص للغة العربيّة وكان عضواً في مجمع اللغة العربيّة في دمشق، وكان الأديب الفلسطيني خليل السكاكيني من أصدقائه المُقرّبين.
بُني القصر عام 1922 بإشراف المهندس اليوناني الأصل سبيرو خوري على تلةٍ مرتفعةٍ من الشيخ جرّاح، ويتكون من طابقين تبلغ مساحة كلّ منهما 296 متراً مربعاً، وتسويةً مساحتها 110 أمتار مربعة، ويقع على أرض مساحتها 1210 أمتار مربعة 11 ، ويتم يّز بالزخارف القاشانيّة التيتُزيّن جداره الجنوبيّ والشرقيّ. كان القصر منتدىً أدبيّاً يحجّ إليه الأدباءُ والشّعراءُ والفنانون العرب، مثل معروف الرصافي من العراق، وأحمد شوقي. وأحمد حسن الزيّات وعبد الوهاب عزام من مصر، وغيرهم وفي مذكراته، يذكر الموسيقي المقدسيّ واصف جوهرية أنّه كان يقضي في قصرالنشاشيبي"الليالي مع فيئة من أدباء ووجهاء ليس مدينة القدس فحسب، بل أدباء ووجهاء البلاد العربيّة"، وأن الأخير جَمّعَه في . قصره مع الموسيقار المصريّ محمد عبد الوهاب أكثر من مرة 

القصر حديثاً: في العام 1982 ، اشترت السيّدة هند الحسيني، مؤسّسة ورئيسة مجلس أمناء "مؤسسة دار، الطفل العربيّ" في حينه، قصر النشاشيبي وضمّته إلى "مؤسسة دار الطفل العربيّ" 14 . وفي العام 1986 افتتح فيه "مركز الأبحاث الإسلاميّة" برئاسة الدكتور إسحق موسى الحسيني وإدارة الدكتور حسن السلوادي، وقد أسّس الحسيني في المركز مكتبةً اعتمدت في الأساس على مكتبته الشّخصيّة، ومن ثم أُضيفت إليها كتبٌ من مكتباتٍ عدد من شخصيّات القدس، مثل عارف العارف وناصر الدين النشاشيبي،وفوزي يوسف، وفريد موسىكاظم الحسيني، وزينب جواد الحسيني، وأحمد سعد الدين العلمي 15 . وتضمّ المكتبة كذلك مجموعةً من المخطوطات التي جمعها الحسينيمن بعض العائلات المقدسيّة، وبلغ عددها 480 مخطوطاً 16 في العام 1991 ، افتتحت "مؤسسة دار الطفل العربي" في الطابق الأرضي من القصر"المعهد العالي للآثار والحضارة الإسلاميّة"، تحت إدارة الدكتورة ياسمين زهران، وكان يُعنى بالآثار الإسلاميّة في القدس خاصةً،. وكان يمنح درجة الماجستير في علم الآثار. في العام 1994 ، ضُمّ المعهد إلى جامعة القدس في العام 1999 ، أُعيد تنظيم نشاطات القصر تحت اسم "دار إسعاف النشاشيبي للثقافة والفنون والآداب"، "بهدف المساهمة في إحياء النشاطات الثقافية والفكرية في مدينة القدس" 18 . وفي العام 2004 تضرّرت أجزاء من المبنى بسبب زلزال ضرب القدس، مرّ القصر بعدها بعملية ترميم استمرت طويلاً، إلى أن أُعيد افتتاحه رسمياً في العام 19 2012 . وعدا عن مكتبة "مركز الأبحاث الإسلاميّة" تُنظم اليوم في الدار ندوات ثقافية ومعارض فنية، ونشاطات متنوعة في هذا الإطار.


النصب التذكاري لقتلى عملية "قافلة هداسا": 

بعد زيارتك لقصر النشاشيبي، وبعد الخروج من بوّابته الرئيسة، ربما يلفت انتباهَك على الرصيف المقابل نصبٌ تذكاري صٌّهيونيّ. يأخذ ذلك النصبُ شكلَ لوحةٍ رخاميّةٍ سوداء اللون، يسندها من طرفيها عمودان حجريّان. نُقِشَتْ على اللوحة أسماءُ 78 قتيلاً صهيونياً 20
قُتِلوا في ذات الموقع، في هجوم قادته قوات الجهاد المقدسعلى "قافلة هداسا"، أو كما تُسمّى في  بعض المصادر "معركة الشيخ جراح"، بتاريخ 13 نيسان 1948 وبما أن تلك المنطقة التي وقعت فيها المعركة وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 ، فلم يوضع النصب التذكاري لتخليد قتلاهم إلا بعد ذلك. ربما يتأمل المارّ من هناك أَثَرَ ذلك النصب التذكاريّ وغيره من لنُصُب، فهو من جهةٍ يؤدي لدى أصحابه وظيفةَ تخليد ذكرى قتلاهم، ولكنّه في نفسالوقت يُذَك رُِّ آخرين بتضحيات الفلسطينيين وقتالهم حتى الرمق الأخير من أجل الدفاع عن أراضيهم وردّ الهجوم الصهيوني عليهم.

قافلة هداسا - الشيخ جراح

مصفحات قافلة هداسا المدمرة في حي الشيخ جراح، أبريل/نيسان 1948


فندق الأمبسادور:

 يعدّ فندق الأمبسادور من أوائل الفنادق المؤس سَّة في القدس، إذ شُيّد عام 1955 في موقع دار رشيد النشاشيبي. 21 تملك الفندق شركة الفنادق العربيّة، وظلّت تديرها ح تّى اشتراه سامي أبو ديّة عام 1993 . ومن أبرز روّاد الفندق ملك الأردن الحسين بن طلال الذي خُصّص له جناح في الفندق. تم ترميم الفندق في فترة إغلاقه في الانتفاضة الأولى عام 1987 م. في الخامس عشر من أيّار عام 1968 قام اثنان من فتيان الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، هما رياض أمين جابر وجواد البشيتي بتفجير حقيبة ناسفة في فندق الامبسادور. 

يذكر عبد الرحيم أمين جابر في كتابه "تجربتي في الجبهة الشعبيّة"، أنهم اختاروا فندق الأمبسادور لأنه كان رأس العدو ومقرّ القيادة العسكريّة للضفة الغربية، ويروي: "كانت الساعة الحادية عشر نهاراً عندما تحرّكت مجموعة الأشبال )رياض جابر وجواد بشيتي(، لنسف الأمبسادور، الذي كان يتكوّن من خمسة طوابق، الطابق الأول به صالة الجلوس وصالة المطعم، وكان المفروض أن يضع الأشبال عبوة ناسفة ما بين الصالتين في توقيت يتناسب مع وجبة لغذاء".  كان رياض هو من يحمل العبوة في حقيبة جلد، انفجرت العبوة واستشهد رياض و أُصيب جواد، وقُتل جميع من كان من الضباط والجنود في المكان، و أُعلن يومها منع تجوّل في القدسووضعت الحواجز في الطرقات وأذاع العدوّ الخبر في الراديو الإسرائيلي فور وقوع العملية. 

فندق الأميركان كولوني  :

 يقع هذا الفندق في حيّ الشيخ جرّاح إلى الجنوب من الجامع، وإلى الغرب من مدرسة دار الطفل العربيّ. يُعتبر الفندق من أفخم الفنادق )خمس نجوم( وأغلاها في مدينة القدس. والمبنى الذي يشغله الفندق هو في الأساسمنزل فخم للسيّد رباح الحسيني، أجّره في نهاية القرن التاسع عشر لمجموعة من المُبشّرين والنشطاء المسيحيّين، جلّهم من الأمريكان والسويديين، إلى أن قاموا بشرائه في نهاية الأمر، واستمرّوا في عملهم فيه حتى خمسينيات القرن الماضي، ومن ثمّ تحوّل إلى فندق. " وفي تفاصيل ذلك، فإنّ المحامي الأميركي هوراتيو سبافورد والناشط في الكنيسة البريسبتارين وزوجته آنا تعرضّا لصعوباتٍ في حياتهما، أدّت بهما إلى التفكير في الهجرة والعمل ,"Presbyterian Church في القدس. في العام 1873 ، قرّر الزوجان وبناتهما الأربعة السّفر في رحلة إلى أوروبا، ولكن في اللحظة

الأخيرة اضطرّ الأب هوراتيو إلى البقاء في أميركا لبعض أشغاله. سافرت الأمّ آنا مع بناتها، وتعرَضت السفينة للغرق فتوفّت البنات الأربعة جميعهن، ونجت الأمّ.
حاول الزوجان بعد ذلك ترميم حياتهما والانطلاق من جديد. في العام 1878 وُلِدت لهم ابنة جديدة، وبعد ذلك بسنتين ولد لهم ابن، إلا أنه سرعان ما توفي بعد إصابته بوباء الحمى القرمزية. شاعت الأخبار في شيكاغو، حيث سكنت العائلة، وفي أوساط الناشطين في الكنيسة التي انتمت لها، أن ما حصل للزوجين ما هو إلا "عقابٌ إلهيّ"، وأنهما لا بدّ أن ارتكبا خط أً ما أدّى إلى عقابهما من الربّ بهذا الشّكل. تحت ضغوطات هذه الأقاويل، ترك هوراتيو وزوجته الكنيسة، وانضمّ لاحقاً لهما بعض أصدقائهما، وقرّروا جميعاً "البحث عن
الهداية والإرشاد الإلهيّ في المدينة المقدسة". وهكذا، في آب 1881 انطلقت عائلة سبافورد مع 13 شخصاً بالغاً و 3 أطفال إلى القدس. عام 1925 أسّست بيرثا فستر مركز سبافورد الصحّي للأطفال، تخليداً لذكرى أمّها آنا التي توفّت عام 1923 . وما زال الفندق مملوكاً لعائلة سبافورد، وأوكلوا إدارته لشركة سويسرية.


دار/قصر المفتي:

 بُني قصرُ مفتي القدس الحاج محمد أمين الحسينيفي أواخر العهد العثماني. لم يسكنه أمين الحسيني قط. خلال النكبة صادرت حكومة الاستعمار البريطاني القصر وحوّلته إلى موقع عسكري. تكمن أهميته بإشرافه على الطريق المؤدي شرقاً إلى مجمع هداسا والجامعة العبرية وتحوّل إلى فندق  في السبعينات )فندق شيبرد(، وهدمته قوّات الاحتلال عام 2007 ذكرت عايدة النجّار قصر المفتي في كتابها "القدس والبنت الشلبيّة": تُعرف هذه البناية ب"قصر المفتي" وإن كانت مكوّنة من طابق واحد. فقد استحقّت هذا الوصف لأنّها بنيت من الحجر المشذّب الجميل المسقوف بسقفٍ حجريّ مقبّب. بالإضافة إلى ذلك فقد تم يّز ت جوانب الأبواب والنوافذ بنقوشٍ منحوتة بالحجر، تظهر الفن المعماري العربي والإسلامي. عبارة عن فيلا رائعة من الحجر مشرفة على البلدة القديمة، وكان ولد الحاج أمين الحسيني قد وسع البيت ليكون مقراً لإقامته بعد أن كان في زمن والده بيتاً صيفياً، ومكاناً لالتقاء الشخصيّات الدينية والأدبيّة والعربيّة ،1942 - إلا أنّ المفتي لم يسكنه"  . استأجره صديق المفتي المفكر القومي جورج أنطونيوس ) 1891 . وأصبح محطاً للأدباء والمثقفين والسياسيين  ولم يتبقّ اليوم من آثار القصر إ لّا جزءاً يسيراً من واجهته، تحيط به الوحدات الاستيطانيّة بعد أن وقعت أرضه فريسةً لإحدى الجمعيات الاستيطانيّة.

بالإضافة إلى مستشفى ،YWCA وفي الشيخ جرّاح كذلك مؤسسات أخرى مثل جمعية الشابات المسيحية العيون وبجواره مستشفى مار يوسف )المستشفى الفرنساوي(.


قصر المفتي - الشيخ جراح
قصر وكرم المفتي قبيل النكبة في الشيخ جراح


الشيخ جراح في التاريخ النضالي:

نظراً للأهميّة الاستراتيجيّة للشيخ جرّاح من الناحيتين الجغرافيّة والعسكريّة، شهد الحيّ عدداً من الحوادث التي عزّزت من موقعه في التاريخ النضاليّ الفلسطينيّ. سنذكر أهم تلك الحوادث والسياق الذي وقعت فيه:


خلال الثورة الفلسطينية الكبرى، استخدمت العصابات الصهيونيّة أبنية الجامعة العبرية ومستشفى هداسا الواقعتين على قمّة جبل المشارف لأغراض عسكريّة، كصُنع المتفجرات وتخزين الأسلحة، والانطلاق منها للهجوم على القرى والأحياء العربيّة. حاول المناضلون الفلسطينيون في مناسبات عدة تعطيل هذا النشاط العسكريّ عن طريق التعرض لمواصلات العدو الرئيسية التيكانت تمر عبر حي الشيخ جراح.
يروي المناضل بهجت أبو غربية في مذكراته أبرز هذه العمليات، وهي عملية قام بها ثائران ناشئان وهما صبحي أبو غربية وداوود العلمي تحت إشراف عبد القادر ادكيدك، إذ كمن المناضلان في أرض السمار بالقرب من الطريق الترابي الذي اعتاد الحرس الصهيوني اجتيازه مشياً، وعند مرور اثنين من حرس الجامعة العبرية عبر هذا الطريق متجهين إلى الأحياء اليهودية، ولدى وصولهما إلى الزاوية الشمالية الشرقية لكرمالمفتي، فاجأهما المناضلان بإطلاق النار، فأردياهما واستوليا على سلاحيهما 


الشيخ جراح في نكبة 1948

ضمن الخطّة العامّة للدفاع عن البلاد ضدّ إقامة الدولة اليهوديّة المقرّرة في قرار التقسيم وضدّ إمكانات التوسّع الصهيونيّ المتوقّع. جرت في عام 1947 ترتيبات تضمّنت تسمية قادة الأحياء العسكريّين في جميع مدن فلسطين وبخاصّة المدن المعرضة للخطر. تقاسم قيادة حي الشيخ جراح المناضلان بهجت أبو غربية ومحمود جميل الحسيني.
وفق المنطق العسكري، يكتسب حيّ الشيخ جرّاح أهمّية استراتيجيّة كبيرة. إذ يحدّ البلدة القديمة في القدس من الشمال، ويقع على طريق القدس-نابلس التاريخي، كما يشكّل حاجزاً رئيسياً بين المواقع اليهودية الرئيسية في الأحياء الغربية )بخاصة حي مئة شعاريم) 1874 ( وبين حصونهم على جبل المشارف في مجمع الجامعة العبرية ومستشفى هداسا.
على الرغم من تلك الأهمية، لم تنجح الجهود لتوحيد قيادة حي الشيخ جراح في جبهة موحدة مع باقي جبهات شمالي البلدة القديمة. ويعزى ذلك إلى تعدد من تولى قيادة الحي بعد استشهاد قائده الأول محمود جميل الحسيني )تعاقب على قيادته كمال جميل الحسيني وعادل عبد اللطيف وموسىموسوس( من جهة، ومن جهة ثانية، كان معظم سكان الحي من الأغنياء الذين غادروه ولم يبق من أبناء العائلات حتى آذار 1948 سوى القاضي نهاد جاراللهالذي اعتبر صموده أمراً مفيداً لصمود الحيّ 

خلال نكبة عام 1948 برز المناضل ادريس البكري ، الذي كان أحد الأعضاء السريين في منظمة الحرية، إذ قاد العديد من عمليات اعتراض السيارات اليهودية ونسفها وحرقها في حي الشيخ جراح.
في المقابل، ركّز اليهود عمليّاتهم على هجمات يشنّونها في الليل على حيّ الشيخ جراح يقومون خلالها بنسف المنازل العربية ممّا يؤدّي إلى هجرة السكّان تمهيداً لاحتلال الحي، وصولاً إلى عزل القدس عن رام الله ونابلس في الشمال وتطويق المنطقة العربية شمالي السور من الجهتين الجنوبية والغربية. نذكر منها ثلاث حوادث هي أهم ما انتهى إليها بحثنا:


وقعت الحادثة الأولى في 12 شباط 1948 ، حين حاولت العصابات الصهيونية اعتراض وأسر شاحنات عربية محمّلة بالطحين آتية من حيفا إلى بيت لحم مروراً بحي الشيخ جراح، فتصدّى مناضلو الجهاد المقدّس للمصفّحات الصهيونية بالرصاص والقنابل اليدوية، وسقطت إحدى القنابل داخل المصفحة وفجّرت ما فيها من قنابل وذخائر، فقتل جميع ركّابها الثمانية من رجال الهاغاناه، وفرّت باقي المصفّحات عائدةً إلى. مستعمرة مئة شعاريم المجاورة
أمّا الحادثة الثانية فوقعت في 13 نيسان 194835 . في ذلك اليوم، كانت "قافلة هداسا"، وهي قافلة صهيونيّة تتألف من سبع حافلات مصفّحة، ومصفحتين عسكريّتين، تحمّل مُؤناً وأسلحةً وأطباء ومقاتلي الهاجاناه الصهاينة بشكلٍ أسبوعي ،ٍّ في رحلتها من غربيّ القدسشرقاً باتجاه مستشفى "هداسا" بالقربمن الجامعة العبريّة )جبل المشارف(. في منتصف الطريق وبالقرب من قصر النشاشيبي، هاجمت مجموعةٌ من المناضلين الفلسطينيين التابعين لفرقة التّدمير العربيّة في جيشالجهاد المقدّس، القافلةَ وخلّفَتْ فيها
78 قتيلاً.
بدأت المعركة حين تسرّب خبر مرور القافلة من مرتب القوّة البريطانية المتمركزة في أعالي حي الشيخ جراح إلى قائد حي وادي الجوز محمد عادل النجار. فزُرعت الألغام في طريق مرور القافلة، ورابط المناضلون في المداخل الفرعية وفي البيوت القريبة من الطريق. وعند وصول القافلة إلى موقع الكمين تفجّرت الألغام تحت المصفّحتين المتقدّمتين فاحترقتا وانفجرتا، وتمكّنت خمس حافلات من الرجوع، وحوصرت الحافلتان المتبقّيتان. دارت المعركة بين المناضلين العرب وركاب المصفحات الصهيونية مُساندين بنيران كثيفة من شرق المنطقة وغربها. انتهت المعركةُ بتدخل الجيش الإنجليزي لصالح إنقاذ الصهاينة، إذ جلب معه قوات كبيرة اشتبكت مع المناضلين العرب بعنف وأوقعت في صفوفهم العديد من الخسائر ما اضطرهم إلى وقف القتال والانسحاب. بلغ عدد الشهداء العرب في تلك المعركة 12 شهيداً معظمهم أصيب برصاص الإنجليز.
كانت معركة "قافلة هداسا" إحدى العوامل التي أَوْقَفَتْ زحفَ المقاتلين الصّهاينة خلال حرب 1948 باتجاه شرقيّ القدس، إذ سبقتْ المعركةُ خطّةً لهم للهجوم على طرقٍ أساسيّةٍ فيشرق المدينة 36 . كما ساهمتْ تلك المعركةُ في ردع عمليات القنصِ الصهيونيّةِ التي كانت مستمرّة من منطقة الجامعة العبريّة باتّجاه أحياء وادي الجوز وباب الساهرة وما جاورها. عدا عن ذلك، رَفَعَتْ المعركةُ ونتائجُها من معنويّات العرب، خاصّةً أنّها وَقَعَتْ بعد 5 أيام فقطٍ من هزيمتهم في معركة القسطل الحاسمة على أطراف القدسالغربيّة
واستشهاد القائد عبد القادر الحسيني فيها ) 8 نيسان 1948 (، وبعد 4 أيام من مذبحة دير ياسين الشهيرة ) .37) نيسان 1948

 

حي الشيخ جرّاح

لم تنتهِ إلى هنا الحكاية، فبالحادثة الأخيرة للشيخ جرّاح في النكبة، عاود الصهاينة محاولتهم احتلال الحي
في نهاية نيسان 1948 ضمن إطار حملة "يبوسي" العسكرية، التيأطلقتها العصابات الصهيونية في الفترة

ما بين 21 نيسان إلى 15 أيار عام 1948 ، بهدف احتلال مواقع الجيش الإنجليزي المقرر انسحابه في 15 أيار
1948 ، واحتلال مناطق أخرى من مدينة القدس تُشك لِّ السيطرةُ عليها مفتاحاً للسيطرة على مناطق ومستعمرات مجاورة لها.
استطاعت قوات البالماح في منتصف ليل 25 نيسان 1948 دخول الحي من محور مستعمرة مئة شعاريم غرباً ومحور هداسا والجامعة العبرية شرقاً، غير أن المقاومة العربية التيقادها المناضل بهجت أبو غربية . منعتهم من التمركز بالحي إلا في بناية واحدة وهي قصرراغب بيك النشاشيبي الذي كان تحت الإنشاء
لم يدم احتلال الحي طويلاً، فما إن تدخل الإنجليز وطلبوا من كلا الطرفين وقف إطلاق النار والانسحاب من الحي لأنه يقع على طريق انسحابهم من فلسطين المقرر في 15 أيار 1948 ، حتى انسحب العرب، وتبعهم اليهود بعد الاشتباك مع القوات الإنجليزية، وأصبح الحي بأكمله تحت السيطرة الإنجليزية بعد أن كان لهم . موقع واحد وهو دار المفتي
وما بين يومي 14 و 19 أيار 1948 ، شهدت مدينة القدس وأحيائها المجاورة معارك حامية أضاءت فيها النيران ليل المدينة وسالت الدماء فتضرجت ساحاتها وشوارعها وأسوارها، وارتقى العديد من الشهداء، أُطلق عليها "أيام القدس الحمراء". 

وفي يوم أحمر بتاريخ 15 أيار 1948 ، سقط حي الشيخ جراح، ونجح الصهاينة بالاتصال بمجمع هداسا والجامعة العبرية، وأغلقت على القدس الطريق الشمالية 40 . ارتقى في الدفاع عن حي الشيخ جراح الشهيد مصطفى الكرد من حامية وادي الجوز، وكان قد هرب من سجن المسكوبية . الإنجليزي قبل استشهاده بمدةٍ قصيرة 

وفي 19 أيار 1948 ، أي بعد أربعة أيام من سقوط حي الشيخ جراح، انطلقت قذائف مدرعات الفيلق العربي الأردني المتقدمة من الشمال مساندين بنيران مجاهدي الجهاد المقدس من الجنوب على مواقع اليهود في الحي المحتل، لم يصمد اليهود مقابل الهجوم، فولوا هاربين إلى مستعمرات "سنهداريا" و"بيت اسرائيل" المجاورة 42 ، وبقي الحيّ تحت السيطرة الأردنية حتى احتلاله عام 1967
 

الشيخ جرّاح في النكسة

منذ اليوم الأول لحرب النكسة، اشتعلت المعارك في عدة مواقع من القدس، من بينها منطقة التحصينات الأردنيّة في تلة المدوّرة أو تلة الشيخ جراح -التيأطلق عليها الصهاينة اسم تلة الذخيرة لكثرة ما أسقطوا عليها من الصواريخ والقذائف والقنابل والذخائر خلال النكسة.


كانت الخطة الصهيونية ترمي إلى احتلال مدينة القدس من خلال "بوابة مندلبوم" التي كانت تفصل بين الدولة الناشئة "إسرائيل"، وبين أراضي الضفة الغربية تحت الحكم الأردني. غير أن الدفاع القوي للجيش الأردني اضطر الإسرائيليين لتغيير المخطط باتجاه منطقة الشيخ جراح على أمل الاتصال بجبل المشارفشرقاً.
إزاء هذه المقاومة، اتجه جيش الاحتلال الصهيوني نحو شمالي الشيخ جراح، وشرع بقصف عنيف طال مخفر الشرطة الأردنية في الشيخ جراح ومواقع أخرى. وبالتزامن مع ذلك، وُج هَِّت الأوامر إلى لواء المظليين في جيش الاحتلال الصهيوني بتحويل مهمته من العريش في مصر إلى القدس، وذلك بعد التقدم الذي أبداه سلاح الجو الصهيوني في العريش.
في صباح يوم الاثنين الخامس من حزيران 1967 ، أمر منصور كريشان قائد كتيبة الحسين الثانية )وهي كتيبة مشاة تحمل أسلحة فردية ورشاشات متوسطة ومدافع خفيفة( بتدمير مصادر النيران الصهيونية، وفتحت القوات الأردنية النار على طول جبهة الكتيبة مرة واحدة وأسكتت غالبية مصادر النيران المعادية، تبعتها قصف كثيف للمدفعية الأردنية استهدفت الحشود والآليات الصهيونية. ردت المدفعية الصهيونية مرافقة بالطائرات الحربية على القصف الأردني بالمثل، وتركز القصف على تلة المدوّرة.

وفي منتصف الخامس من حزيران عام 1967 ، حرّك الصهاينة لواء المظليين في مستعمرة "سنهداريا" غربي الشيخ جراح استعداداً للهجوم الرئيسيعلى مدينة القدس. 

تواصل الاشتباك على طول الجبهة بالمدفعية والرشاشات مُسانَداً بالغارات الجويّة. وتمركزت حشود صهيونية مؤلفة من سريتين من المشاة وسرية دبابات قبالة مركز شرطة الشيخ جراح.
كانت الفئة الأولى والثانية من سرية الحسين الثانية متمركزة شمال تلة المدورة وغربها، أما الفئة الثالثة تتمركز في مركزشرطة الشيخ جراح. ومع حلول فجر السادسمن حزيران 1967 استطاعت الكتيبة 66 من لواءالمظليين الصهيوني 44 ، التي تمت عملية إنزالها في ملعب الشيخ جراح، بمساندة سلاح المدرعات والكشافات الضوئية التي سُلطت على المواقع الأردنية فأغشت على رؤيتها، من اختراق الخطوط الأردنية، ودارت معركة حامية أبدى فيها الجيش الأردني مقاومة باسلة. في تلك الأثناء تقدمت قوة صهيونية مُهاجمة بكتيبتين من الأمام، إحداهما هاجمت مركز شرطة الشيخ جراح والأخرى تقدمت عبر حي الشيخ جراح وتقدمت الكتيبة الثالثة خلفهما. تركز الهجوم الصهيوني على المعسكر الأردني من الجهتين الشرقية باتجاه ملعب الشيخ جراح )الملعب الحالي( والجهة الغربية باتجاه
معسكر تلة المدورة. كما وتوجهت إحدى سرايا الكتيبة 66 من لواء المظليين الصهيوني نحو فندق الأمبسادور واستطاعت احتلاله واحتلت المستشفى الفرنسي، وبدأ الصهاينة بالتأهب للتقدم نحو جبل المشارف. تمكن المقاومون المحصنون في خنادق تلة المدورة من صدّ الهجوم الصهيوني الأمامي عدة مرات، واشتدت المعركة وخسرت السرية الصهيونية معظم قادتها، وتولى القيادة من بعدهم ضباط ذوي رتب أدنى وعانت السرية نقصاً في الذخيرة. ولأن الحرب خدعة، رفع الصهاينة الأعلام العربية على دباباتهم وتسلّلوا إلى المنطقة المحصنة في تلة المدورة من الخلف، فأصبح الصهاينة داخل معسكر السرية ودار قتال عنيف. قاوم الجيش العربي الأردني الدبابات الصهيونية التياحتلت المعسكر، وأبدى الجنود تضحياتٍ يخلدها التاريخ، إذ شنوا هجوماً عكسياً فقصفوا الدبابات الصهيونية بقذائف الأنيرجا، ثم تحولت المعركة إلى اشتباكاتٍ من مسافة صفر بين الجنود الأردنيين والصهاينة بالأسلحة البيضاء والقنابل اليدوية. ألحق احتدام المعركة لخسائر الفادحة بالطرف الصهيوني، فدُفِعَت بكتيبة صهيونيّة جديدة تساندها الدبابات إلى ميدان المعركة في الشيخ جراح.
أدّت التطورات الميدانية التي صبت في مصلحة الصهاينة والتفوق العددي والنوعي ونفاد ذخيرة المقاومين الأردنيين )يروي أحد الجنود الذين شاركوا في المعركة أنه حين انتهت ذخيرة الجنود الأردنيين، قاوموا الصهاينة بالحجارة وبالعراك اليدوي( وانقطاع الإمدادات عنهم إلى تدمير الخط الدفاعي الأردني وإبادة السرية، إذ واجهت السرية الأردنية المكونة من حوالي 100 جندي من المشاة لواءً صهيونياً كاملاً مدعوماً بالسلاح الجوي والمدرعات الثقيلة. أدى سقوط الشيخ جراح إلى اتصال الصهاينة بمعسكرهم في الجامعة العبرية ومستشفى هداسا شرقاً، والتقدم من وادي الجوز نحو البلدة القديمة تأهباً لاحتلالها.


يقيم الصهاينة في الموقع اليوم متحفاً لتخليد الإرث العسكري الصهيوني يتبع وحدة المتاحف التابعة لدائرة "تخليد الإرث" في "وزارة الدفاع". يحاكي المتحف المعركة بحيث يقف الزمن بزائري المتحف عند المعركة. وتساهم المتاحف الصهيونية بوصفها جهازاً استعمارياً في تشكيل الهوية الاستيطانية المحاربة وبناء الذاكرة الحية عند المستوطنين في فلسطين، يشكل التخليد نمطاً رئيسياً يحفز الذاكرة الصهيونية ويغرس فيها الإخلاص الدائم إلى "العرق والدم"، في إشارة إلى التضحيات التي قامت عليها "الدولة".


النشاط الاستيطاني في حيّ الشيخ جراح

منذ العام 1972 ، وعيون الجمعيات الاستيطانيّة وتحركاتها تتجه نحو خلق وجودٍ لها في الشيخ جرّاح، بحيث تُشكّل طوقاً استيطانياً يحيط البلدة القديمة من جهة الشمال، ويمنع تواصلَ الأحياء الفلسطينية ببعضها البعض.
تَرَكزََّ عملُ تلك الجمعيات في البحث في عقاراتٍ وأراضٍفي الحيّ تدعي أنّ عائلات يهوديّة كانت "تملكها" أو "تستأجرها" قبل عام 1948 ، ومن ثم تقوم برفع دعاوى في المحاكم الإسرائيليّة لتطالب بإخلاء للمنازل من أصحابها العرب، بحجة أن منازلهم مبنية فوق أراضٍسكنها أو "ملكها" اليهود قبل خروجهم منشرقي القدس عام 1948 . برزت في هذا الإطار قضية 28 عائلة فلسطينية تسكن في كرم الجاعوني في الشيخجراح، والتي تواجه اليوم خطر الترحيل.
1967 (. وفقاً لاتفاقية - تعود قصة هذه العائلات المُهدَدَة بالإخلاء إلى الفترة الأردنيّة في القدس ) 1949 عُقِدَت بين الحكومة الأردنيّة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" عام 1956 ، انتقلت عائلة فلسطينية من العائلات التي هُجّرت إثر نكبة 1948 إلى السّكن في بيوت في حيّ الشّيخ جرّاح. بُنيت تلك البيوت من طرف "الأونروا" على أرض خصّصتها وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية لهذا الغرض.
وفقاً لبنود الاتّفاقية، مُنحت تلك العائلات حقّ السكن في تلك البيوت مقابل تخليها عن حصتها في المؤن التي كانت تقدمّها لهم "الأونروا" بصفتهم لاجئين. لكن ذلك لم يشمل تخليهم لا عن الخدمات التعليمية ولا الخدمات الصحية التي تقدمها "الأونروا"، ولا حتى عن حقّهم في العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها. حسب تلك الاتّفاقية كان من المفترضأن تقوم الحكومة الأردنيّة بتسليم صكوك ملكيّة البيوت لتلك الأسر الفلسطينيّة بعد ثلاث سنوات، ولكنّها لم تفعل ذلك.
بعد احتلال القدس عام 1967 ، تقدمت جهات يهوديّة لدائرة تسجيل الأراضي الإسرائيلية وقدّمت ورقة عثمانية لا يُعلم مدى صحتها قالت إنها دليل على ملكيتها للأراضي في كرم الجاعوني. وهكذا بدأت الجمعيات الاستيطانية منذ عام 1975 تقريباً رفع دعاوى على تلك العائلات الفلسطينية وتطالبها بإخلاء منازلها بدعوى أن الأرض التي بُنيت فوقها المنازل هي ملك لجمعيات يهودية اشترتها منذ منتصف القرن التاسع عشر. وما زالت القضية إلى اليوم تتداول في المحاكم الإسرائيلية.


تأتي معظم هذه الجهود الاستيطانيّة ضمن خطّة واسعة لمنظمة "ناحلات شمعون" الاستيطانية وجهود شخصيات استيطانية مثل "أرييه كينغ"، عضو في المجلس البلديّ لبلدية الاحتلال، لتفريغ حيّ الشيخ جرّاح من سكانّه الفلسطينيين، وبناء مستعمرة إسرائيلية من 200 وحدةٍ سكنيّةٍ. تخدِمُ هذه الخطّة هدف اختراق الأحياء الفلسطينية في القدس، ومنع تواصلها الجغرافيّ، كما أنّها تساهم في تشكيل طوق يهوديّ. استيطانيّ حول البلدة القديمة 

عدا عن العائلات المهدّدة بالتهجير في الحيّ، نجحت الجمعيّات الاستيطانيّة بالاستيلاء على فندق "شبرد" الموجود على الطرف الشرقيّ الشماليّ للحيّ، في الطريق إلى جبل المشارف، والمبني منذ العام 1930.)1974- وكان ملكاً لمفتي القدسالحاج أمين الحسيني) 1895
بطريقة غير واضحة تماماً، استولت سلطات الاحتلال على الفندق، ومن ثم باعته للمليونير الأمريكي اليهودي "إيرفينغ موسكوفيتش" المعروف بتمويل مشاريع الاستيطان 46 . هدمت جرّافات الاحتلال معظم أجزاء المبنى في العام 2011 ، وأبقت جزءاً بسيطاً منه بدعوى أنّه مبنى تاريخيّ، وانتهت عام 2018 من بناء  مجمّعٍ استيطاني كٍّبيرٍ فوق أرضه يُحيطُ حيّ الشيخ جرّاح من الجهة الشماليّة ال شّر قيّة. حتى لحظة كتابة هذه السّطور )أيلول 2020 ( لم تجرِ عمليّة إسكان هذه المستعمرة الجديدة بالمستوطنين، إذ ما زالت عائلة
الحسيني تحاول إثبات ملكيّتها للأرض، وعدم شرعيّة أي عقود بيع جرت لصالح المستوطنين، وذلك في قضايا مرفوعة أمام المحاكم الإسرائيلية.


وفي الحيّ معالم استيطانية أخرى، أبرزها مقرّ شرطة الاحتلال الرئيس، الذي يقع على الجهة الشرقيّة من شارع رقم 60 . بُني المبنى الذي يشغله المقر فُّي الفترة الأردنيّة كمستشفى، ولكن وقوع القدس تحت الاحتلال عام 1967 حال دون افتتاحه، فسيطرت عليه سلطات الاحتلال وأصبح مقراً لقيادةشرطتها. وقد بنت سلطات الاحتلال لاحقاً إلى جانبه بنايات حكوميّة أخرى تُشكّل اليوم الحدّ الشماليّ الشرقيّ لحيّ الشيخ جرّاح. إلى الجنوب من مقرّ قيادة الشرطة، وبجانب المستشفى الفرنسي، يقع معلم استيطاني آخر، انتهى بناؤه
في العام 2017 ، وهو تابع لجمعية "أماناه" الاستيطانية

الخاتمة

تجتمعُ في حيّ الشيخ جرّاح التناقضاتُ، بين الجزء الشماليّ منه حيث مباني العائلات المقدسيّة الفارهة المؤجّرة - في غالبها - للقنصليّات الأوروبيّة والمُحصّنة برجال الأمن والحراسة وكاميرات المراقبة،والُمحَاطة بالمطاعم من هنا وهناك، وبين الجزء الجنوبيّ منه حيث بيوت اللاجئين المتواضعة المهددّة. بالإخلاء لصالح الجمعيات الاستيطانيّة الإسرائيلية في الجزء الشماليّ العُلويّ من الحيّ، حيث نَجِدُ فندق الأمبسادور، وعلى بعد أمتار منه نصل إلى ما يُعرف ب"منطقة القنصليات"، حيث تجد على يمينك ويسارك بيوتاً لعائلات مقدسيّة تشغلها اليوم القنصلياتُ التركية والفرنسية والإيطالية والبلجيكية والهولندية وليس ببعيد القنصلية البريطانية.
وقد بُنيت في السنوات الأخيرة عمارتان جديدتان بالقرب من فندق الأمبسادور، تُشك لِّ الأولى مقراً للرباعية الدوليّة )المؤلفة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وتهدف بحسب تعريفها لدعم مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، ودعم الاقتصاد الفلسطيني وبناء المؤسسات(، والثانية مقر سكن لموظفي بعض القنصليات الأجنبيّة في القدس. مقابل هاتين العمارتين، تقع عمارة أخرى كان يشغلها فندق "ماونت سكوبس"، وتشغل بعض طوابقها اليوم مكاتبُ اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر.
خَلَقَ هذا الحضور المكثّف لمؤسّسات المجتمع الدوليّ والقنصليّات الأجنبيّة وملحقاتها وجهاً آخر للحيّ مقابل وجه الصمود والوجع الحقيقي للجزء الآخر منه، الذي يقع في المنحدر من التلة، ويعيش ظروفاً اجتماعيّةً واقتصاديّةً صعبةً، بالإضافة إلى تحدّياتٍ سياسيّةٍ مؤلمةٍ.
ينقسم الجزء الجنوبيّ الأقل حظاً من حيّ الشيخ جرّاح إلى حارتين صغيرتين على جانبي شارع نابلس الممتدّ من باب العامود باتجاه الشمال. إلى الغرب من شارع نابلس، يقع حيّ "كبانيّة أم هارون"، وإلى ال شّر ق "كرمالجاعوني". في الجهتين، تعيش عائلاتٌ فلسطينيةٌ من لاجئي عام 1948 ، ممّن يواجهون ح تّى اليوم خطرَ الإخلاء من بيوتهم لصالح الجمعيّات والمخطّطات الاستيطانيّة

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. #انقذوا_الشيخ_جراح
    نصركم الله يا شعب فلسطين ويا سكان حي الشيخ جراح.
    اخوكم من السعوديه

    ردحذف
  2. غير معرف5/11/2021

    قضية حي الشيخ جراح.. معركة وجود بلا حدود

    ردحذف

إرسال تعليق

محتويات المقال